سوف يظل أحمد أبوالغيط قيمة مؤثرة في تاريخ الدبلوماسية المصرية، سواء اختلف عليه أو أيده فريق من هنا أو هناك، ففضلا عن كونه وطنيا مخلصا لا شك.. ودبلوماسياً محترفاً بمعني الكلمة.. فإنه يظل مثالا ونموذجا للرجولة الحقيقية والمصرية الصافية والمؤمن حقا بقيمة العمل.. دون أن يكل أو يمل. أتصور الآن وزير الخارجية السابق، وقد قضي مدة طويلة في الموقع الذي راوغه سنوات، ثم جاءه أخيرًا عن جدارة، يقوم الآن بقراءة عديد من الكتب والمقالات، ويحصن نفسه كما اعتاد منذ مقتبل عمره، وكما ينصح المقربين منه، حتي لو لم يكن في حاجة عملية إلي ذلك.. فهو يبني نفسه بصفة مستمرة.. ويعبئ وعاءه الإنساني طيلة الوقت.. ليس لأنه مرتبط بمهمة ما يحتاج فيها إلي ذلك.. ولكن لأن هذه هي طريقته وآليته ومواصفاته. عرفت الوزير العظيم أحمد أبوالغيط منذ سنوات بعيدة.. بالصدفة كان هذا عبر الأقمار الصناعية حين كنت أدعوه بصفتي رئيس تحرير برنامج (الظل الأحمر) إلي مناقشة أمر ما مع المذيعة والإعلامية اللامعة والمخضرمة سناء منصور.. وكان وقتها مندوب مصر الدائم في الأممالمتحدة بنيويورك.. وقد كتبت عنه ذات مرة.. في باب (سنابل وقنابل).. وكلفني الأستاذ محمد عبدالمنعم رئيس التحرير السابق بأن أكتب عنه (وسام الاحترام).. وحفظ هذا أبوالغيط لي.. إلي أن تقابلنا.. وأكمل تعارفي إليه الدبلوماسي المصري المخلص والموهوب والمثقف أيضًا.. الصديق العزيز حسام زكي. اقترتب كثيرا من السيد الوزير.. وفي السنوات الست الماضية أنعم الله علي بهذا التواصل العميق مع شخصية مميزة ونادرة.. أهم ما يتسم بها صاحبها هو أنه (إنسان) حقيقي.. ومصري أصيل.. ومخلص فعلا بدون أي مبالغات. يتميز أبوالغيط بصلادة مشهودة.. وقدرة رهيبة علي المناورة.. وحنكة سياسية بالغة، وإمكانية تخطي صعاب عديدة.. في ظروف حالكة.. ومرونة مميزة.. واستيعاب شامل لكل المتغيرات.. وعلي هدوئه فإن في داخله رياحًا عاتية تموج بها نفسه طيلة الوقت.. دون أن يكشف ذلك.. هذه الرياح هي الطاقة التي تدير عقله طوال الوقت وتوفر له الاستعداد الدائم لما يلي من أمور.. وكما يحرص علي التمرين الرياضي الدائم كل يوم في أي مكان في العالم فإن عقله لا يهدأ عن خوض التمارين السياسية علي مدار الساعة. اكتسب أحمد أبوالغيط مساحة علاقات مهولة علي المستوي الدولي من عمله في الأممالمتحدة، وخبرة قانونية مذهلة، واستطاعة التشبيك الدائم بين الأطراف، وذات يوم في يناير 2009 كنت أجلس في مكتبه، بينما تابعت قدرته علي إشراك مجموعة هائلة من الدول في مؤتمر شرم الشيخ بخصوص أزمة غزة.. في خلال ساعتين تقريبا أجري بضعة اتصالات أدت إلي حشد مهول في المؤتمر الذي تزاحم الحضور علي مائدته علي ما أذكر يوم 18 يناير 2009 . كان أبوالغيط ولم يزل مقاتلا نزيها، ومحاربًا شريفًا، وفي داخله إيمان حقيقي بدور المؤسسة العسكرية في قدرة مصر.. أولا: لأنه (استراتيجي) عملا وقولا، وثانيا: لأن تربيته في بيت الأب الذي كان طيارا مقاتلا جعلته مرتبطا بهذه المؤسسة التي تكن له التقدير، وثالثا: لأنه في مطلع شبابه كان أن وجد نفسه في غرفة العمليات السياسية لحرب أكتوبر.. في كل مرة كنت أتناقش مع الوزير القدير كان العامل العسكري يكون حاضرا في تقييماته باعتباره عنصرا محوريا في تقدير القوة الشاملة لأي من أطراف أي صراع. هذا مقال لا أقيم فيه الأداء السياسي للوزير، الذي لا شك أنه بذل جهدا خارقا ومبدعا في عمله، ولكنه توصيف من الخارج للشخصية العملية والإنسانية التي تعرفت إليها واقتربت منها.. وأفخر بذلك دائمًا.. ولا يمكن أن أختتم هذا بدون أن أشير إلي أني قد سببت له في أحيان كثيرة مشكلات ملموسة.. نتيجة لكتاباتي التي طالت بعضًا من زملائه السابقين وكنت أختلف مع رؤيتهم وطريقة أدائهم.. وبعضهم كان يظن أن هذا الذي أكتبه آت من أبي الغيط.. ولا يتفهمون حرية الكاتب في أن يقول ما يشاء.. ولا يستوعبون حقيقة أن الوزير السابق لم يكن يلجأ إلي مثل هذه الأساليب التحريضية التي ربما يقوم بها بعض الأفراد ضده الآن. هذه تحية إلي وزير مختلف ودبلوماسي قيمة.. وسوف يظل كذلك.. وإذا كنت أعرف أن أبوالغيط يتعرض الآن لعملية تصفية حسابات لا تأثير لها.. وإذا كنت أعلم أنه من بين المستهدفين علي لوحات التصويب.. فإنه لا يجوز أبدا تأجيل شهادة الحق.. تأجيلها يفقدها قيمتها.. والشهادة الصادقة لا ينبغي أن تخضع أبدًا لابتزاز. الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]