ِثلاثة أعضاء نافذون في مجلس الشيوخ الأمريكي طرحوا "مشروع قانون" يقضي بإنشاء صندوق لتقديم مساعدة اقتصادية عاجلة لمصر، وهم السناتور جون كيري رئيس لجنة الشئون الخارجية، والجمهوري جون ماكين والمستقل جو ليبرمان، وإن كان أهمهم علي الاطلاق هو "جون كيري". أولاً، لأنه الأب الروحي للرئيس الأمريكي " باراك أوباما " في سياسته الخارجية، وأحد رموز المصداقية الأمريكية في التعامل مع العالم الخارجي . ثانياً، لأنه يسيرعلي نفس الخط الذي اتبعه كبار الرؤساء الأميركان من أصل ديمقراطي. وهم "ولسون" و "روزفلت" في فترة الحربين، ثم "ترومان" و "كيندي" بعد الحرب العالمية الثانية. الذين آمنوا بأن قوة أمريكي لا تأتي من عزلتها الدولية وإنما من انفتاحها، ودعمها لقيم الحرية والديمقراطية في العالم . الفكرة كما طرحها كيري أمام مجلس الشيوخ، هي : "أن أمام الولاياتالمتحدة فرصة تاريخية لمساعدة مصر، من خلال " دعم الاستقرار الاقتصادي "، حيث تبلغ قيمة الصندوق بين 50 و60 مليون دولار، ويهدف إلي الاستثمار في المشاريع القائمة أصلا أو الجديدة، وهو علي غرار برنامج المعونة الأمريكي الناجح للاتحاد السوفيتي السابق ودول أوروبا الشرقية بعد سقوط حائط برلين في أوائل التسعينيات من القرن الماضي. الرسالة الأهم لهذا الصندوق، تتخطي حدود مصر لتصل إلي دول عربية أخري، وهي استعداد الولاياتالمتحدة لمساعدة شعوب المنطقة علي بناء اقتصادات قوية وديمقراطيات قوية، أي "الاستثمار المزدوج "، في مستقبل العالم العربي وفي مستقبل الأمن القومي الأمريكي.. كيف؟ السيناتور جون كيري هو المرشح الديموقراطي الأسبق، الذي خسر انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2004، أمام منافسه الجمهوري "جورج دبليو بوش" وقتئذ. أجمل فلسفته السياسية في كتاب صدر عام 2003 بعنوان: نداء الخدمة (الواجب): رؤيتي من أجل أمريكا أفضل، عن دار فايكنج- نيويورك، جاء فيه: "لا توجد أنظمة ديمقراطية في العالم العربي من أقصاه الي أقصاه، ومعظم الدول تخضع لأنظمة متشددة أو قسرية الطابع. فضلا عن الفقر، والجهل، والأمية، فنسبة الأمية مرتفعة جدا في العالم العربي وبخاصة في أوساط النساء اللواتي لا يساهمن إلا قليلا في الحياة العامة، وبالطبع هناك بلدان أفضل من أخري في هذا المجال ولكن النسبة العامة لا تزال ضعيفة. أما برامج التعليم الدراسية فلا تزال متخلفة ومليئة بالأفكار العنصرية أو الطائفية التي تكره أبناء الديانات الأخري كرها شديدا. وبالتالي فيلزمها تغيير وتجديد لكي تنفتح علي العصر والحداثة ولكي تعترف بوجود ثقافات وأديان أخري في هذا العالم بالإضافة إلي الثقافة العربية الإسلامية. فالعالم يتسع لجميع الأديان والثقافات إذا ما وسعنا عقولنا جيدا وفهمنا الدين علي حقيقته: أي كمصدر للتعايش والتآخي بين البشر". ويربط كيري بين غياب الديمقراطية العربية وبين العامل الاقتصادي فيري أن تخلف العالمين العربي والاسلامي من هذه الناحية ساهم أيضا في تشجيع قوي التطرف والتشدد. فالعالم الإسلامي الذي يصل تعداد سكانه حاليا الي أكثر من مليار نسمة أي ربع سكان الكرة الأرضية تقريبا، لا يمثل في الاقتصاد العالمي اكثر من 4% وهذا شيء غير مقبول وغير معقول. فشرائح البؤس والفقر منتشرة في النطاق الإسلامي أكثر من أي نطاق. لهذا السبب فلا ينبغي أن يدهشنا نمو حركات التطرف، فالتطرف لا يتزايد ولا ينتشر إلا في ظل الأزمات الاقتصادية وانسداد الآفاق.. وهذا ما حصل في ألمانيا النازية أثناء صعود هتلر إلي سدة السلطة. فلولا الفقر والجوع والبطالة لما استطاع شخص كهتلر أن يصل الي القمة. مجلة التايم الأمريكية في عددها الأخير أيدت أطروحات كيري، ورأت أن تطبيق الديمقراطية في مصر من شأنه أن يؤدي إلي خسارة المتطرفين الإسلاميين، بل والحد من شعبية جماعة الإخوان المسلمين. الإسلام المتطرف لن ينتصر إلا إذا استمر القمع، لكن مع وجود الديمقراطية وانتشار التعددية، لن يكون هناك مجتمع يسيطر عليه فصيل واحد أو جماعة دينية واحدة. بل سيكون هناك مجتمع متوازن تُمثل فيه كل الاتجاهات الفكرية تمثيلاً كافياً.