أجمع المحاضرون في ندوة أقامها مركز تاريخ الأهرام مساء الأربعاء الماضي حملت عنوان «التحليل الثقافي والاجتماعي لثورة يناير أن هناك خلفيات ثقافية واجتماعية كانت وراء ثورة يناير. تحدث في الندوة كل من الفنان عادل السيوي والدكتور محمد بدوي والدكتور فؤاد السعيد، الدكتور مصطفي اللباد وأدارها الكاتب نبيل عبد الفتاح. في بداية الندوة تحدث الكاتب نبيل عبد الفتاح مشيرًا إلي المبالغة في وصف أحداث يناير، التي اتسمت بإختفاء بعض المجازات علي أحداثها واطلاق اطروحات ماركسية علي الأحداث السياسية، كما عانت الثورة حتي الآن من غياب الدراسات الثورية. وأكد عبد الفتاح أن لفظة انتفاضة هي الأقرب في المسمي للأحداث الحالية عن مسمي «الثورة» معللاً ذلك بأن مصطلح الثورة يطلق علي تغيير في نظام التملك والبنية السياسية ووجود نظم جديدة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. ولفت إلي الطابع السلمي والمتطور والمتنامي، والحث علي الضم والتمدد بين الجماهير مثلما كان يحدث في المظاهرات كما حدث من فتيات شابات في مظاهرات المنصورة، وارتفاع سقف المطالب من وقت لآخر، وارتفاع مستوي الحشد الجماهيري يوماً عن يوم، علاوة علي استغلال نقاط الضعف للنظام، والحركة البطيئة من جانبه بسبب الركود السياسي أطلقت عليه إحدي المثقفات (التفاوت في السرعات) لأن الحس السياسي للرئيس السابق وأركان حكمه اتسم بالعطب وفقدان المهارات بالإضافة إلي الطابع الإنساني والكرامة الإنسانية للثورة وعدم ظهور دعاية دينية أو طائفية خلال المظاهرات وهذا الوضع ضيع الفرصة علي الحكومة باستخدام فزاعات الدين أو الجماعات وغيرها وساعدت علي مواجهة العقبات التي كان يمكن أن تواجه الثورة، هذا غير الطابع الحداثي لها من خلال تنوع الأفكار والأساليب المستخدمة والمحاكاة الساخرة والتنكيت كسلاح قاهر لخلق حالة من الاغتيال للرئيس السابق وأركان حكامه، بالإضافة إلي توظيف المكان وتحويله إلي أيقونة هو وصور الشهداء علاوة علي الطابع المشهدي بتحويل الثورة إلي فعل ثقافي وغنائي وغيرها وهذه من تأثيرات العولمة علي الثورة في حين لفت الفنان عادل السيوي إلي أن المجال الثقافي والفني في مصر يعمل علي سد الاختناق الحادث في الثقافة، فنجد أن التيار اليساري تأثيره الثقافي أكبر بكثير من التأثير السياسي. وأن الإنتاج الإبداعي كان سبباً لانتزاع حرية أكبر، وإنتاج منتج ابداعي للتعبير عن فكرة أعم وهي توسيع مجالات الحرية، وأوضح السيوي قائلاً: نجد أن في 1972 هناك انحياز لفكرة التقدم، وكانت وسائل الاتصال ضعيفة، ولكننا نجد جيل نيابة كان له قدرة علي التواصل بشكل سريع وكبير، بالإضافة إلي تفكير جماعي ومتسارع وذلك أدي إلي وجود مفاجآت كثيرة علي أحداث الثورة وعدم توقعها مسبقاً في حين أن جيل 72 مبادراته كانت احتجاجية وسقفها ضئيل وكانت تهدف لدفع النظام إلي أداء أفضل، وأكد أن جيل يناير تميز بشجاعة وقدرة أكبر علي المواجهة والمبادرة، ومثال لذلك الشهيد أحمد بسيوني والذي كان مبدعاً حقيقياً، فقد قام بانتزاع مساحة فنية خاصة به من خلال أدائه لفن «البيروفورمانس.. الأداء الحركي». وأشار إلي أنه في الميدان كانت تتم عملية طرح أفكار دون صقلها في حين أنه وفي عام 1972 كان يعيش الجيل داخل دائرة السيرة الذاتية وتساءل: هل نحن أمام فرصة حقيقية لعمل تطور في الفن والثقافة في مصر؟ وعقب السيوي ذلك يدعونا لطرح تجربتي طه حسين وثروت عكاشة، وكان حسين يعتمد علي طرح وتقديم نخب للثقافة والفنون وهي من أفكار ثورة 1919 المبنية علي الدور الفعال للبحث، أما عكاشة فقد فكر في أدوات الإنتاج الثقافي وأن الثقافة دورها مبني علي ضخ وإنتاج الثقافة من خلال مؤسساتها وأدواتها وقال السيوي: إن الثورة فجرت سياقاً جديداً ومختلفاً يمكن أن تعطي ثمارها علي الثقافة المصرية. في حين يري الناقد الدكتور محمد بدوي أن الثورة المصرية اعتمدت علي المكانة المركزية لمصر مكانيا وسياسيا، والانتصار لهذه الأفكار تأكيد لهذا المعني بشكل أكبر بالنسبة للخارج، وأن الثورة حتي الآن فعل مفتوح لم تكتمل أبعاده، والثورات السابقة هي ثورات عصر الطباعة، أما الآن فإن التقنية لم تعد أدوات فقط ولكنها مساعدة علي صياغة الأفكار والمعلومات، والفكرة الأساسية للثورة وجود متطلبات وظروف تؤدي إلي حدوثها. وأكد البدوي: أن عدم الميل إلي العنف، واستعمال النكتة كسلاح وهي نماذج من المكون الثقافي للمجتمع المصري وهي من العوامل التي ساعدت علي نجاح الثورة، ولكنها أيضا تحولت من فعل عقلي إلي فعل جسدي في شكل المظاهرات وأن شكلاً الثورة الحالية تحمل نوع الهوية والتي أدت سكون المطالب الفئوية الدينية مما خلق نوعًا من الوعي وأضفي عليها شكل رومانتيكيا خلاقًا وذلك وضع النظام المصري في مأزق كبير وأحداث الجمال أكدت علي اختفاء الخيال لدي النظام وأعطي صورة عن جمود عقلية الدولة لذلك كنا نجد أن الثورة سابقة بخطوات، والثورة حولت المفاهيم إلي ضدها مثل فكرة الموت والاستقرار، يكمل: والثورة تكثيف لعدد من العوامل فوسائل الإعلام ليست وسيطًا لنقل الحدث وإنما من الممكن أن تصنع الحدث، وذلك أعطي طابعا آخر للإحساس بالزمن، ومن الاختلافات الحادثة أنه في السابق كانت الدولة هي المسيطرة وصاحبة القول والفعل وأنها هي «الرافعة التاريخية» أما ما حدث في يناير هو أن الشعب أصبح هو «الرافعة التاريخية»، كما أن الثورة أنقذت الدولة من النظام، ومن المفارقات لثورة يناير أن الثوار الذين صنعوا الثورة لم يتسلموا السلطة في نوع من التجاذب والتجديد لآليات عملياتهم الثورية، وانعدام وجود قيادة مركزية ليصبح اتخاذ القرار شركة بين مجموعة، وأن التيارات الأصولية مثل الإخوان المسلمين مطالبة بإنهاء أفكارها والاندماج مع المجتمع ليصبح الدين كثقافة وليس كسلطة للمنح والمنع. الباحث بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية الدكتور فؤاد السعيد أكد فكرة «اختلاف الصراعات» الذي وضع النظام في مأزق خاصة وأنه كان معتادًا علي التعامل مع كتلة ثابتة مثل أحزاب المعارضة، ولكنه وجد نفسه يتعامل مع كتلة متحركة علاوة علي وجود تفاوت بين الأجيال بين جيل الكبار والذين كانوا متأخرين في ادراك الثورة وبين جيل الشباب الذي بدأها وصنعها وبين جيل الوسط الذي يحاول الربط بين الجيلين بالاضافة إلي، وجود «الرحيل فوبيا» التي تعم العالم العربي حتي أصبحت أشبه بالعدوي، ومن الظواهر الثقافية الحادثة ظاهرة التواحد مع العدو، المتمثلة في حالة القرب التي يمكن أن تحدث مع العدو مثلما في خطاب الرئيس السابق الثاني والذي أحدث نوعًا من الشرخ بين المؤيدين والمعارضين، مثل توحد الشباب مع خالد سعيد واستخدام قوة الصورة ليتوحد معها من تعرض لظروف مشابهة أو كان يمكن أن يتعرض لها، وظاهرة «البوعزيزية» والتي انتشرت بين الدول العربية، وهي حالة صادقة في حين نجد أنه في مصر حدثت ست حالات انتحار مشابهة ولكنها لم تكن بنفس التلقائية الصادقة، ولكنها تحمل نوعًا من القصور والانتهازية نتيجة لأنها حدثت بسبب حالة شخصية أو بسبب افتعالها. يكمل: في الثورات كان الفقر دائما هو المحرك، أما في حالة ثورة يناير فكان الفقر والاهانة هو المحرك الرئيسي، ومن الملاحظات السلبية للثورة المبالغة في الاشارة إلي التلاحم الشعبي بين أطراف المجتمع لأن ذلك لا يتم في يوم وليلة، وقد تميزت الثورة بتماه في الأفكار بين ما هو ديني وما هو سياسي ولم ينفرط هذا العقد إلا في يوم الجمعة 18 فبراير وهو أول يوم يحدث به نوع من التحرش والاختلاف، واختلاف المرجعيات للثوار اضفي نوعًا من الحيرة بين الأفكار الثقافية المحركة لهم، ولم يتنبأ كثير من السياسيين للزخم الحادث أيام الثورة الأولي فقد تعامل معها الثوار بذكاء من خلال تعاملهم مع قضايا محددة حتي لا يحدث تشتيت وذلك علي العكس مما كان يحدث في الثورات السابقة وأكد علي أن النموذج التركي يثبت وجوده بقوة كحل للمأزق السياسي الحادث.