"الهدفُ من هذه الندوة ليس تأبين د.محمد السيد سعيد" بهذه الجملة قدم بهي الدين حسن الندوة التي أقامها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان لمناقشة المشروع الفكري لمحمد السيد سعيد. فقد استعار بهي الدين واحدة من عبارات الراحل الأثيرة التي كان يرددها كثيراً وهي "إكرام أي كاتب مناقشته" موضحاً أن هدف الندوة ليس مديح د.محمد وتذكر محاسنه بل مناقشة أفكاره والاختلاف معه والجدل مع ميراثه الفكري. لكن تنفيذ وصية بهي الدين كان أمراً صعباً علي كل المشاركين خصوصاً د.السيد ياسين الذي وصف الراحل بأنه كان ابناً له، حيث تحدث د.السيد ياسين عن علاقته بمحمد منذ السبعينيات حينما رشحه عمر محيي الدين للعمل معهم في المركز وكانت المفاجأة حينما أعد د.محمد السيد سعيد بحثاً فريداً عن الشركات متعددة الجنسيات، كشف عن تمكنه من علم الاقتصاد السياسي. ربط د.السيد ياسين في مداخلته بين أفكار محمد السيد سعيد والواقع الثقافي المصري، حيث حذر الراحل من خطورة ازدواجية المثقف العربي المتحرر خارجياً ، الطائفي والعصبي داخلياً ضارباً المثل بموقف بعض المثقفين المصريين من الاحتقان الطائفي وترديدهم لخطابات طائفية ساهمت في إشعال نيران الفتنة الطائفية، واعترف د.السيد ياسين بأننا كمثقفين قصّرنا في إنتاج خطاب تنوير حقيقي، وحاول د.السيد ياسين إكمال كلمته لكن تأثره غلب عليه حيث قطع كلمته محاولاً إخفاء دموعه حينما تذكر ما حدث للراحل إبان اعتقاله وتعذيبه. بدأت بعد ذلك أولي ندوات الأمسية بجلسة أدارها د.حسن نافعة وتحدث فيها د.نبيل عبد الفتاح الذي قال أن أهم ما ميز مشروع محمد السيد سعيد أنه مشروع مفتوح وليس منغلقاً أو محصوراً بحدود ايدلوجيا ضيقة، كما أن إنتاجه متنوع يتوزع بين السياسة والاجتماع والفكر والأدب. فمحمد استفاد من ولعه الشديد بالرواية والأدب والسينما في فهم التركيبة النفسية لعلاقة السلطة بالأفراد، كما غذت هذه المصادر خياله وساعدته في رسم السيناريوهات السياسية. وعن علاقته بالأدب أضاف عبد الفتاح أن محمد السيد سعيد من الباحثين القلائل الذين نجحوا في خلق لغتهم الخاصة، فليست اللغة عند محمد وسيلة للتعبير بل هي المعرفة والعالم في حد ذاته، لهذا تميزت معظم كتاباته بلغتها الساحرة. أما د.جمال عبد الجواد فقال إن أهم ما ميز مسيرة محمد الفكرية أن أعماله وتميزت دائماً بالعمق الشديد ولم يكتب عن الأحداث التجارية إلا في الفترة الأخيرة حينما ترأس جريدة البديل. وأضاف عبد الجواد "جزء أساسي من مشروع محمد السيد سعيد هو هدم الأسوار بين فروع العلوم الاجتماعية من اقتصاد، سياسة، ثقافة.. وبناء علم اجتماع جديد يجمع كل هذه الفروع معاً". وأكمل عبد الجواد قائلاً: أهم ما ميز أفكار محمد السيد سعيد ثقته في الجماهير والشعوب لذلك كان مناضلاً سياسياً فعالاً مع الجماهير الأمر الذي لم يعطه الكثير من الوقت لتطوير أفكاره. تحدث بعد ذلك د.محمد قدري سعيد الذي ربطته صداقة قوية بالراحل وعمل معه في أكثر من مشروع حيث وصفه بأنه كان متحرراً من جميع الأيدلوجيات، كما كان مهتماً بعلاقة التكنولوجيا بالسياسة وبالعلاقات الدولية بين الدول وبعضها البعض، ولم يكن مقتنعاً أن تتحكم دولة واحدة في مصائر العالم. عقّب علي كلام الحضور د.عمار علي حسن الذي اختلف مع د.جمال عبد الجواد وقال إن محمد السيد سعيد لم يخسر بمشاركته في الحراك السياسي مع الجماهير فكل الأفكار الكبري خرجت من رحم الواقع، كما وجه د.عمار انتقاداً شديداً لتراخي مؤسسة الأهرام في إعادة جمع تراث محمد السيد سعيد وطباعته رغم وعد د.عبد المنعم سعيد رئيس مجلس الإدارة بطباعة أعمال الراحل بعد وفاته مباشرة , وقال :ورغم مرور أكثر من عام حتي الآن لم تظهر أعمال محمد السيد سعيد إلي النور. أدار الجلسة الثانية من الندوة د.عبد الجليل مصطفي وتحدث فيها د.عمرو الشوبكي عن إسهامات محمد السيد سعيد في المراجعات الفكرية، بداية من مراجعته هو نفسه للأفكار الماركسية الكلاسيكية التي تبناها في شبابه. أما د.نيفين مسعد فقد تحدثت عن دراسة د.محمد السيد سعيد عن النظام العربي بعد حرب الخليج، حيث تنبأ بعدم قدرة النظام العربي علي الاستمرار نتيجة عدم قدرته علي تلبية احتياجات أعضائه، كما أشارت د.نيفين إلي قيمة الديمقراطية في فكر محمد السيد سعيد فهي بالنسبة له المفتاح للنهوض والتحرر.