المهمة الثقيلة التي يتولاها وزير الثقافة الدكتور عماد أبوغازي، تحتاج إلي دعم حقيقي من المثقفين، فالرجل مشهود له بالكفاءة والجدية والنزاهة، لكن التركة التي آلت إليه حافلة بالهموم والمشاكل، والمسئولية الأهم والأخطر هي التواصل العملي مع الناس علي أرض الواقع، وتحويل المواقع الثقافية المختلفة إلي أسلحة تنويرية تواجه الأفكار المختلفة وجيوش الظلاميين الذين ينتشرون في ربوع مصر، ويحققون انتصارات مدوية متتالية، لأنهم لا يجدون من يتصدي لهم. المطلوب من وزير الثقافة أن يرعي الآلاف من مثقفي ومبدعي مصر في الأقاليم، وأن يعيد لهم اعتبارهم ومكانتهم الضائعة، وأن يغذي أندية الأدب والمسرح والسينما والموسيقي والفن التشكيلي بما تحتاج من إمكانات بسيطة، وأن يشكل جبهة عريضة تتفق علي برنامج الحد الأدني، مقاومة التطرف والفساد معا. يعرف الوزير جيدًا، بحكم خبراته وتجاربه، أن مصر حافلة بالمواهب وأصحاب القدرات، ويعرف أيضًا أن اجهاض هؤلاء متكرر بفضل الأغلب الأعم من قيادات وزارة الثقافة، الذين ينتصرون للوظيفة، ويتمسكون باللوائح العقيمة دون ابتكار، ويحاربون النشطاء الواعين كأنهم وباء جدير بالحرب المقدسة! لا يحتاج العمل الثقافي إلي ميزانيات إضافية ضخمة، وغاية المطلوب أن تتحول الملايين المهدرة في المؤتمرات الوهمية والاحتفالات الهزلية إلي مساراتها الطبيعية. المأمول أن يتسع وقت الوزير ليقوم بزيارة أسبوعية إلي إحدي المحافظات، من الإسكندرية إلي أسوان، وخلال ستة شهور سيري بعينيه ويسمع بأذنية شكاوي ومقترحات، ويتخذ قرارات تنصف من تعرضوا للتهميش والإبعاد. القاهرة هي العاصمة وموضع الاهتمام الأكبر، ويعيش فيها المرموقون المشهورون ممن يتعاملون مع الصحف والفضائيات، لكن المقيمين في سوهاج وقنا والمنيا ودمياط والمحلة ليسوا متهمين باختيار البقاء في بلدانهم، فهناك الأسرة ومصدر الرزق، ولا أقل من دعمهم وتبني أحلامهم ومطالبهم. الثقة كاملة في الدكتور عماد أبوغازي، فهو مثقف حقيقي محترم، لا يملك عتاة المختلفين معه إلا تقدير رؤاه واجتهاداته، ولعل سمته الأعظم هي أنه ديمقراطي بحق، ومستنير بلا ضجيج، وجاد بلا ادعاء، وراغب في الإصلاح والنهضة، فضلا عن أنه بلا شلة، ولن تكون له شلة. مرحبا بالوزير الذي يراهن الجميع علي حيويته، وينتظرون أن يشهر سلاح الثقافة أداة لاقتحام المستقبل، والتصدي لمن يتحسسون مسدساتهم عند الاستماع إلي كلمة الثقافة.
