أكثر من شاب من الشباب الذين فجروا ثورة 25 يناير رفضوا منذ وقت مبكر جداً وصف هذه الثورة بأنها ثورة شبابية، مؤكدين أنها ثورة شعبية، شارك فيها الشعب كله بشبابه وشيوخه.. نسائه ورجاله.. مسلميه.. ومسيحييه. وكان ذلك يعني بوضوح نضجاً راقياً لدي هؤلاء الشباب الذين رأوا الواقع.. واقع الثورة.. بدون غرور أو استعلاء.. كانوا يعرفون أنهم بالفعل مع غيرهم من الشباب الذين بادروا بالدعوة إلي مظاهرات 25 يناير، وأنهم هم الذين ثابروا وصمدوا يوم 28 يناير مطالبين بتحقيق الأهداف التي يسعون إليها، وهي الخير والحرية والعدل.. لكنهم يعرفون أيضاً أنه لولا استجابة جموع الشعب لهم وخروجهم من منازلهم وتدفقهم إلي ميدان التحرير، وميادين وشوارع أخري في مدن ومحافظات عديدة لكانوا عادوا هم إلي منازلهم أو إلي السجون.. أي ما كانت نجحت دعوتهم.. هذه الجموع الشعبية هي التي صنعت وقامت بهذه الثورة التي دعا إليها هذا الشباب وقام بتفجيرها بإصراره وصموده يوم 28 وأيضاً أربعاء البغال الشهير. لكن للأسف هذا النضوج الذي يتسم به هؤلاء الشباب غير متوفر لدي آخرين سواء كانوا شباباً أو كباراً.. بمرور الوقت سرنا أمام ظاهرة ليست طيبة علي الإطلاق.. إنها ظاهرة احتكار الثورة.. نحن أمام أناس يحتكرون الثورة.. يحتكرون التحدث باسمها بل والتصرف باسمها. لقد اختصر هؤلاء الثورة في أنفسهم وقاموا بإلغاء الجموع الغفيرة التي شاركت فيها، والجموع الأكبر التي احتضنتها وأيدتها ودعمتها وساندتها، ورعت من شاركوا فيها.. هذا خطر يواجه ثورة 25 يناير يفوق خطر الثورة المضادة، بل ويفوق خطر سرقة الثورة ممن لم يشاركوا فيها، ويريدون استثمارها واستغلالها لتحقيق مآرب خاصة. ولعل هذا الخطر الجسيم يتساوي في الحجم مع خطر آخر يتهدد ثورة 25 يناير، وهو خطر الابتعاد عن أهم وأكبر أهداف هذه الثورة وهو إرساء نظام ديمقراطي حقيقي بعد هدم النظام الديكتاتوري الذي فرض هيمنته علي المصريين عقوداً عديدة. نحن الآن نري ونسمع ونقرأ لمن نصب نفسه متحدثاً باسم الثورة ويتحدث بلهجة تخاصم الديمقراطية، بل تعاديها.. إنه يريد فرض رأيه وإقرار رؤيته وحده دون نقاش، ودون الاحتكام لقواعد الديمقراطية التي ننشدها وبناء أسس نظامها، وهي القواعد التي تلزمنا بالنقاش أولاً علي نطاق واسع، ثم الالتزام برأي الأغلبية، مع السماح للأقلية بالتعبير عن رأيها كما تشاء وبكل الوسائل، ولكن فقط بدون عنف. لقد عشنا في ظل الديكتاتورية عقوداً عديدة.. ونحتاج جميعاً لأن ندرب أنفسنا علي الديمقراطية وتجربة أن نسلك السلوك الديمقراطي، سواء في الحوار أو في اتخاذ القرار، أو في حماية الأقلية وصيانة حقها في التعبير عن رأيها الذي يخالف رأي الأغلبية. وإذا كان الشباب هم الذين بادروا بتفجير ثورة 25 يناير، وصابروا وصمدوا من أجل نجاحها بعد تحولها إلي ثورة شعبية.. فإن هؤلاء الشباب هم الذين سيحمون هذا الثورة من كل وسائل وسبل الانحراف عن مسارها الديمقراطي، وأيضاً حمايتها من محاولات البعض من الكبار وحتي الشباب لاحتكارها بصراحة أنا أراهن علي نضج يتمتع به عدد كبير من هؤلاء الشباب.