ظل القرآن الكريم يوجه الذين آمنوا واتبعوا النبي محمد عليه الصلاة والسلام منذ اليوم الأول لبعثته عليه الصلاة والسلام إلي تعميق الفصل التام في نفوسهم بين حياة أو موت شخص النبي عليه الصلاة والسلام وبين فكرة ووجود وبقاء الإسلام كدين، ما يعني أن وجود أو غياب أو حياة أو موت شخص النبي عليه الصلاة والسلام لا يمثل عاملا أساسيا في وجود وبقاء الإسلام كدين، لذلك ظلت التوجيهات الربانية تتوالي في هذا الصدد لتربية الفرد المؤمن علي تنمية الشعور بحريته واستقلالية كيانه الآدمي وتعويده علي أن يكون مسئولا وحده وبمفرده عن كل أفعاله وقناعاته واختياراته، وكذلك تعويده وتربيته علي ألا يربط مصيره وحياته وتصوراته وفكره ومعتقداته وخياراته بشخص ما أو قائد ما حتي ولو كان ذلك الشخص أو ذلك القائد هو شخص النبي محمد عليه الصلاة والسلام. فقد أمر الحق سبحانه رسوله بأن يعلن للناس جميعا أنه بشر مثلهم لا فضل له ولا تفضل عليهم رغم تكليفه بمهمة إبلاغ الوحي، بل طالب من آمن بما جاء به الوحي أن يلتزم بمسئولية وبمحض اختياره بمقتضيات هذا الوحي من عمل صالح ونبذ الخضوع والعبودية لأحد إلا الله وحده، فقال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحَي إِلَي أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (110 الكهف). بل زاد الله لهم في تأكيد ذلك الفصل بين شخص النبي وبين الدين كدين حين أخبر أن ما يقوله محمد عليه الصلاة والسلام لكم من وحي ودين ما كان له أن يتقوله من تلقاء نفسه أو يكذب عليكم أو يخادعكم ولو فعل ذلك لكان جزاؤه كالتالي: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَينَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ 44) لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) (47 الحاقة). بل أكد لهم الحق سبحانه ذلك الفصل التام بين شخص نبيه وبين الرسالة التي يقوم بتبليغها للناس حين أمره سبحانه أن يخبر الناس بأنه مكلف مثلهم بما يقوله لهم وبما يأمرهم به وأنه ليس استثناء في أن يخالف ما يدعو الناس إليه وليست له مزية في أن يقول شيئا ويفعل خلافه بل لو فعل وخالف ما يدعو إليه سيناله من العقوبة أضعاف ما سيناله غيره من الناس، فقال: (قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيتُ رَبِّي عَذَابَ يوْمٍ عَظِيمٍ) (15 الأنعام). بل قرر لهم الحق سبحانه حقيقة كبري وهي أن اختيارنا لمحمد عليه الصلاة والسلام للقيام بأداء هذه المهمة وبتبليغ تلك الرسالة لا يعني له أن يكون وصيا علي الناس أو وكيلاً عليهم أو حفيظا، فقال: (وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيهِمْ حَفِيظاً وَمَا أَنْتَ عَلَيهِم بِوَكِيلٍ) (107 الأنعام). وقال: (مَن يطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّي فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيهِمْ حَفِيظاً) (80 النساء). بل لقد زاد الله لهم الأمر فصلا وتفريقا بين شخص النبي وبين ما يدعو إليه من دين وما يقوم بتبليغه للناس من رسالة، وأن حياته عليه الصلاة والسلام ليست مرتبطة ارتباطا عضويا بإقامة هذا الدين، وكذلك حياته عليه الصلاة والسلام ليست ضرورية لوجودكم كأمة آمنت بهذا الدين، وليست ضرورية لبقاء هذا الدين واستمراره، فأعلنها الحق سبحانه صريحة مدوية: (إِنَّكَ مَيتٌ وَإِنَّهُم مَّيتُونَ) (30 الزمر)، يا لها من توجيهات وحقائق وتربية تطيح بكل صور وأشكال الخضوع والتبعية وربط مصائر الأمم بالأشخاص والقادة حتي ولو كان ذلك الشخص أو ذاك القائد هو شخص النبي محمد عليه الصلاة والسلام، فكيف بمن هو دونه؟. وقد يسأل سائل ويقول: وهل أثمرت التوجيهات الربانية العظيمة هذه والتربية القيمة تلك شيئا ملموسا في نفوس الذين تربوا علي هذه التوجيهات من أتباعه عليه الصلاة والسلام؟، هذا ما سنستوضحه ونتبينه في المقال القادم. باحث إسلامي يقيم في أسيوط