لا أحد ينكر ما قام به الشباب من تغيير في الحياة السياسية، ليس في مصر فقط، وإنما علي مستوي العالم العربي، و حققوا ما يفوق مطالبهم، لكن وبين عشية وضحاها تحول المشهد بالكامل وأصبح الشباب وأفكارهم هم محور أحاديث الساعة وكأن كل ما حدث قبل هذا كان هباء منثورا ، ونسوا أو تناسوا أن هؤلاء الشباب هم نتاج ما حدث علي مدار 30عاما رغم ما فيها من نقائص فهؤلاء الشباب قد حصلوا علي حق التعبير و وضعت تحت أيديهم كل وسائل التكنولوجيا الحديثة بكل يسر وبلا رقابة. وينتهي المشهد برمته علي نجاح حركه الشباب وجموع الجماهير التي وقفت معهم لتعطي هذه الحركة شرعية ومسارا مغايرا تماما، إلا أن المشهد الرائع لم يستمر علي هذه الفرحة بالتغيير، وما طالب به الشباب من حرية التعبير وحرية الرأي لنفاجأ بأن كل من يعلق أو يخالف آراءهم أو ينتقد ماحدث يتعرض لحملة تخويف وتخوين ومعاداة للحركة بل واتهامه بقلة الوطنية، وأصبحت التهم توزع وتكتب قوائم سوداء، حتي باتت تشبه محاكم التفتيش التي كنا نسمع عنها ولم نعشها. وأتساءل هل يفترض أن أراجع كل ما سأفكر فيه وأترجمه الي كلمات تهلل وتطنطن لكل ما يحدث حولي حتي لو كنت أري وأشعر بسلبيات كثيرة؟ والكارثة تكمن ان غالبية من نراهم يطلون علينا في الشاشات تناسوا كانوا اكثر المستفيدين علي مدار سنوات ماضية ماديا ومعنويا الا انهم فجأة تنصلوا من كل هذه المكاسب وكأن المشاهد المصري قد اصيب بفقدان الذاكرة والأدهي انهم باتوا يلفقون ويرمون بالتهم جزافا لكل من يقول كلمة حق في حقبة زمنية مضت او ظن البعض انها مضت في اقل من شهر فهل من المفترض انه بنجاح حركة ما او ثورة ما ان تمحو بكل قسوة كل السنوات السابقة؟.. واذا كان الامر كذلك فلم قامت الحركة ولماذا خرجت جموع الجماهير لتنادي بالحرية، وخاصة حرية التعبير؟ بينما من يحذر من أن كثرة الاعتصامات والاضطرابات تضعف الدولة سياسيا وأن أي ضعف سياسي يساوي تدخل قوي اجنبية غير محسوبة يتم اتهامه بأنه يجهض الحركة الرائعة التي يتكلم عنها العالم، اما اذا قررت انك كنت تتمني ان يخرج الرئيس مبارك بصورة اخري فأنت عميل وتعمل وفق أجندة ما. اذا المطلوب منا في المرحلة القادمة كي لا يحصل احد علي لقب خائن او يوضع اسمه في القائمة السوداء ان يرفع لافتة فحواها "أنا كنت مصريا مهمشا بلا كرامة ولا تاريخ ولا عزة ولا حضارة قبل 25 يناير" ..واذا كان الامر كذلك فأنا وبمنتهي البساطة اقول عفوا ياموزعي الخيانة كنا ولا نزال نحمل تاريخا مشرفا وافتخر بأنني مصرية من قبل 25 ومن بعده ولا زلت علي يقين ان هؤلاء الشباب هم نتاج مصر بكل ما فيها وأتمني من الشباب ان يقرأوا ويدركوا ان تاريخنا مليء بالعبر التي يجب ان يتوقفوا عندها كثيرا حتي يعرفوا ان يفرقوا بين الفاشية والديمقراطية... واذا كنا قد نتغاضي عن هذه التهم من الشباب الثائر فمن المستحيل ان نقبل هذا من اشخاص حملوا أقلامهم سنوات وسنوات ليدافعوا عن الحرية والديمقراطية وفجأة يتحولون الي خناجر قاتلة لكل من يخالفهم الرأي.