المرة الأولي التي أخرج فيها في مظاهرة لم تكن 25 يناير 2011 وإنما 19 فبراير 2010. خرجت قاصدًا المطار لاستقبال التغيير تحت اسم البرادعي. شعرت كأنني أتشبث بالحياة ذاتها. في العام التالي كتبت علي الفيس بوك أنني سأشارك في ثورة ستبدأ في 25 يناير! فوجدت السخرية من ثورة معلن عنها مسبقًا. صمت ثم كتبت (نازل للمظاهرات). قابلت صديقين وانطلقنا.. هل أحكي لكم عن الإحباط الذي واجهته أمام دار القضاء العالي؟ أقل من ألف متظاهر محاصرين بجحافل الأمن. يبدو أنها مظاهرة فاشلة.. جاءتنا الأخبار أن هناك آخرين في شبرا والتحرير.. ليس لدينا ما يثبت أن هناك ألوفًا، لكن لا شيء يمنعنا من التظاهر هنا حتي إشعار آخر. تحججت أنني سأغادر المظاهرة فسمح لي الأمن بالخروج، بعد لحظات فعل المتظاهرون مثلي كانت المظاهرة قطعت شارع رمسيس أمام "صيدلية الإسعاف" وقررنا أن يرانا العالم.. بعد ساعة كانت الأعداد قد بلغت أكثر من عشرة آلاف.. وقتها قلت لنفسي إن الثورة حقيقة. كان ذلك في الخامسة مساء وبعد أن فرقنا الدخان الأبيض والعصي وأمن الدولة تجمعنا في ميدان التحرير الذي حرره الثوار من قبضة الأمن. بعد 7 ساعات كنا قد تلقينا أنباء الثورة في باقي المحافظات وعلمنا أن الشهيد الأول سقط في السويس. كنا نحو خمسين ألفا في الميدان، ويتفرج علينا نصف مليون يلتقطون لنا الصور. بعد انتصاف الليل فرقنا الأمن بوحشية وإصرار فخرجنا إلي الشوارع ولأول مرة نطقنا (الشعب يريد إسقاط النظام). هربنا إلي الشوارع لخمس ساعات أخري ثم اكتشفت أنني وصلت إلي شبرا! سقطت متعبًا فعدت إلي المنزل لأستطيع المواصلة في عصر اليوم الذي بدأ فعليا.. عندما استيقظت عرفت أن الثورة كانت كرة ثلج.. كنا نحارب من أجل الوصول للميدان. وبعد أكثر من ثلاثمائة شهيد وصلنا التحرير. عدنا يوم الجمعة 28 (جمعة الغضب) إلي عصر نسيناه.. ما قبل الإنترنت والمحمول. شعرت بالعار وبالخوف.. قلت إن الأمن يدبر لمذبحة.. كان ذلك حقيقة. احتجزوا البرادعي والغزالي وضربوا الثوار حتي أشبعوهما ولم أصدق أننا نجونا.. لا أقصد نفسي بالطبع وإنما أقصد أكثر من مليوني ثائر كان لدي النظام الاستعداد لدهسهم بلا رحمة تحت عجلات المصفحات، وادعاء أن الإخوان المسلمين فعلوها! في الصباح التالي 29 يناير لم يكن الدخان الأبيض قد خلا من الميدان ولكنه خلا من الأمن المركزي وبقينا في الميدان في استقبال الجيش.. وصلت إلي قريتي الصعيدية أتزوج وأسمع أخبار فتح السجون وانطلاق المجرمين لترويع الشعب ومنعه من التواصل معنا. كنت مثل مجند حصل علي إجازة من الجبهة 24 ساعة ليتزوج.. صباح الاثنين عدت للجبهة لأري دبابة لأول مرة في حياتي.. النظام حشد لنا الدبابات وحشدنا له الرغبة في التغيير والشهادة. كانت حرب الأعصاب. نحن العملاء، آكلو الكنتاكي، بائعو الوطن باليورو، المخربون، المأجورون، أصحاب الأجندات.. وما عدانا هم محبو الوطن. أيها الناس! وما أخرجنا إلا ضجرنا من الفساد وخوفنا علي أولادنا الذين لم يروا النور. وفي الأربعاء الدامي هل أخبركم عن موقعة الجمل التي عدنا معها إلي عصر الصحراء..؟ هل أخبركم عن الدم والصور التي رأيتها لشهداء لم يجمعني بهم إلا خانة الجنسية والرغبة في التغيير؟ هل الرغبة في تطوير مصر مزعج لمبارك إلي هذا الحد؟ الكل الآن يحاول الوصول إلينا.. البعض للمشاركة والبعض للتطفل علي ثورتنا.. نحن ننتظر أي خطاب من أي مسئول.. مبارك يتحدي الملل.. وكلما كتبوا له خطابًا ليخرج به علينا ازددنا غضبًا وتمسكًا بأرض الميدان وازدادت الشعارات واللوحات الساخرة والهتافات صارت أكثر تصميمًا.. كانوا يحاربون من أجل كسب الوقت وكذلك نحن.. بعد 18 يومًا جاء سقوط النظام لنقضي الليل ساهرين علي وشك الموت من فرط السعادة.. كنت أري مصر جديدة.. مصر لم أعرفها من قبل. مصر! هل أخبرتك من قبل أنني بكيت لأجلك؟ محمد كمال حسن روائي