أثبتت الأحداث الأخيرة التي تعرض لها الأقباط سواء في الإسكندرية أو داخل قطار المنيا، أن الغالبية العظمي من الأشقاء داخل الوطن يحملون بالفعل في داخلهم قيم الأصالة والشهامة، وأنه إذا تعرض أحدهم لمكروه فإنهم جميعا يهبون للوقوف بجانبه، والتخفيف عنه. فالذي أصابني اليوم قد يتعرض له شقيقي في الوطن غدا. فما حدث في مصر من شرقها إلي غربها، ومن شمالها إلي جنوبها، من قطاعات عريضة من المجتمع، جمعت كل أطيافه هبت عن بكرة أبيها تستنكر ما حدث في الإسكندرية، وتقف بحق إلي جانب جميع المسيحيين تشد من أذرهم في هذا الموقف، يظهر حقيقة معدن هذا الشعب. فعلي سبيل المثال أتحدث عن نفسي، عن كم المكالمات التي تلقيتها من أصدقاء بعضهم لم التق به منذ سنوات، أو من الجيران، ومن كل من أتعامل معهم، وهو ما حدث أيضا مع جميع أفراد أسرتي، وهذا ما يؤكد هذه الحقيقة، أن ما يجمعنا أكثر بكثير مما قد يفرقنا. وبالأمس القريب كنت أزور المصابين في حادث قطار المنيا، حيث إن إحدي المصابات تعمل معنا، وأثناء وجودنا بغرفتها بالمستشفي دخلت علينا شابة في العشرينات محجبة، عرفتنا بنفسها وقالت إنني جئت خصيصا لأطمئن عليكم وأبلغكم أنني وأصدقاء وزملاء كثيرين مستعدون أن نلبي لكم أي طلبات تكون في استطاعتنا القيام بها. لقد هز الموقف مشاعر الجميع، وقلنا بالفعل هذه هي مصر. كما قال أحمد رامي: مصر التي في خاطري وفي فمي.. أحبها من كل روحي ودمي.. ياليت كل مؤمن بعزها يحبها.. حبي لها بني الحمي والوطن.. من منكم يحبها مثلي أنا.. وهذا ما أكد عليه أيضا الدكتور مصطفي الفقي رئيس لجنة العلاقات الخارجية والشئون العربية بمجلس الشوري، خلال الندوة التي نظمها الأسبوع الماضي منتدي حوار الثقافات بالهيئة القبطية الانجيلية، بالتعاون مع الكنيسة الانجيلية بمصر، وتحدث فيها إلي جانب الدكتور الفقي، القس الدكتور مكرم نجيب راعي الكنيسة الانجيلية بمصر الجديدة، وأدارها القس الدكتور أندريه زكي مدير عام الهيئة القبطية. فقد أكد د. الفقي أن الحادث الإجرامي الذي تعرضت له مصر في اللحظات الأولي من العام الجديد أمام كنيسة القديسين بالإسكندرية قد أصاب المجتمع المصري بحالة شديدة من الحزن والألم. وفي نفس الوقت فقد كشف هذا الحادث عن المعدن الحقيقي للشعب المصري في تماسكه وتصديه لكل من يحاول النيل من وحدته، وأشار إلي أن المجتمع المصري متماسك عبر العصور ولا توجد مرارة تاريخية تؤدي لوجود مشاكل بين أبناء الوطن كما يحدث في بعض بلدان العالم كالهند وغيرها. لأن النسيج المصري واحد رغم اختلاف الديانة، وشدد الدكتور الفقي علي ضرورة إعمال المادة الأولي من الدستور مؤكدا عدم وجود تعارض بين المواطنة واحترام الديانات الأخري، مشيرا إلي أن البيئات الفكرية المختلفة تخلق صراعا بين أبناء الوطن وهذا يتطلب تغيير ثقافة المواطن الذي يؤمن بالطائفية ويبتعد عن المواطنة. وشدد علي أن المجتمع المصري في حاجة للتماسك في ظل التحديات الرهيبة التي تستهدف إثارة الوقيعة بين أبناء الوطن من فترة لأخري لزعزعة أمن واستقرار مصر، وأشار الدكتور الفقي إلي أن التعليم يلعب دورا كبيرا في مواجهة الفكر المتطرف الذي يؤدي للاحتقان، وطالب وسائل الإعلام بالموضوعية والبعد عن الإثارة وإعلاء مبدأ المواطنة. من جانبه أكد القس الدكتور مكرم نجيب راعي الكنيسة الإنجيلية بمصر الجديدة أنه ينبغي علينا الاستفادة من الحادث الإرهابي الأخير وأن نستحضر كل ما في التراث الثقافي المصري من قيم إيجابية تعلي من مبدأ المواطنة ووحدة الأمة في مواجهة كل ما تتعرض له من مخاطر وأشاد بالتحرك الشعبي الذي قام به المسلمون لدعم إخوانهم المسيحيين خلال هذا الحادث وأن الكنائس شهدت تدفقا من المسلمين في صورة رائعة حملت جوانب إيجابية غير مسبوقة، وأكد أن استقرار مصر فوق كل اعتبار والانتماء الوطني يكون أولا في ظل الدولة المدنية الحديثة. حماك الله يا مصر.. وحمي الله شعبك.