تظاهر عدد من البريطانيين بسبب إعلان حكومتهم التوقف عن دعم المكتبات، وقام 1000 كاتب بالتوقيع علي رسالة وجهوها إلي وزير الثقافة البريطاني "إيدي فايزي" احتجاجا علي القرار، واعتبروا الأمر "تخريبا ثقافيا". الخبر ليس صحفيا، لأنه حدث منذ أسابيع، ومع ذلك قفز من ذاكرتي عندما قرأت حوار رئيس التحرير الأستاذ عبد الله كمال في مجلة روزاليوسف مع وزير الثقافة فاروق حسني، المسئول الأول عن الثقافة والمثقفين في مصر، خاصة حين قال الوزير:"عندما توليت منصبي اعتبرت أن الثقافة اقتصاد أساسا"، وعدت للتساؤل: هل استطاع بالفعل علي مدي سنواته في الوزارة أن يحول الثقافة إلي اقتصاد؟، هل أقام صناعات ثقافية ثقيلة؟، هل حولها إلي سلعة استهلاكية لتتماشي مع عصر "الشوبنج"؟. قد يري البعض أن خبر المظاهرة من أجل دعم المكتبات يدعو للسخرية، وتعليقات من نوع: "دول ناس مرفهين فاضيين.. احنا بنجري وراء أكل العيش"، وقد يربطه آخرون بالمظاهرات ضد خطة حكومة ديفيد كاميرون لخفض الإنفاق العام، لكن السؤال الذي شغلني هو: هل يمكن أن يحدث ذلك في مصر؟، أقصد التظاهر من أجل إغلاق مكتبة من أجل الكتاب!.. لا أظن، ويمكننا أن تستنتج الإجابة من "وزير الحرام" كما كان يطلق عليه حين تولي الوزارة، فعندما سأله رئيس التحرير: وماذا يطلق عليك الآن؟، فقال:"أيضا «وزير الحرام»، ووجد الوزير في السؤال فرصة لتقديم أرقام تبرز إنجازاته، فقال: "ربما لأني أنشأت 150 مكتبة و42 متحفا و38 قصر ثقافة وترجمنا 1800 كتاب من كل أنحاء العالم، وقمنا بعمل ممتاز في ترميم الآثار التي تبني الانتماء داخل الإنسان". عفوا وزير الثقافة لماذا لم تحقق الآثار حالة من الانتماء في نفوس المصريين، لماذا يتاجرون فيها ولا يحافظون عليها؟، ولماذا لجأت الوزارة لإعلانات من نوع قصة الحب بين " أحمد ومني" لتوعية صناع هذه الحضارة بمنجزات أجدادهم، والحفاظ علي آثارهم؟، وبمناسبة الأرقام لم يقل لنا الوزير: كم عدد رواد المكتبات والمتاحف وقصور الثقافة؟، لماذا يجلس المسئولون عن هذه المواقع منتظرين حضور الرواد، ثم "يقرفونهم" بالإجراءات والتعليمات باعتبارهم "زباين مزعجين"؟ هل فكر الوزير ومعاونوه في حال الثقافة خارج الوزارة.. في الجمعيات الأهلية، والمنتديات، والجاليريهات الخاصة، وفي تجربة حديثة مثل ساقية عبد المنعم الصاوي التي يستطيع أن يلقي عليها نظرة من نافذة مكتبه القريب، كيف استطاعت مؤسسات الثقافة الشعبية أن تجذب إليها مئات الشباب ليكونوا من روادها، ويشاركون في أنشطتها دون أن يلقي القائمون عليها باللوم علي وزارة التربية والتعليم والإعلام وغيرهما من أجهزة الدولة، أليست مكانا يقع أسفل كوبري لا يمكن أن نساوي بينه وبين أي من قصور الثقافة المنتشرة في أنحاء الجمهورية، وبالأخص ال"38" قصرا التي تحدث عنها الوزير. عفوا مرة أخري سيادة الوزير، لم تستثمر في البشر واستثمرت في الحجر، لأن العائد من الحجر سريع وملحوظ ويمكن أن يكون مؤشرا علي النجاح، فسيظل اسم فاروق حسني مرتبطًا بالقاهرة التاريخية والمتحف المصري الكبير وغيرها من المشروعات الكبيرة، أما الاستثمار في البشر يأخذ وقتًا طويلاً وجهدًا كبيرًا ولا تأتي نتائجه إلا بعد سنوات، تركت البشر فريسة للتيارات الظلامية التي تتحدث عنها واكتويت بنارها ووصفتك بوزير الحرام، فالثقافة ليست مهرجانات فقط. يبقي أن يتأكد الوزير أن المثقفين الجادين ليسوا فقط من دخلوا المجلس الأعلي للثقافة طوعا أو طمعا، وأن مثقفي مصر أكثر بكثير من ال500 أو 600 شخص الذين تحدثت عنهم، وأنهم لا ينتقدون بلا مبرر أو بشكل لا يمكن الاستفادة منه. هذه مجرد أسئلة عادية ومناوشات صبيانية، لن تهز عرش الوزير "الخالد"، لكنها تظل "حيلة المثقف العاجز" للبحث عن حلول في جعبة وزارة مازالت تحمل اسم "الثقافة.