محمد زيدان يتحدى الإعلام المصرى.. وهاهو يخرج لسانه لهم بدلا من المرة مرات، لأن هذا الإعلام هو الذى أفرط فى تدليل اللاعب عندما أخطأ كثيرا، ولم يجد أى زيدان من يردعه إعلاميا.. إلا قليلا!! وانظر الآن إلى الصراخ.. ولطم الخدود، الذى يمارسه الإعلام الرياضى، عندما يقوم زيدان بارتكاب فعلة جديدة من أفعاله المستفزة، فهل وصل الحال بالإعلام، إلى الحد الذى يبدو فيه، وهو ينعى الأخلاقيات ويتحسر على غياب القيم.. تماما مثل حال الأعزل الذى لا يملك من أمره شيئا ولا حول له ولا قوة؟ كيف تقوم الوسائل المختلفة لهذا الإعلام، وهى كثيرة ومتنوعة، على عرض سخافات لهذا أو ذاك ولا تحرك ساكنا فى الأغلب الأعم؟ هل باتت التصرفات الهوجاء، المخالفة لكل القيم، والأخلاقيات أكبر من قدرة الإعلام على مواجهتها؟ أظن أن الإعلام الرياضى عندنا، كان من الأسباب المهمة فى تقويض منظومة القيم والأخلاقيات، ولم يسهم ولو بقدر ضئيل فى ترسيخ مبادئ الروح الرياضية، والانحياز دوما للجانب الأخلاقي، والانتصار للحق، والوقوف دوما ضد كل صور الخروج عن النص.. أيا كان، ما يجرى الآن.. وما جرى من قبل، والوقوف مثل الأعزل قليل الحيلة، ليس سوى تأكيد بأن هذا الإعلام لا يحصد سوى ما زرعته يداه عبر سنين طويلة.. وهو الآن يدفع الثمن، بعدما كان هو السبب!! تعالوا ننظر لحالة محمد زيدان.. المحترف فى ماينز الألماني معارا من بروسيا دورتموند، سوف نجد أنه اعتاد أن يفعل ما يثير الجدل، والقرف، والغضب.. وكل المشاعر السلبية، وقد وجد فى كل مرة أن هناك من يغض الطرف عنه، أو من يلتمس له العذر.. أو يبرر تصرفاته، أو أن يخرج من يفعل ما هو أكثر من ذلك، وهو أن يدافع عنه دفاع المستميت، وقد حدث هذا كثيرا ليس مع محمد زيدان وحده، ولكن مع آخرين، وفى حالات لم يكن من الممكن أبدا أن تكون المبادئ والقيم والأخلاقيات موضع فصال أو نقاش أو حتى مجرد الصمت! لم يكن هروب زيدان عن المنتخب أمرا ملفتا للنظر عند كثير من ممارسى الإعلام الرياضى، ولم يعيروا الأمر اهتماما، ولم يجد الكثير منهم أن الأمر يستحق الضجة، والمطالبة بوقفة وموقف.. وكان من الطبيعى أن تمر المسألة دون أدنى مشكلة، ونفس الأمر تكرر قبل عدة سنوات، عندما راج الكلام عن إقامة اللاعب علاقة مع سيدة، وأن الأمر أثمر ولدًا.. ولم يتمكن أحد من التيقن من صحة هذا الأمر من عدمه، ولكن قبل عدة أسابيع.. عاد الكلام من جديد، وأن اللاعب يفكر فى الزواج، ولم يهتم الإعلام بالمسألة، ولم يحرك أحد ساكنا.. بل بدا الأمر وكأن الكل يعيش فى حالة غيبوبة عميقة، وأن مثل هذه الأشياء لا تستحق الاهتمام، بل ربما هناك ما هو أهم منها، وأجدى منها، ولها الأولوية عنها.. مثل أن تثير التعصب بين الناس قدر ما تستطيع، أو تدافع بالباطل عن هذا وذاك.. حتى وإن كان هذا الدفاع مخالفا لكل القواعد، وكل المنطق، وكل الأخلاقيات. كان من المفترض أن يمارس الإعلام الأدوار التنويرية التى يعرفها العالم كله، ولكن وبما أن الأمر أسند لغير أهله فقد صار الإعلام الرياضى، صاحب رسالة أخرى، وأهداف أخرى.. ربما من أبرزها، هو الوقوف إلى جانب الطرف الذى قد لا يكون صاحب الحق دوما، أو مساندة من لا يملك الحق فى أن يحصل على هذه المساندة، وربما أن حالة محمد زيدان، وهناك غيرها الكثير.. كانت النموذج الصارخ المؤسف للأداء الإعلامى، الذى يفتقد بحق كل أبجديات الحرفية والمهنية.. ولأن اللاعب لم يجد من يردعه، بل كان هناك من يقوم بتدليله.. والدفاع عن تصرفاته، فقد واصل حركاته المثيرة للجدل، والألم، والغثيان.. حتى وصل إلى مرحلة تحدى مشاعر الناس.. وكان أبرزها على الإطلاق، عقب حادثة استاد بورسعيد، الذى شهد مقتل 74 من مشجعى الأهلي، فى مباراة بين المصرى والأهلي، والتى كانت وستبقى تمثل نقطة سوداء فى تاريخ الرياضة المصرية، فماذا حدث من اللاعب المصرى محمد زيدان؟ ما الذى فعله تعبيرا عما يشعر به فى داخله؟ ما هو المنتظر منه وهو يلعب فى بلد غير بلده وربما ينتظر الكل أن يعرفوا ماذا سيفعل.. خاصة أن ملاعب الدنيا كلها تقريبا.. تفاعلت مع الحادث الأليم، ووقفت الفرق دقيقة حدادا على أرواح هؤلاء الضحايا، ووصل الأمر إلى إسبانيا، وملاعب القارة السمراء فى كأس الأمم الأفريقية فى غينيا الاستوائية والجابون؟ كان الناس كلهم يشاطرون المصريين الأحزان، كان الكل يشعر بحجم الفجيعة، ولكن كيف كان موقف الأخ محمد زيدان؟ الطيب الساذج سيقول إنها ستكون فرصة هائلة للتعبير عن قدر انتمائه لمصر، وتأكيد قدر تفاعله معها، وهو على البعد.. ولكن كانت المفاجأة المذهلة المدوية المخيبة للآمال، فقد شارك اللاعب فى مباراة لفريقه، وحدث أن سجل هدفا، فما كان إلا أن احتفل بهذا الهدف بشكل أقرب إلى الهيستيرى، ولم يكلف نفسه ولو مجرد الصمت، لو لم يكن قادرا على المشاركة فى الأحزان، أو تعزية أهالى الضحايا أو أهله من المصريين بشكل عام، باعتبار أن الحزن حين يدخل كل هذا العدد من البيوت، هو فى حد ذاته نوع من الحزن لكل البيوت فى مصر.. لم يفعل اللاعب ما كان يتعين عليه، ولم يكلف نفسه ولو مجرد الصمت، بل بدا مثل من يرسل برسالة فحواها أن الأمر لا يعنينى، أو أن ما جرى مسألة طبيعية، أو أن أحزانكم لا تعنينى ولا تهمنى.. وتأكد ذلك عمليا وفعليا، حين جاء موعد المباراة التالية التى سجل فيها أيضا، وعبر عن فرحته بوضع "بزازة" فى فمه.. اسم الله عليه، ووضح أن الرجل فى واد.. ومصر عنده فى واد آخر، وربما أن هذا هو ما أكد أن اللاعب حين سجد ليقبل أرض ألمانيا.. وكأنه يقول إن هذه هى بلدى، وهذه هى الأرض التى إليها محبتى، وفيها معيشتى، وهى التى أمنحها محبتى.. أما مصر فقد قال كلمته فى حقها، والسبب الأساسى ليس هو، ولكنه الإعلام الذى ارتكب الكثير من الأخطاء والخطايا، ولم يكن يوما واعيا لرسالته.. مدركا لمسئولياته، أو حريصا على قيم مجتمعه وأخلاقياته.. ربما لأن فاقد الشىء لا يعطيه، ولهذا انتظروا من زيدان وغيره الكثير، ولن تكون احتفالات "البيرة"، التى استحم فيها قبل أيام مع دورتموند بعد الفوز بالدورى، هى الأخيرة.. بل هناك الكثير والمزيد.. من زيدان وغيره!! فهل يمكن أن نقبل بعد هذا أن نسمح لمحمد زيدان أن يلعب لمنتخب مصر؟ قولوا كلمتكم واهزموا الإعلام الرياضى شر هزيمة.. لأن الناس فى النهاية هم أصحاب القرار.. حتى لو كان الإعلام فى غيبوبة!!