تعرف، العلم بحياة الأمم يعطي قدرا طيبا من "الطمأنينة" وقت الجزع. ببساطة لأنك تشاهد فيلما لا أكثر. فيلما تحفظ ممثليه، أدوارهم، أماكن تواجدهم، مواقيت حديثهم... كل شيء تعرفه بدقه. حتى مشاهد الذعر، الهلع. فقط تجزع حين ترى ما "تجهله". هناك أحدهم فكر قبلك أو عايش قبلك بالضبط ما تراه. يجب فقط أن تبحث عن "إجابة" حتى تطمأن و تعرف: ما الذي يجب أن أفعله الآن؟ في أي طرف يجب أن أكون؟ لست بصدد دعوتك لسماع تحليل سياسي مبهر، ولا لتكرار قصة مثل قصة "ايران" و قلب الرأي العام على الرئيس المنتخب "مصدق" بدعم عدد من البلطجية معه، و آخرين ضده ثم اظهاره كرئيس لا يجيد "السيطرة" على الأرض. ولكن هذه المرة أتوسل إليك ان تبذل ساعة من وقتك لفيلم عن فنزويلا و تحولها الديمقراطي. و إن لم فإليك الخطوط العريضة، و أي تشابه بينها و بين "ممثليها" هو من فرض الواقع الذي يتكرر. الفيلم الوثائقي عن فنزويلا هنا: الثورة لا "تذاع". https://www.youtube.com/watch?v=etbEQcA7jUA خلاصة الفيلم، بحسب ترتيب مشاهده الزمني: **--النخبة تتجمهر مع الإعلام و مشاهد فيها: --شخصية تشبه مذيعة شهيرة (لميس) تتحدث في مطلع الفيلم عن أن الرئيس يعاني من مشاكل صحية في المخ. --اتهام للرئيس و مؤيديه بالتخابر مع دول الجوار --حكم المحكمة الدستورية العليا على الرئيس (المنتخب ديمقراطيا) --اتهام الرئيس المنتخب و مؤيديه بحمل السلاح و بتكوين ميليشيات في الإعلام -- الإعلام يصدر صورة للرئيس الإرهابي (في صورة مع بن لادن مركبة) **--في المقابل الرئيس: --يعزز الحصول على دستور مستفتى عليه من الشعب --يخبر مؤيديه لماذا لا يتم التواصل مع الجمهور و يؤسس لبرنامج "ألو الرئيس" بإمكان اي شخص التواصل عن طريق مكتب اتصال بالرئيس. --الرئيس يؤيد انتخابات برلمان، و نائب عام جديد، و انتخابات في المواقع الحساسة من الدولة **-- الرئيس يقوم بمنع السرقات الحاصلة في شركة البترول القومية، بتغيير قياداتها لحفظ مال الشعب --الإعلام الرسمي يصف الرئيس بال "مجنون". و بأن مشجعيه مسلحين يهددون الدولة، ممثلة معروفة تنزل الشارع لتدافع عن "الديمقراطية" و "حرية الإعلام". --ظهور جنرالات العسكر في التلفاز للحديث عن تغيير النظام القائم (الذي يدافع عنه العسكر المفترض)، مع طلبات إعلامية لتدخل الجيش سياسيا (ضد الرئيس و المؤسسات المنتخبة بعد ثورة). **-- تحديد مسيرة من أجل فنزويلا و حشد إعلام لها --سمي الفيلم " الثورة لا تذاع" على التلفاز، لأنه ما من ثورة تم الحشد لها على التلفزيون. --اعتصام مؤيدي الرئيس حول القصر لحمايته --مسيرة مضادة من معارضي الرئيس تسير باتجاه القصر -- مسيرة المعارضين تصف الرئيس بالقاتل، مع "ارحل" -- الجيش يقف بين المؤيدين و المعارضين على الحياد -- في منتصف اليوم، بدأ الاشتباك، و بدأ سقوط قتلى من الطرفين -- لوحظ مقتل اغلبهم برصاصة في الرأس أو القلب مباشرة، و تم استنتاج بعد مدة قليلة انها من "قناصة". -- الإعلام يركز على مشاهد لمتظاهرين مؤيدين للرئيس يحمل احدهم سلاحا -- مخرج الفيلم، يشير للشق الآخر من الصورة، المؤيدين يخفضون رؤوسهم و يتحاشون الظهور بقاماتهم بينما يتم اطلاق النار (دقيقة 33) على شارع فارغ من الجمهور. و السبب أنه اطلاق نار على المكان المتوقع للقناصة. --يظهر المذيع ليؤكد على اطلاق النار على المتظاهرين السلميين من قبل المدافعين عن الرئيس، بينما يتم تجاهل نصف الصورة الآخر تماما. وهي أن القتل (ربما في الطرفين) من قبل قناصة. --الشرطة تسحب دعمها من الرئيس --الجيش يسحب دعمه من الرئيس --المعارضة تسيطر على قناة رسمية، ثم يتم قطع الإرسال من قبل النظام القائم **--طلب تسليم السلطة --الرئيس يرفض. --تدخل جنرال كبير ووصوله لطلب تسليم السلطة من الرئيس شافيز --الرئيس يرفض. --أكثر من مليون شخص يحمون الرئيس بينما يتم تراشق بين المعارضين و المؤيدين. --تهديد بقصف القصر الجمهوري --شافيز يوافق على تسليم نفسه للجيش، ولكن بدون تسليم السلطة. **--انقلاب ضد الشعب --اعلان حكومة انتقالية ، بينما يتم التحفظ على الرئيس السابق --استضافة اعلاميين و قادة جيش على التلفاز، ثم يتحدثون بطلاقة عن الخطة المحكمة التي تم التنسيق لها لعمل الانقلاب (دقيقة 45). --المطالبة بمحاكمة الرئيس عن "حرية التعبير" --تعيين رئيسا جديدا للبلاد "بدرو كارامون" ومعه مباشرة أعلن متحدث باسم الرئاسة و سط تهليل و احتفال اعلامي عسكري: * حل مجلس الشعب المنتخب * حل الدستورية العليا * عزل رئيس البنك المركزي * عزل النائب العام * حل المجالس المنتخبة، وسط تأييد و حالة من الفرح الشديد في قاعة الإعلان المتلفزة. **--الدفاع عن الشرعية --مواطنة: أعطيت صوتي لشافيز.... اريد احترام صوتي --أعمال عنف متجددة --الشرطة تدافع عن الشرعية الجديدة بعنف مباشر ضد مؤيدي الرئيس --الإعلام يصور المؤيدين للرئيس السابق بالوحشية و الهمجية، و يؤيد فعل الشرطة الجديد --أمريكا تخرج لتؤيد الموقف الحكومي (كولن باول) --منع مؤيدي الرئيس من الظهور في التلفزيون --مواطن من من علمهم شافيز احترام الدستور المستفتى عليه: بحسب الدستور شافيز لم يتنحى، ويجب عمل استفتاء على بقاؤه، او على وصول الرئيس الجديد، وليس بمجرد "الإعلان" عن رئيس جديد. أين الديمقراطية؟؟ --الشعب يتظاهر بعنف طلبا لل "شرعية" (ترجمة حرفية) **--انقلاب الميزان و كتابة التاريخ --شافيز كان على علاقة طيبة بالحرس الجمهوري --وقت تجمع الحكومة الجديدة المعينة من العسكر، قام الحرس الجمهوري، وقت تظاهر المؤيدين خارج سور القصر الرئاسي، بالتحفظ على الموجودين داخل القصر --من بين المتظاهرين ظهر وزراء شافيز محمولين على الأعناق لداخل القصر الجمهوري --قام الوزراء بعمل اول مجلس وزاري وسط حالة من الفوضى --التلفزيون الرسمي و الرئيس المعين يؤكدون ان كل شيء على ما يرام --وزراء شافيز، يتفقون على تفعيل الدستور، و بتواجد رئيس مجلس الشعب المنتخب، و يتعذر الإعلان عن تسلمهم السلطة إلا بالهاتف لوكالات الأنباء. --الإعلان عن ان الدستور هو الوثيقة الحاكمة للبلاد --أصبح الرئيس المؤقت هو نائب الرئيس، وتم بث هذا المنشور متلفزا بعد استيلاء المؤيدين على القناة الرسمية --ولكن أين الرئيس؟ أين ولاء الجيش؟ **--عودة الرئيس المنتخب --بعد البث التلفزيوني، الشعب ينتظر تأييد الجيش و الجيش يؤيد الحكومة الأولى (حكومة شافيز) --الوصول لشافيز قبل اخراجه من البلاد أو تصفيته، و الشعب يغني "لقد عاد... لقد عاد" --شافيز يلقي اول خطاب، في حالة عدم ادراك بالوقت. وإن كان انقلاب الحرس الجمهوري بتخطيط منه (بحسب الوثائقية). و يقول: "من أراد أن يعارضي... هو حر... كنت احب أن اغير رأيه... ولكن يجب أن يحترم الدستور... كتاب الشعب". **--النهاية --وضع الرئيس المعين قيد الإقامة الجبرية --تم اقالة جنرالات الجيش الخائنين للشرعية --عاد عدد من المعارضين لممارسة الحياة السياسية --هرب معارضين و وزراء في الانقلاب إلى أمريكا **--كلمات السر --شعبية الرئيس التي حتى لما حاول الإعلام تضليل الناس، لم تأخذ منه ولاء الحرس الجمهوري --التزام الشعب بمرجعية واحدة واضحة "الشرعية للانتخابات" و لصوت الشعب المتفق عليه في "الدستور" --المنقلبون على الرئيس المنتخب أكثر ميلا لهدم كل اثر "للانتخابات" كمجلس الشعب مثلا. --وقوف الداخلية و الإعلام مع الرئيس يحدث فقط في الأنظمة الديكتاتورية، ولكن حين يتم تلفزة "الثورة" و "الحشد لها إعلاميا" كن على علم انك تشاهد: فيلم انقلاب. --التزام المؤيدين بالسلمية أمر حرج، و التزام الجميع بال "شرعية" من السوابق الديمقراطية (كانتخابات او استفتاء على دستور) أمر محوري --تعيين الرئيس لنائب و عدم تسليمه السلطة أمر في غاية الخطورة و الأهمية --عدم تحييد الشعب ووقوفه مشاهدا بينما تسرق "شرعية" صوته. إن ما يجب أن تدافع عنه فعلا، ليس محمد مرسي، ولا غيره، و إنما "شرعية صوتك الانتخابي الحر". أن من أتى منتخبا بشكل حر و ديمقراطي لابد أن يرحل بانتخاب حر و ديمقراطي. لا أن يتم استبداله "بمجلس رئاسي" أو "انتخابات مبكرة" قبل مجلس الشعب. الأساس هو "شرعية" الانتخابات" و قبولها حكما فيما بين الطوائف الوطنية. و شرعية "الدستور المستفتى عليه" في مقابل رأي اي شخص يريد تعطيل ما تم استفتاء الناس عليه. إن استحقاقات ما سبق هي "الانتخاب"، الانتخاب فقط. بغض النظر عن آداء الرئيس و حكومته، لأنك تملك قرار عدم انتخابه، و لأن مجلس الشعب التالي هو الذي سيحدد رئيس الحكومة وليس الرئيس. أولئك الداعيين لانتخابات رئاسية لمنع "حرب أهلية" فقط يعيدون التاريخ بملل. في إيطاليا مثلا، في 1922 خرج موسيليني ليفرض نفسه و حكومته حلا وسطا لمنع حرب أهلية، بعد خمس حكومات متعاقبة، و بعدها، أي بعد أن وصل للسلطة، فرض رأيه بالقوة هو وحكومته على الناس، و بدأ بذلك عهدا سمي بعهد "الفاشية". الفاشية هي أن يفرض فصيل أو جماعة رايه بالقوة المسلحة على الشعب. الفاشية هي نفس التهمة التي تم توجيهها لكل حكومة منتخبة من الشعب، كانت تقدم الانتخابات. لا تعطي اذنك للإعلام، ولكن اعطي كل حواسك لكتب التاريخ. احفظ: الثورة لا يتم الحشد لها على التلفاز بإعلانات و أغاني و ممثلين لا تصدق دبلوماسي أمريكي. في الوقت الذي أيدت فيه الحكومة المطالب الشعبية، كان عملاؤها يعينون نظرائهم في مصر على قطع الانترنت. و في الوقت الذي كان أوباما يعطي وسام لأحد أطفالنا، كان يامن نوح (الشريف) و شباب الثورة يتلقون عروضا للعمالة لصالح فرنسا و أمريكا بفرنسا(نشر أستاذ فهمي هويدي مقالا مطولا في ذلك). تخيل أن رأي أمريكا أمر غير موجود. مصر تملك قرارها بنفسها. الشعب وحده مصدر السلطات لا الإخوان، ولا المعارضة، ولا الثوريين، ولا العسكر، ولا الجن الأزرق. الشعب وحده. هكذا ارتضى الجميع الديمقراطية، ولو اختلفوا في غير ذلك. ما يحدث في مصر هو نزاع بين الإخوان و الفلول، و كل ثوري متحمس خرج لدعم رحيل الإخوان، بقصد أو غير قصد هو لا يدعم محاكمة من سبقوهم، و البندقية التي توجه معه اليوم، ستوجه إليه غدا. قتل أي شخص حرام بدون محاكمة. مبارك نفسه لم نقتله، و إنما تم تقديمه للمحاكمة. هزلية. إن ما يجب أن يدافع عنه الجميع هو "الشرعية"، الاحتكام للانتخابات، للصوت الحر. أن صوت الشعب يعلو ولا يعلى عليه. و أن ما تم الوصول إليه بانتخابات أو باستفتاء هو نافذ... أقصد الدستور. الخارجين عن الدستور هم خارجين على الديمقراطية، على رأي الشعب... على كتاب الشعب الذي اتفقنا عليه، لو اختلفنا على ما سواه. لله الأمر من قبل و من بعد. _يتبع.