محافظ البحيرة تشهد فعاليات مبادرة «YLY»    محافظ سوهاج يوجه بمتابعة استعدادات المبادرة الرئاسية «بداية»    البيت الأبيض يكشف تفاصيل مكالمة بايدن مع ترامب    محافظ قنا يشهد فاعليات اختبارات الموسم الثالث لمشروع كابيتانو مصر    أحمد فتوح.. من الإحالة للجنايات حتى إخلاء السبيل| تايم لاين    مناقشة رواية «أصدقائي» للأديب هشام مطر في مهرجان «فيستيفاليتريتورا» الإيطالي    استخدام جديد للبوتكس: علاج آلام الرقبة المرتبطة بالهواتف المحمولة    طبيب أعصاب روسي يحذر من آثار تناول القهوة    ثروت سويلم: سيتم الإعلان عن شكل الدوري الجديد وسيكون مفاجأة    طارق الشناوي عن خلاف عمرو مصطفى ودياب: تبديد للطاقة.. الهضبة اخترق حاجز الزمن    الغرف السياحية: أقل عمرة تبدأ من 32 ألف.. والضوابط الجديدة أدت لزيادة الأسعار    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    عاجل - ارتفاع.. حالة أسعار الذهب اليوم    عاجل| غوتيريش: "لا تبرير للعقاب الجماعي للفلسطينيين"    وفاة أربعيني غرقًا في بحيرة زراعية بالوادي الجديد    بلينكن يزور مصر للمشاركة في رئاسة الحوار الاستراتيجي المصري الأمريكي    هبوط مفاجئ ب924 جنيهًا .. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024 (تحديث)    عاجل - استقرار سعر الدولار أمام الجنيه المصري قبيل اجتماع الفيدرالي الأمريكي    أحمد سليمان: الزمالك يدعم فتوح.. وحسم موقف اللاعب من المشاركة في مباراة السوبر    كرة نسائية - رغم إعلان الأهلي التعاقد معها.. سالي منصور تنضم ل الشعلة السعودي    محسن صالح: كنت أتجسس على تدريبات المنافسين لهذا السبب    أحمد سليمان: الزمالك يدعم فتوح.. واللاعب خارج مباراة السوبر    "ريمونتادا" رايو فاليكانو تهزم أوساسونا في الدوري الإسباني    «بعد زيارة مدبولي».. عمرو أديب: العلاقات المصرية السعودية دائما قوية مبهرة وجبارة    الشرطة الفنلندية توقف 3 أشخاص يشتبه بتورطهم في أنشطة لتنظيم داعش    حزب الله يستهدف ثكنتين عسكريتين لجيش الاحتلال بصواريخ كاتيوشا    إصابة شخصين إثر تصادم دراجة نارية وسيارة فى بنى سويف    استبعاد مدير مدرسة اعتدى على مسئول عهدة في بورسعيد    المجلس القومي للشباب ببني سويف يحي ذكرى المولد النبوي الشريف    محافظ المنيا يشهد احتفالية الليلة المحمدية بمناسبة المولد النبوي    تكريم 100 طالب والرواد الراحلين في حفظ القرآن الكريم بالأقصر    احتجاج آلاف الإسرائيليين بعد تقارير إقالة "جالانت" من وزارة الدفاع    خاص.. غزل المحلة ينجح في ضم "بن شرقي" خلال الميركاتو الحالي    الشوفان بالحليب مزيجا صحيا في وجبة الإفطار    قطر: الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مثال صارخ لتردي وغياب سيادة القانون    المنافسة بالمزاد على لوحة "م ه م - 4" ترفع سعرها ل 13 مليون جنيه فى 6 ساعات    الإعدام غيابيا لمتهم تعدى على طفلة بكفر الشيخ    مصرع طالب سقط من قطار في منطقة العجوزة    ننشر صور ضحايا خزان الصرف الصحي بإحدى قرى المنيا    إبراهيم عيسى: 70 يوم من عمل الحكومة دون تغيير واضح في السياسات    أخبار 24 ساعة.. إتاحة رابط لتظلمات الدفعة الثانية بمسابقة 30 ألف معلم    سعر الزيت والأرز والسلع الأساسية بالاسواق اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    وزير الثقافة يفتتح "صالون القاهرة" في دورته ال 60 بقصر الفنون.. صور    شيرى عادل عن الانفصال: أهم شىء أن يتم باحترام متبادل بين الطرفين.. فيديو    قرار من نقابة المهن التمثيلية بعدم التعامل مع شركة عمرو ماندو للإنتاج الفني    أحمد موسى: إحنا بلد ما عندناش دخل مليار كل يوم.. عندنا ستر ربنا    حملة تضليل روسية لصالح اليمين المتطرف الألماني    دار الإفتاء: قراءة القرآن مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به محرم شرعًا    د. حامد بدر يكتب: في يوم مولده.. اشتقنا يا رسول الله    الفوري ب800 جنيه.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2024 وكيفية تجديدها من المنزل    نشأت الديهي: سرقة الكهرباء فساد في الأرض وجريمة مخلة بالشرف    تعرف على إحصائيات التنسيق الفرعي لمرحلة الدبلومات الفنية بمكتب جامعة قناة السويس    وكيل صحة الإسماعيلية تبحث استعدادات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    حدث بالفن| خطوبة منة عدلي القيعي ومصطفى كامل يحذر مطربي المهرجانات وعزاء ناهد رشدي    أسعار سيارات جاك بعد الزيادة الجديدة    «أمرها متروك لله».. شيخ الأزهر: لا يجوز المفاضلة بين الأنبياء أو الرسالات الإلهية (فيديو)    حصر نواقص الأدوية والمستلزمات الطبية بمستشفى أبوتشت المركزي بقنا لتوفيرها    وحدة الرسالة الإلهية.. شيخ الأزهر يؤكد عدم جواز المفاضلة بين الأنبياء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لا إصلاح بدون فواتير بقلم| د. محمد فايز فرحات
نشر في وكالة أنباء أونا يوم 04 - 11 - 2016

آثار لجوء الحكومة المصرية إلى صندوق النقد الدولي لتجاوز الأزمة المالية الراهنة انتقادات من جانب بعض الاقتصاديين، وبعض التيارات السياسية، استنادًا إلى ما يعرف بالمشروطية الاقتصادية والمالية للصندوق، والمتمثلة في اشتراطه تطبيق برنامج للإصلاح الاقتصادي والمالي، مقابل الحصول على الدعم المالى المتفق عليه، وأن هذه الشروط سيكون لها تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية السلبية على المواطن، خاصة الشرائح الاجتماعية الفقيرة والطبقة المتوسطة، على خلفية سعى الصندوق- من خلال هذه المشروطية – إلى نشر تطبيق سياسات الليبرالية الجديدة داخل النظام الاقتصادى العالمى والاقتصادات الوطنية، وفى القلب منها تخفيض نسبة الدعم من الإنفاق الحكومي، وتحرير أسعار الصرف، الأمر الذى يستتبعه موجة من ارتفاع الأسعار.
وفي المقابل، يؤكد هؤلاء، واستنادًا إلى تلك المخاوف، على ضرورة الاعتماد على روشتات محلية للخروج من الأزمات المالية. ويشير البعض هنا إلى حالة ماليزيا التى أخذت مسارًا مختلفًا في إدارة أزمتها المالية فى منتصف التسعينيات، حيث رفضت الانصياع لروشتة صندوق النقد، وفضلت تطبيق استراتيجية محلية مغايرة لتلك التى طبقتها باقى دول المنطقة، فضلا عن الانتقادات التى وجهت لسياسة صندوق النقد خلال فترة الأزمة، وتركيزه على فرض سياسات تقشفية.
واقع الأمر أن الرجوع إلى الخبرات الدولية فى هذا المجال يمثل أحد المداخل المهمة للوقوف على جدارة هذا الجدل، وما إذا كنا بالفعل أمام بدائل مختلفة لإدارة الأزمة المالية فى مصر استنادا إلى خبرة ما يمكن أن نطلق عليه «البديل الماليزي»، وبديل «الذهاب إلى الصندوق»، أخذا فى الاعتبار وجود عناصر اختلاف عدة بين الأزمة الراهنة التى يمر بها الاقتصاد المصري، وتلك التى ضربت الاقتصادات الآسيوية فى منتصف تسعينيات القرن الماضي، سواء فيما يتعلق بمصادر الأزمة، أو فيما يتعلق بدرجة حدتها، لكن تظل هناك بعض أوجه التشابه من جهة وجود مضاربات مالية على العملة الأجنبية أدت إلى انخفاض فى قيمة العملة المحلية، وما تبع ذلك من تداعيات من ارتفاع معدل الأسعار والتضخم. لكن يظل الرجوع إلى هذه الخبرة الآسيوية مهم للوقوف على بعض الاستنتاجات المهمة بالنسبة للحالة المصرية الراهنة.
الواقع الاقتصادى هو المحدد لمنهج إدارة الأزمة
رغم التشابه الكبير بين الاقتصادات الآسيوية التى تعرضت للأزمة فى منتصف التسعينيات، سواء من حيث أسباب هذه الأزمة أو أعراضها، كان هناك منهجان أساسيان اتبعتهما دول المنطقة فى إدارة الأزمة.
المنهج الأول هو اللجوء إلى صندوق النقد الدولى والهيئات المانحة الدولية والحكومية، بهدف الحصول على القروض اللازمة لتمويل الإنفاق الحكومى والعجز القائم فى الموازنات الحكومية، وتخفيف الآثار الناتجة عن انهيار قيمة العملات المحلية. وكان من بين الدول الأساسية التى لجأت إلى هذا البديل كل من كوريا الجنوبية، وإندونيسيا، وتايلاند. وفى هذا الإطار، حصلت كوريا على وعود بالتزامات دولية قيمتها 58.4 بليون دولار (21.1 بليون دولار من الصندوق، 14.2 بليون دولار من هيئات متعددة الأطراف، 23.1 بليون دولار فى شكل تعاقدات ثنائية)، حصلت منها فعلا على إجمالى 30.4 بليون دولار فقط حتى نهاية شهر مايو 2000، بلغت مساهمة صندوق النقد الدولى منها 19.8 بليون دولار.
بينما حصلت إندونيسيا على التزامات دولية قيمتها 49.7 بليون دولار (15 بليون دولار من صندوق النقد، 10 بلايين دولار من هيئات متعددة الأطراف، بالإضافة إلى 24.7 فى شكل التزامات ثنائية، حصلت منها فعلا على إجمالى 21.9 بليون دولار بحلول نهاية مايو 2000، بلغت مساهمة الصندوق منها 11.6 بليون دولار. أما تايلاند فقد حصلت على وعود بالتزامات دولية قدرها 17.4 بليون دولار (4 بلايين دولار من الصندوق، 2.7 بليون دولار من هيئات متعددة الأطراف، بالإضافة إلى 10.5 بليون دولار فى شكل التزامات ثنائية، حصلت منها فعلا على إجمالى 14.3 بليون دولار بنهاية مايو 2000، بلغت مساهمة الصندوق منها 3.4 بليون دولار فقط.
وفى المقابل، التزمت هذه الدول بتطبيق روشتة الصندوق، والتى شملت تطبيق حزمة من السياسات النقدية والمالية فى مختلف القطاعات، خاصة سوق الصرف، والنظام المصرفي، وقطاع الأعمال، والقطاع العام، بهدف تحرير هذه القطاعات، وضبط سوق الائتمان ونظام الإقراض وتقييد معايير الإقراض، بهدف القضاء على القروض السيئة، ورفع معدلات الفائدة، والقضاء على الفساد داخل هذه القطاعات، والارتقاء بمعايير الشفافية. وفى هذا الإطار، فقد شملت هذه السياسات تعويم العملة المحلية، وتحرير القطاع المالي، والسماح للأجانب والمحليين بحرية الدخول والخروج من السوق، ورفع معدلات الفائدة بهدف زيادة ثقة المستثمرين الأجانب فى العملة المحلية، ووقف أى مساعدات حكومية للبنوك والشركات المتعثرة، وتحرير ملكية الأجانب للشركات والأصول المحلية «على سبيل المثال، قامت تايلاند برفع نسبة السماح بملكية الأجانب للبنوك المحلية من 10% إلى 100%، كما سمحت كوريا برفع تلك النسبة فى حالة الشركات المسجلة بالبورصة من 10% إلى 100%»، فضلًا عن خصخصة الشركات المملوكة للدولة، وتخفيض أو إلغاء الدعم.
المنهج الثاني هو، أو البديل، هو ذلك الذي لجأت إليه الحكومة الماليزية بدءًا من أغسطس 1998، الذي قام على تطبيق حزمة من الإجراءات المختلفة نوعيًا عن المنهج الأول، شملت تخفيض معدلات الفائدة، وتطبيق سياسة ائتمانية توسعية من خلال زيادة حجم السيولة النقدية المتاحة بالبنوك وتشجيع الائتمان وتطبيق معايير مرنة فيما يتعلق بتحديد الديون غير الجيدة، وتطبيق سياسة توسعية فيما يتعلق بالإنفاق الحكومى والقبول بحدوث عجز فى الموازنة الحكومية «تحولت الموازنة الحكومية من فائض قدره 08% من الناتج المحلى الإجمالى فى سنة 1996، 2.5% فى سنة 1997، إلى عجز قدره 1.8% فى سنة 1998، ثم 3.2% فى سنة 1995، ثم 5.5% فى سنة 2001». وفى الاتجاه ذاته تبنت الحكومة الماليزية سياسة تثبيت سعر الصرف (عند 3.8 رنجت/ دولار).
كما طبقت الحكومة الماليزية مجموعة من الإجراءات بهدف تقليل معدل تدفق رءوس الأموال والاستثمارات الأجنبية إلى الخارج، ومنع المضاربات على العملة المحلية، شملت على سبيل المثال حظر الاحتفاظ بالعملة المحلية خارج البلاد، ومنح مهلة شهرا واحد فقط لتحويل هذه الأموال إلى البنوك الداخلية، ووقف منح أية تسهيلات ائتمانية للأجانب غير المقيمين، وفرض شروط على تحويلات العملة المحلية إلى الخارج.
وعلى الرغم من وجاهة البديل المحلى فى إدارة الأزمات المالية، على خلفية ما ينطوى عليه من رسالة سياسية موجهة للداخل وللخارج، وما تنطوى عليه أيضا من منطق أن السياسات المحلية لإدارة الأزمة تكون أكثر حساسية للواقع الاقتصادى المحلي، لكن هذا الواقع الاقتصادى ذاته يمثل محددًا وضابطًا مهما لفرص الاعتماد على البديل المحلى فى إدارة الأزمة. وعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من وجاهة «البديل الماليزي»، إلا أن الحالة الماليزية توافرت لها شروط لم تتحقق فى باقى الحالات، على نحو لم تمتلك فيه تلك الحالات ترف عدم اللجوء إلى الصندوق. فرغم التدهور الكبير الذى طال هذه الاقتصادات قبل بدء الأزمة، لكن كان وضع القطاع المالى والمصرفى الماليزى أفضل من نظيره فى باقى الحالات، خاصة فيما يتعلق بمؤشرات حجم الدين الخارجي، والقروض السيئة، ونسبة الديون قصيرة الأجل إلى إجمالى الدين.
كذلك، تجدر الإشارة أيضا إلى أن المرحلة الأولى فى إدارة الحكومة الماليزية للأزمة "حتى يوليو 1998″ تبنت تقريبا معظم السياسات التى تضمنتها روشتة الصندوق، خاصة تعويم العملة المحلية، وعدم فرض أى قيود على المعاملات والتحويلات الرأسمالية، ورفع معدلات الفائدة، فضلا عن خفض الإنفاق الحكومي. لكن حدث تحول مفاجئ عن هذه السياسة بدءا من أغسطس 1998.
وحتى فى الوقت الذى وجهت فيه الانتقادات لبرامج صندوق النقد الدولى لإخراج تلك الاقتصادات من الأزمة، فإن »البديل الماليزي«لم ينج هو الآخر من بعض النقد، كما لم يضمن الاستعادة السريعة للثقة الدولية فى الاقتصاد الماليزي، فقد كان هناك تخوف من أن تؤدى الروشتة المحلية للإصلاح والخروج من الأزمة إلى انهيار كامل، فى ظل غياب أى إشراف دولى على عملية الإصلاح. ويظل الأمر متعلقا فى النهاية بالمدى الزمنى لتقييم نتائج أى من المنهجين، حيث يجب التمييز بين الآثار قصيرة المدى وبعيدة المدى لتطبيق برامج الصندوق. فقد يؤدى تطبيق برنامج الصندوق إلى استمرار حالة الركود والبطالة على المدى القصير، لكنه يؤدى إلى تحسن كبير على المدى البعيد، نتيجة للإصلاحات الهيكلية التى تتطلب عدة سنوات حتى تؤتى ثمارها. وعلى سبيل المثال، فقد ارتبط تطبيق البرنامج فى كوريا الجنوبية بتضاعف نسبة البطالة خلال ستة أشهر من بدء تطبيق البرنامج، لتصل إلى 8% منتصف 1998.
كما اتسم أداء الاقتصادات المأزومة بالتباين النسبى خلال مرحلة إدارة الأزمة، إلا أن الاتجاه العام هو حدوث التحسن؛ ففى الوقت الذى بدأ فيه الاقتصاد الكورى فى التعافى فى الربع الرابع من عام 1998، فقد وصل انهيار الاقتصاد الماليزى إلى أقصاه فى ذلك الوقت ويتأخر بدء التعافى الاقتصادى إلى الربع الأول من سنة 1999، لكن فى الوقت ذاته فقد استمر الركود فى كوريا لفترة أطول، ففى الوقت الذى بدأ صندوق النقد ضخ أول دفعة له داخل الاقتصاد الكورى فى الربع الرابع من سنة 1997، فإن التعافى الاقتصادى لم يبدأ فى فى الربع الرابع من سنة 1998، أى بعد عام كامل.
تطور معدل النمو الحقيقى فى كوريا الجنوبية وماليزيا خلال فترة الأزمة المالية ومرحلة التعافى الاقتصادى
وهكذا، فإن قراءة الأوضاع الاقتصادية والمالية فى مختلف دول الأزمة، سواء تلك التى طبقت روشتة صندوق النقد، أو تلك التى رفضت تلك الروشتة وطبقت سياساتها الخاصة، تشير إلى أنه يمكن تجاوز هذه الأزمات وعودة المؤشرات الاقتصادية الأساسية إلى مرحلة ما قبل الأزمة، خلال سنوات قليلة، لكن الأمر يعتمد فى التحليل الأخير على قراءة كل دولة لظروفها الداخلية الخاصة؛ فاللجوء إلى صندوق النقد الدولى لا يمثل منهجا خاطئا فى حد ذاته، كما أن رفض التعاون مع الصندوق وتطبيق روشتة داخلية خاصة، لا يمثل المنهج الوحيد أو الضرورى لتجاوز الأزمة.
لا تعافى من الأزمات الاقتصادية بدون تكاليف اقتصادية واجتماعية
ترتبط عملية التعافي من الأزمات الاقتصادية والمالية دائما بدفع فواتير اقتصادية واجتماعية، يستوى فى ذلك الاقتصادات التى تذهب إلى صندوق النقد الدولي، أو تلك التى تعتمد على «روشتات محلية».
وتطال هذه الفواتير مختلف القطاعات والشرائح الاجتماعية، وذلك بفعل تأثر خمسة قطاعات أساسية تتأثر حتما بإدارة الأزمات المالية، وهي: الأسعار، وسوق العمل، وسوق الائتمان، والأصول الاقتصادية، والميزانية الحكومية. حيث تشهد مرحلة الأزمات الاقتصادية والمالية حدوث موجة من الارتفاعات فى أسعار السلع، خاصة السلع المستوردة، أو التى يدخل فى إنتاجها نسبة كبيرة من المكونات الوسيطة المستوردة، نتيجة عوامل عدة منها انخفاض معدل النمو، وارتفاع تكاليف خدمة الدين فى حالة رفع أسعار الفائدة، وانخفاض قيمة العملة المحلية. كما أن انخفاض معدل النمو الاقتصادى يؤدى بدوره إلى تراجع ملحوظ فى حجم الطلب على العمالة، ومن ثم تراجع فى حجم الدخل من ناحية وارتفاع فى معدل البطالة من ناحية أخري، والتأثير السلبى على حجم المدخرات العائلية.
وفى بعض الحالات التى ترتبط فيها الأزمات المالية بانهيار النظام المصرفى ونظام الائتمان، ترتبط الأزمة بانهيار فى أسعار الأصول. ويعتمد حجم الأعباء الاقتصادية والاجتماعية للأزمة وبرنامج الإصلاح على طبيعة الأزمة وعمقها.
ولم تكن الاقتصادات الآسيوية استثناء من تلك القاعدة، فقد شهدت فترة الأزمة قائمة واسعة من التكاليف والأعباء الاقتصادية والاجتماعية، يستوى فى ذلك الاقتصادات التى ذهبت إلى صندوق النقد، أو تلك التى أحجمت عن هذا المنهج. ففى حالة اقتصادات الفئة الأولي، أدى رفع معدل الفائدة إلى رفع تكلفة خدمة الدين إلى عدم قدرة عدد كبير من الشركات على الوفاء بخدمة الدين ما أدى بدوره إلى زيادة نسبة الديون الرديئة والمشكوك فيها. كما أدى تعويم العملة المحلية إلى ارتفاع الأسعار، بما فى ذلك أسعار السلع الغذائية، وزيادة معدلات التضخم، التى وصلت إلى أعلاها فى إندونيسيا. ونتج عن هذا التضخم تآكل شديد فى القيمة الحقيقية للدخول، خاصة الشرائح الاجتماعية ذات الدخل الثابت «مثل العاملين فى الجهاز الإدارى للدولة، والمصانع الحكومية، وصغار العاملين فى القطاع الخاص».
ولم يقتصر الأمر على العاملين فى قطاعات الصناعة والخدمات، فقد تأثر قطاع الزراعة هو الآخر سلبا بسبب الارتفاع فى أسعار المدخلات الزراعية، ما أدى بدوره إلى التأثير على أسعار المنتجات الزراعية «على سبيل المثال ارتفع سعر علف الدواجن فى إندونيسيا من 700 روبية للكيلو جرام إلى 3000». كذلك، أدى إجراءات تحرير سوق رأس المال وما تضمنه توسيع حريات ودخول المستثمر الأجنبى إلى خروج نسبة كبيرة من رءوس الأموال إلى الخارج. وبالإضافة إلى ذلك، فقد نتج عن الأزمة تراجع حجم الثقة فى تلك الاقتصادات، إلى حد ظهور العديد من الدراسات الاقتصادية الغربية التى شككت فى جدارة واستدامة النماذج التموية الآسيوية، وروج بعض الاقتصاديين لما أسموه «نهاية المعجزة الآسيوية».
وكما سبق القول، فإن حجم التكلفة الاقتصادية للإصلاح والخروج من الأزمة تعتمد على عوامل عديدة، تتعلق بطبيعة الأزمة ومصادرها الأساسية، ودرجة حدتها. ومن ثم يمكن القول هنا إن ارتفاع حجم التكلفة الاقتصادية للأزمة المالية الآسيوية لا يعنى بالضرورة أن برنامج الإصلاح الاقتصادى والمالى فى مصر سوف يرتب التكاليف والأعباء الاقتصادية والاجتماعية ذاتها؛ فكما سبق القول فإن الأزمة المالية الراهنة فى مصر تقل كثيرا عن الحالة الآسيوية فى درجة تعقدها، وأبعادها.
خلاصة القول، إن قراءة خبرات إدارة الأمة المالية الآسيوية، تشير إلى عدد من الاستنتاجات المهمة بالنسبة للحالة المصرية الراهنة:
أولها،؛ أن الذهاب إلى صندوق النقد الدولى لا يمثل عيبا فى حد ذاته. فكما تشير الخبرة الآسيوية، فقد نجحت الاقتصادات التى ذهبت إلى الصندوق فى تجاوز أزماتها المالية والعودة بمؤشراتها المالية لمرحلة ما قبل الأزمة خلال فترة وجيزة، وذلك على الرغم من ارتباط تطبيق «روشتة» الصندوق بانتقادات واسعة، على خلفية التكاليف الاقتصادية والاجتماعية التى ارتبطت بتطبيق تلك «الروشتة»، لكنها مثلت فى الواقع شرطا مهما فى تجاوز الأزمة.
ثانيها، على الرغم من وجاهة وجاذبية الإستراتيجية المحلية فى إدارة الأزمات المالية، على نحو ما كشفت عنه الخبرة الماليزية التى مازالت تطرح باعتبارها أيقونة لتلك الإستراتيجية، والتى مثلت تحديا لبديل الصندوق، إلا أن هذا التجربة غير قابلة للتعميم فى حالة كل الأزمات، فقدرة أى حكومة على رفض بديل الذهاب إلى الصندوق وتطبيق روشتة محلية تعتمد على الظروف الاقتصادية والاجتماعية السائدة. فقد توافرت لدى الحكومة الماليزية عدد من الشروط التى ميزتها عن باقى الحالات، مكنتها من رفض بديل الصندوق. أهمها هو تراجع حجم الدين الخارجى لماليزيا وقت اندلاع الأزمة، الأمر الذى قلل من الضغوط المالية الواقعة على الحكومة الماليزية.
فقد بلغ إجمالى الدين الخارجى فى سنة 1996 حوالى 39.7 بليون دولار، مقارنة بنحو 151 بليون دولار فى حالة كوريا الجنوبية، 129 بليون دولار فى حالة إندونيسيا، 113 بليون دولار فى حالة تايلاند. وبينما بلغت نسبة الديون قصيرة الأجل فى حالة ماليريا حوالى 28% من إجمالى حجم الديون، فقد بلغت نسبتها 50.3% فى حالة كوريا الجنوبية، 42.3% فى حالة تايلاند.
كما ظلت نسبة الديون قصيرة الأجل إلى حجم الاحتياطى الخارجى هى الأقل فى حالة ماليزيا، حيث بلغت نحو 41%، فى سنة 1996، مقابل نحو 177% فى إندونيسيا، 203% فى كوريا الجنوبية، 99.7% فى تايلاند، ترتفع فى الحالات الثلاث الأخيرة فى حالة إضافة عبء خدمة الدين فى نفس العام إلى 243.3%، 294.2%، 122.6%، مقابل 69.3% فقط فى حالة ماليزيا.
هناك عامل آخر تعلق بخصوصية الحالة الماليزية، وهو حساسية التوازن العرقى الداخلى بين الماليزيين من عرقية المالايو من ناحية، والماليزيين من أصول صينية وهندية، إذ تشير بعض الكتابات إلى أن تخوف مهاتير محمد من الأبعاد الاجتماعية لروشتة الصندوق دفعته إلى محاولة معالجة الأزمة بعيدا عن تلك الروشتة.
ثالثها، إن أى عملية إصلاح لابد أن تكون مصحوبة بحزمة من التكاليف الاقتصادية والاجتماعية، وأن تأجيل عملية الإصلاح تلك سوف يعمق من الأزمة واستدامتها، وانتقالها إلى مختلف القطاعات الاقتصادية. وفى سياق تقييم تلك التكاليف يجب التمييز بين حجم هذه التكاليف على المدى القصير، والمكاسب التى يحققها الاقتصاد على المدى البعيد جراء تجاوز الأزمة؛ فكما تشير خبرة الاقتصادات الآسيوية، فقد استطاعت جميعها تجاوز هذه التكاليف وسرعان ما عادت المؤشرات الاقتصادية إلى وضع ما قبل الأزمة خلال فترة وجيزة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.