مرحبا بك عزيزي القاريء في أول إطلالة لهذا الموقع الذي نتمنى أن يكون منبرا جديدا للإعلام ، يتوخى أمانة الكلمة ويضع مصلحة الوطن العليا فوق كل اعتبار. وحين طلب مني أن أكتب في هذه الزاوية احترت كثيرا في اختيار النافذة الأولى التي أطل منها في عالم الكتابة الصحفية على جمهور القراء ، أو بالأحرى التي يطلون هم علي من خلالها. فكرت كثيرا فلم أجد أفضل من أن تكون الوقفة الأولى وقفة مع النفس ومع الضمير ، لتكون نبراسا لنا فيما يليها من كتابات. اخترت أن يتناول المقال الحديث عن الإعلام لأنه أصبح في الآونة الأخيرة شماعة لأخطاء البعض وخطايا البعض الآخر. واسترجعت قبل الكتابة مباشرة حوارا أجرته معي مجلة الإذاعة والتلفزيون عام الف وتسعمائة وسبعة وتسعين وكنت وقتها قد عينت مذيعا بإذاعة صوت العرب بعد سلسلة اختبارات عصيبة خضعنا لها على مدار عام وأسفرت عن تعيين أكبر دفعة مذيعين في تاريخ الإذاعة المصرية . وقتها سألتني الزميلة الصحفية عن أسباب اتجاهي للعمل مذيعا برغم كوني متخرجا في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية فأجبتها بأن إيماني بأهمية الكلمة ويقيني بأن القرن القادم (الحادي والعشرين – القرن الحالي) هو قرن الإعلام. استرجعت ذلك الحوار وقد أصبح توقعي حقيقة لا ريب فيها وأصبح الإعلام بالفعل القوة الأكثر تأثيرا حول العالم وبصفة خاصة في منطقة الشرق الأوسط ، وبتحديد أكثر في مصر الحبيبة. وقد أثبتت ثورة يناير أهمية الإعلام عموما والإعلام الجديد خصوصا ، وأصبحت مواقع التواصل الاجتماعي نوافذ إعلامية لعامة الناس وعرفنا لأول مرة مصطلح المواطن الصحفي الذي يرصد الحدث ويصوره وينشره في دقائق ليطلع عليها العالم. غير أن الأحداث التي تلت الثورة منذ تنحي مبارك وحتى الآن – والتي تعمد صانعوها بث روح الفتنة بين أبناء الشعب المصري – خلطت الأوراق ووضعت الإعلام في مرمى الاتهامات عن عمد،مما دعا إلى ضرورة توضيح الأمروإظهار الحقيقة. ولآن وقد تعاهدنا منذ اللحظة الأولى على أمانة الكلمة وصدق القول فإنني أعترف لك عزيزي القاريء بأن هناك من وسائل الإعلام من هو مغرض ومن هو محرض ومن هو متحول ومن هو مزور وغير ذلك من الأدواء الموجودة في عالم الإعلام ، لكن السؤال ماذا لو لم يجد هذا الإعلام التربة الخصبة التي يروج فيها لأفكاره؟ إن وظيفة الإعلام كما تعلمناها ليست خلق الحدث ولكن رصده وكشفه وإطلاع الرأي العام عليه ، ومن ثم فحين تنشر وسائل الإعلام خبرا عن اشتباكات او انفجارات أو غيرها فإنها لاتختلق الحدث ولكنها تشير إيه .وربما هذا ما أرد به دائما على من يتهمون الإعلام بإشعال النار ويطالبوننا بأن نهدأ ونهادن تحت دعوى إعادة عجلة الإنتاج للعمل وغير ذلك من شعارات الحق التي يراد بها الباطل كثيرا. إذ كيف تكون الصورة سوداء حالكة السواد وتطلب من الإعلامي أن يظهرها بيضاء ناصعة البياض؟؟؟؟ وخلاصة القول أن الإعلام مرآة للمجتمع ولا يعكس في مجمله إلا الحقيقة . وعلى ذلك فإن على من يتهمون الإعلام دائما بأنه السبب في كل أزمة وبأنه المسئول عن كل ما يحدث في المجتمع – عليهم أن يراجعوا أنفسهم ويرصدوا الأحداث بأعينهم أو من خلال وسائل متنوعة ومختلفة حتى يعرفوا الحقيقة . وحينئذ سيتأكدون أن بعض الإعلام مغرض وزائف ، لكن بعضه الآخر مهني وملتزم ووطني وهذا الأخير هو الذي يجب أن تتضافر جهودنا جميعا لحمايته ومؤازرته حتى يتمكن من أداء دوره في تقديم المعرفة والتوعية لشعب هو في أمس الحاجة لمن يساعده في هذه المرحلة العصيبة .وكذلك ليكون هذا الإعلام سلطة رابعة تمارس دورها الرقابي المجتمعي في بلد يخطو خطواته الأولى نحو الديمقراطية. لمصلحة مصرنا أن نقوم الإعلام لا أن نكمم الأفواه ، أن نصلح الاعوجاج لا أن نجتث نبتة الحرية من جذورها.