نحن الآن في فترة فارقة ليس في تاريخ مصر فحسب ولكن في تاريخ الأمة كلها، ولا يظن أحد ان مصر فقط هي التي تتعرض لمؤامرة، ولكن الهم سيطول الكل، وخفافيش الظلام أصبحت أداة في يد العم سام الذي يجلس على كرسيه يحركهم بالريموت ويساعدهم بكل ما يملك من قوة، ولكن إرادة الشعوب التي لم يضع لها حسبانا وقفت وتقف ضده وضدهم، إرادة الشعوب أحبطت وستحبط مؤامراتهم، ولعلك توافقني على ان هذا الكلام ليس شعارات ولكنه واقع، ولكي يكون الواقع لنا لا علينا، يجب علينا ان نتقن صناعته، وتبدأ صناعة الواقع بصناعة الأفكار، ونحن الآن نصنع في مصر دستورا، وسيحمل هذا الدستور قيم ومفاهيم الثورة، تلك القيم التي تستهدف وضع أمتنا في مكانتها اللائقة، لذلك فان هناك مسألة مهمة جدا يجب ان يتبينها كاتبو الدستور في مصر، فكلنا يعلم ان جرائم التعذيب لا تسقط بالتقادم، فهكذا نص دستور 1971 وهكذا نطالب بأن ينص الدستور القادم، ولكن ألست معي يا كاتب الدستور ان من الأهمية أيضا ان يُنص في الدستور على ان جرائم الإرهاب لا تسقط بالتقادم؟ فالسادة من تنظيم الإخوان ومن معهم ومن جاورهم في أفكارهم أخذوا يوجهون للشعب المصري ضربات إرهابية متكررة بهدف اسقاط الدولة، وسقط على أيديهم العديد من القتلى، وآخر ضرباتهم ما حدث في كنيسة الوراق، وقد أصبح هذا الأمر متكررا، وبغض النظر عن ان هذه التصرفات هي مجرد ألعاب صبيانية لن تؤثر في كيان الدولة ولن تساعد تلك الجماعة الإرهابية على تنفيذ المخطط الأمريكي المستهدف تقسيم المنطقة. المهم ان من يرتكب هذه الجرائم الإرهابية من الممكن ان يهرب عن الجهات الأمنية ويختبئ لفترات، فاذا ما تم ضبطه بعد سنوات طويلة من الممكن ان يفلت من العقاب لانقضاء الدعوى الجنائية بمضي المدة فيقول القاضي: حكمت المحكمة ببراءة كل الإرهابيين لأن قانون الاجراءات الجنائية أراد ذلك، فالجريمة تنقضي بالتقادم اذا مر على ارتكابها وقت محدد. ما هي حكاية الانقضاء هذه؟ ومن أي سماء هبطت علينا؟ الانقضاء هذه فكرة أوروبية، قامت على ان المتهم الأثيم الزنيم الذي ارتكب جريمة جناية مثلا، وقتل وهدم وأصاب، وجعل من الدولة غنيمة لنفسه، فان المجتمع لا يستطيع ان يتهمه أو يحاكمه أو يعاقبه اذا مرت عشر سنوات على تاريخ ارتكابه الجناية، أو ثلاثة أعوام على تاريخ ارتكابه الجنحة، وللمتهم حينئذ ان يخرج لسانه للجميع فقد ربح من خلال القانون!. عندما بدأت فكرة انقضاء الدعوى الجنائية تطل برأسها في فرنسا كان الفقه القانوني الفرنسي الطيب يستند في فكرته هذه الى أمرين: أولهما هو افتراض نسيان المجتمع للجريمة بسبب مضي مدة طويلة دون اتخاذ اجراءات فيها، وبنسيانها تتلاشى الحاجة الى العبرة والموعظة فيسقط بذلك أحد ركني حق العقاب. أما ثانيهما فهو ان مرور الزمن يجعل اثبات الجريمة أو نفيها متعذرًا اما لموت الشهود أو لنسيانهم الواقعة أو لضياع معالم الجريمة. ولأن القانون المصري للأسف الشديد قد أقام أركانه ومفاهيمه على مبدأ «من كل فيلم أغنية» فقد أخذ مفهوم الانقضاء هذا من القانون الفرنسي ونقله نقل مسطرة دون تصرف، وكانت المادة الشهيرة من قانون الاجراءات الجنائية التي تنص على هذا المفهوم غير المفهوم هي المادة الخامسة عشرة من قانون الاجراءات الجنائية، ولذلك أفلت الكثيرون من العقاب على جريمتهم المالية. وعلى ذات النسق سارت العديد من القوانين الاجرائية في الوطن العربي، فأصبح أي مجرم معتد يغنم بجريمته بسبب الانقضاء هذا اذا غفلت جهات التحقيق عن تعقبه ومحاكمته فترة من الزمن، وبذلك أصبح الذين يحملون كارنيه «الانقضاء» هذا تنوء بحملهم مدينة القاهرة، وبعض العواصم العربية. اذن كيف نواجه هذا؟ الحل أمامنا، اذ ان المشرع منذ زمن جعل جرائم التعذيب مستثناة من الانقضاء، أي ان المجرم الذي يعذب مواطنا لا تنقضي جريمته مهما طال الزمن، لأن التعذيب آفة تستهدف القضاء على كرامة الانسان قبل ان تستهدف المساس بجسده… كلام عظيم.. وطالما ان الشيء بالشيء يذكر فاننا وفي أيامنا السعيدة هذه، وبعد ان أصبح الإرهاب جريمة من جرائم العصر يمارسها الإخوان وأتباعهم بين فروض الصلاة، اذن ليست هناك مشكلة ولا يحزنون، مجرد واحد مادة دستورية، من واحد دستورجي قد الدنيا، يقدمها لواحد جمعية الدستور، كي توافق عليه وتضعه في واحد دستور جديد، ليصدر فورا في واحد ساعة، بعد واحد استفتاء وكفى الله المؤمنين شر جرائم الإرهاب.