اختتمت الدورة الرابعة والعشرون لمجلس الأممالمتحدة لحقوق الإنسان ، وعلى الرغم من أن العديد من منظمات المجتمع المدني العربية والدولية –بما فيها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان– ظلت طوال الجلسة تعمل على دفع المجلس بقوة، إلى اتخاذ خطوات فعالة للاستجابة لتحديات حقوق الإنسان في الدول العربية؛ فإنه لا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله من أجل حماية وتعزيز حقوق الإنسان في هذه المنطقة، لاسيما في سوريا، السودان، البحرين، مصر، اليمن، وفلسطين. ويؤكد مركز القاهرة على أنه أمر مخيب للآمال أن نرى إلى أي مدى أصبح المجلس يتعامل على استحياء مع حقوق الإنسان في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والواقع أن شعوب سوريا، السودان، البحرين، مصر، فلسطين، واليمن في حاجة إلى كل الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه؛ كي تقود بلادها نحو الاستقرار السياسي وسيادة القانون. ويمكن أن يكون المجلس بل وينبغي له أن يكون قوة دافعة للتصدي لحالات انتهاك حقوق الإنسان وتقديم توصيات بشأنها، باعتباره الهيئة الدولية المسئولة عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. ويشير مركز القاهرة كذلك إلى أنه على الرغم من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي لا تزال تُرتكب في سوريا، وكذلك على الرغم من الحث المطرد من قبل منظمات المجتمع المدني بما فيها مركز القاهرة ومنظمات حقوق الإنسان السورية، إلا أن المجلس أحجم حتى الآن عن دعوة مجلس الأمن صراحةً إلى إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية. ويؤكد مركز القاهرة مجددًا، لاسيما في أعقاب الهجوم غير المسبوق بالأسلحة الكيميائية على دمشق الشهر الماضي، أن هذه الإحالة تمثل خطوة أولى لضمان وضع حد للإفلات من العقاب عن تلك الجرائم الخطيرة، ويمكن أن تساعد على ردع الأطراف المختلفة في النزاع عن ارتكاب المزيد من الجرائم بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. في السودان، وبالرغم من تجديد المجلس لولاية الإجراء الخاص المعني بالسودان، إلا أن مركز القاهرة يؤكد على شعوره بالقلق من أن هذا القرار لا يعكس بشكل كافٍ الطبيعة الجسيمة لانتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والتي تُرتكب في السودان على نحو مطرد. ومازال مركز القاهرة يعرب عن قلقه العميق إزاء سقوط ضحايا على نطاق واسع بين صفوف المدنيين والنزوح الجماعي الناجمين عن القتال الدائر في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. ويحذر مركز القاهرة كذلك من أن سياسات الحكومة في تقييد المجتمع المدني واستهداف النشطاء ومنتقدي الحكومة بالاعتقال التعسفي والتعذيب، واستخدام القوة المفرطة والمميتة لمواجهة التظاهرات تنذر بسوء العاقبة على البلاد في الوقت الذي تستعد فيه لاعتماد دستور جديد. وكان من المنتظر أن تعكس استجابة المجلس خطورة هذا الوضع عن طريق تجديد ولاية الخبير المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في السودان في إطار البند 4 من جدول الأعمال. وبينما يحث القرار الذي اعتمده المجلس حكومة السودان على منح الخبير المستقل الحرية الكاملة للوصول إلى دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، إلا أنه لا يمنح الخبير المستقل ولاية محددة لرصد حالة حقوق الإنسان في البلاد، بل يقصر تلك الولاية على "تقييم" هذا الوضع "والتحقق منه"، وهو ما يُعتبر تقليصًا مثيرًا للقلق لدور الخبير المستقل، لاسيما في ضوء الوقائع التي تبرهن على أن السودان يشهد انتهاكات متزايدة. في البحرين، وعلى الرغم من الجهود المتضافرة التي يبذلها كل من مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز البحرين لحقوق الإنسان، ومركز الخليج لحقوق الإنسان، وجماعات حقوقية أخرى عاملة على الوضع الحقوقي في البحرين؛ لا يزال المجلس مخفقًا في الاستجابة – على نحو كاف – للوضع في البلاد، حيث تنتقص التعديلات الجديدة التي أُدخلت على القوانين البحرينية من الحق في حرية التعبير والتجمع السلمي، كما يواجه النشطاء وغيرهم من المواطنين محاكمات جائرة واعتقالات تعسفية ويعانون من انتشار ظاهرة التعذيب. ورغم صدور بيان مشترك وقعته 47 دولة وأعربت فيه عن قلقها بشكل خاص إزاء الانتهاكات المستمرة للحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات، وقمع المظاهرات، والمضايقات المطّردة وسجن الأشخاص الذين يمارسون حقوقهم في حرية الرأي والتعبير، بمن فيهم المدافعين عن حقوق الإنسان، يؤكد مركز القاهرة على ضرورة اتخاذ خطوات أكثر فعالية لضمان وقف مثل هذه الانتهاكات. وكما أكد مركز القاهرة ومركز البحرين أمام المجلس، فإن منظمات المجتمع المدني تأمل أن يكون هذا البيان، إلى جانب بيان مشترك مشابه صدر في وقت سابق من شهر مارس من هذا العام، بمثابة انطلاقة لعملية أطول من شأنها أن تؤدي بالمجلس قريبًا إلى اعتماد رد أقوى لحالة حقوق الإنسان في البحرين، مثل إصدار قرار في إطار البند رقم 4 من جدول الأعمال. وقد أشارت ما يقرب من أربعين دولة خلال هذه الدورة إلى تدهور حالة حقوق الإنسان في مصر في تصريحات منفردة أمام المجلس في إطار البند رقم 2، ومع ذلك لم تفلح ردود الفعل تلك في معالجة الوضع على الأرض بشكل ملائم وتخفيف حدة انتهاكات حقوق الإنسان التي وقعت مؤخرًا في البلاد، بما في ذلك استخدام القوة المفرطة والمميتة لفض اعتصامات أنصار جماعة الإخوان المسلمين، والقيود المتزايدة المفروضة على حرية التعبير والحريات الإعلامية، وفشل السلطات في وضع حد لتصاعد العنف، بما في ذلك العنف ضد الأقلية المسيحية في مصر. ويقول زياد عبد التواب، نائب مدير مركز القاهرة: "خلال هذه الجلسة، أشار مركز القاهرة إلى قلقه تجاه عدم إنشاء آليات للمساءلة عن انتهاكات ارتُكبت في الماضي ومازالت تُرتكب، كما نخشى أن تتخذ السلطات المصرية المزيد من التدابير الاستثنائية، باسم حماية الأمن العام و"مكافحة الإرهاب"، بدلا من تبني خطة جدية لاحتواء العنف من خلال الوسائل السلمية والسياسية، لكن هذه السياسات تمثل فشلاً ذريعًا في تطبيق سيادة القانون واحترام حقوق المواطنين المصريين، بما في ذلك الحق في الحياة". وقد أصدر المجلس قرارًا إيجابيًا بشأن اليمن، تبنته اليمن نفسها، شدد فيه على الحاجة إلى تعيين أعضاء للجنة التحقيق الخاصة بهذا البلد، التي تُكلّف بإجراء تحقيقات مستقلة في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في عام 2011. ويحث مركز القاهرة على تعيين هؤلاء الأعضاء بكل السرعة الواجبة كخطوة تمهيدية لضمان العدالة والمساءلة. ويكرر مركز القاهرة أيضًا دعوة المجلس الحكومة اليمنية إلى اعتماد تشريعات خاصة بالعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، ودعوة كافة الأطراف إلى وقف جميع ممارسات الاعتقال التعسفي والعنف ضد الصحفيين. في هذه الدورة أيضًا، أصدر المجلس قرارًا تاريخيًا حول العمليات الانتقامية التي تُمارس ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، الذين مازالوا يواجهون المضايقات والاعتداءات الجسدية، حملات التشهير، وإغلاق مؤسساتهم، والاعتقال التعسفي، والتعذيب، وغيرها من أشكال الانتقام؛ لعملهم في الدفاع عن حقوق الإنسان وعلى تعاونهم مع هيئات الأممالمتحدة. ودعا القرار الأمين العام للأمم المتحدة إلى تعيين مسئول رفيع المستوى للتدخل في حالات الهجمات المزعومة على المدافعين عن حقوق الإنسان، وتنسيق الاستجابات الدولية لمثل هذه الحوادث، وتعزيز الحماية لهؤلاء الأفراد. كما يحث الدول أيضًا على سن قوانين لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان. في قرار هام آخر بعنوان "مساحة المجتمع المدني"، أدان المجلس محاولات قمع المجتمع المدني الواقعة في جميع أنحاء العالم، فقد أقرت العديد من الحكومات تشريعات لعرقلة عمل المنظمات غير الحكومية عن طريق تقييد مصادر تمويلها، وإحباط محاولاتهم للتسجيل رسميا، وحتى تقييد عملهم بدعوى مصطلحات غامضة بشكل غير مقبول مثل "الأمن القومي ومكافحة الإرهاب". ويدعو القرار الحكومات إلى "خلق والحفاظ على – في القانون وفي الممارسة العملية – بيئة آمنة تمكن المجتمع المدني من ممارسة دوره بدون عوائق"، كما يحث الأممالمتحدة على التعامل مع فكرة إنشاء وحماية مساحة المجتمع المدني كأولوية عالمية. ومع ذلك، قدمت العديد من المنظمات غير الحكومية، من ضمنها مركز القاهرة، بيانا مشتركًا إلى مجلس حقوق الإنسان، حذرت فيه من مقاومة مثل هذه المبادرات الإيجابية، قائلةً: "إن السلسلة من التعديلات المقدمة على القرارين المذكورين أعلاه تعد إشارة واضحة على أن بعض الدول، بما في ذلك للأسف بعض أعضاء المجلس، غير مستعدين لقبول ودعم الدور الحاسم لدى المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان في تعزيز وحماية حقوق الإنسان". ويؤكد مركز القاهرة في هذا الشأن أنه بينما يقوم مجلس حقوق الإنسان باتخاذ خطوات إيجابية لحماية وتعزيز حقوق المدافعين عن حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، فإنه من المهم جدًا أن يمتلك المجلس الإصرار ذاته لمعالجة حالات حقوق الإنسان بشكل ملائم، وألا يخجل من إصدار بيانات وقرارات قوية عندما يقتضي الحال.