معجزة البرمجة.. رجل الأعمال الملياردير.. عميل الكرملين.. مناضل حرية التعبير.. أوصاف أطلقت جميعها على شخص واحد، إنه بافيل دوروف مؤسس تطبيق المراسلة الفورى المثير للجدل «تليجرام»، الذى اعتقلته فرنسا قبل أيام بدعوى مشاركة محتوى غير قانونى عبر التطبيق ورفضه التعاون مع حكومة باريس، رغم قيامها بالإفراج عنه مع منعه مغادرة باريس. علا عبد الرشيد مؤسس تليجرام الذى يبلغ من العمر 40 عاما، ولد فى عام 1984 فى الاتحاد السوفيتي، قبل أن يهاجر مع أسرته إلى إيطاليا وهو بعمر الرابعة، حيث كان والده أستاذا جامعيا، ووصف مع شقيقه الأكبر نيكولاى فى طفولتهما ب «المعجزات فى الرياضيات»، حيث كانوا متحمسين جدًا للبرمجة وتصميم الأشياء، وقال فى أحد لقاءاته الصحفية إن شقيقه ظهر على شاشة التلفزيون الإيطالى لحل المعادلات التكعيبية فى الوقت الفعلى عندما كان طفلاً، وفاز بميداليات ذهبية متكررة فى أولمبياد الرياضيات الدولي، بينما كان هو أفضل طالب فى مدرسته وتنافس محليًا. العودة إلى روسيا فى أوائل التسعينيات من القرن الماضي، تلقى والد دوروف عرضا للعمل فى جامعة سانت بطرسبورج، فعاد بأسرته إلى روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، واصطحبوا معهم من إيطاليا جهاز كمبيوتر IBM PC XT وكانوا إحدى العائلات القليلة فى روسيا، التى تمكنت بالفعل من تعليم أنفسهم كيفية البرمجة. القبض على دوروف، أثار قضية جدلية مستمرة منذ سنوات، تتعلق بالتشفير الشامل، الذى يحافظ على أمان الاتصالات بين المستخدمين لتطبيقات المراسلة، فى مواجهة المخاوف الأمنية لمختلف الحكومات وحملة الاتحاد الأوروبى لكبح جماح شركات التكنولوجيا الكبرى، إذ أسس تطبيقه للمراسلة تليجرام، قبل 13 عاما مصرا على أن يبقى منصة لحرية تعبير، ونجح بهذا الفكر فى جذب مئات الملايين من المستخدمين حول العالم، حتى وصل عددهم إلى 950 مليون مستخدم خلال العام الحالى 2024. ووفقا ل «بلومبرج»، تبلغ قيمة ثروة دوروف نحو 9.15 مليار دولار، فضلا عن عدد من جوازات السفر، كونه يحمل جنسية العديد من الدول بينها فرنسا التى اعتقلته، والإمارات التى يتخذ منها مقرا لإدارة شركته المسئولة عن التطبيق، فضلا عن جنسيته الروسية وغيرها، إذ عاش على مدار العقد الماضي، كما وصفت «سى إن إن» الأمريكية حياة بلا حدود، لتأمين حرية الاتصال بعيدا عن أعين الحكومات التى يراها متطفلة. شخصية مختلطة ووصف ب «المراوغ»، باعتباره يحمل شخصية مختلطة تجمع بين عاشق التكنولوجيا الغامض مارك زوكربيرج، وعادات أسلوب الحياة الغريبة لجاك دورسي، والنزعة التحررية لأيلون ماسك، فضلا عن هوسه بإنجاب الأطفال، إذ أشار فى يوليو الماضى إلى أنه أنجب «بيولوجيا» أكثر من 100 طفل، من خلال تبرعه بالحيوانات المنوية على مدار الخمسة عشر عامًا الماضية، وكأنه أراد نقل جينات عبقريته إلى العشرات غيره، وهى العملية التى لن يستطيع إنجازها طبيعيا. وقادت براعة دوروف فى البرمجة وروح المبادرة عام 2006، وهو متخرج حديثا من الجامعة بعمر ال 21، إلى إنشائه موقع التواصل الاجتماعى («فكونتاكتي» Vkontakte VK)، الذى سرعان ما أصبح معروفًا باسم فيسبوك روسيا، وأصبح دوروف بمثابة الوجه الروسى لمارك زوكربيرج الأمريكي، لكن علاقة الأول مع الكرملين تحولت إلى خصومة بشكل أسرع بكثير من علاقة الأمريكى مع واشنطن، على خلفية رفض دوروف عام 2013، لطلب من الكرملين بتسليم البيانات الخاصة بمستخدمين أوكرانيين على «فكونتاكتي»، نظموا مظاهرات فى كييف، ضد الرئيس الأوكرانى الموالى لروسيا، فيكتور يانوكوفيتش. خارج روسيا مجددا وقد حسم هذا القرار مصير دوروف فى الشركة، واستقال فى وقت لاحق من منصب الرئيس التنفيذي، مما فتح الباب أمام مقربين من الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لتولى المسؤولية، وباع رجل الأعمال الشاب جميع أسهمه بالملايين ثم غادر روسيا اليوم، VK تحت سيطرة الدولة. وقال دوروف حينها: «بالنسبة لى لم يكن الأمر يتعلق أبدًا بأن أصبح ثريًا، كل شيء فى حياتى كان يدور حول أن أصبح حراً، لا أتلقى أوامر من شخص، وأسمح للآخرين أن يصبحوا أحرارًا». نشأة تليجرام وبينما اشترى زوكربيرج تطبيق واتساب فى محاولته لبناء إمبراطورية وسائل التواصل الاجتماعى المعروفة الآن باسم «ميتا»، اختار دوروف إنشاء تطبيق المراسلة الخاص به على الرغم من السوق المزدحمة بالفعل لمثل هذه المنصات، وكانت تجربته مع الكرملين حافزاً رئيسياً لإنشاء «تليجرام»، الذى اتخذ من إمارة دبى فى الإمارات العربية المتحدة مقرا له، وقال ل «تك كرانش» فى عام 2015: «لا يهم عدد تطبيقات المراسلة الموجودة إذا كانت جميعها سيئة». ونجح التشفير القوى الشامل ل «تليجرام»، والتزامه بالخصوصية فى أن يحظى بتغطية إعلامية كبيرة، ويجتذب مئات الملايين من المستخدمين، بما فيهم أيضا المعتنقين للأفكار الإرهابية، وكان منهم الذين خططوا لهجمات باريس الإرهابية فى نوفمبر 2015، وهو الأمر الذى دفع «دوروف»، لإطلاق حملة علاقات عامة ضخمة ونشيطة، تضمنت إجراء مجموعة من المقابلات الإعلامية والصحفية، لطمأنه جمهور منصته أن «تيليجرام» لم يصبح واتساب للإرهابيين، فقد كان وفقًا لدوروف، ببساطة منصة المراسلة الأكثر أمانًا فى السوق. دوروف يتحدى ووضع رفض التخلى عن فك التشفير «تليجرام» فى خلاف مع عدد كبير من الحكومات فى جميع أنحاء العالم بما فى ذلك روسيا نفسها، وحاولت موسكو فى عام 2018 حظر التطبيق لرفضه تزويد أجهزتها الأمنية الروسية بمفاتيح فك التشفير، وتعهد دوروف بتحدى الحظر، حتى رفع موسكو الحظر فى عام 2020، وأصبح «تليجرام» منذ هذا العام واحدا من منصات التواصل الاجتماعى الأجنبية القليلة العاملة فى روسيا دون قيود، بل إنها أصبحت الآن وسيلة الاتصال الرسمية المفضلة للعديد من المسؤولين فى الحكومة الروسية. وكثيرا ما تساءل منتقدو بافيل دوروف، عما إذا كان بإمكان «تليجرام»، العمل بهذه الحرية فى روسيا دون تقديم نوع من أنواع التنازل للكرملين، وهى ادعاءات نفاها مرارًا وتكرارًا، وأشار إلى خلافه فى السابق الذى دفعه إلى مغادرة روسيا. موسكو تتصدى وقبل اعتقاله فى باريس، كان دوروف فى أذربيجان فى نفس الوقت الذى كان فيه الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، الذى كان فى البلاد فى زيارة رسمية تستغرق يومين. وقال المتحدث باسم الكرملين ديمترى بيسكوف للصحفيين إن الرجلين لم يلتقيا. وعلى الرغم من أن دوروف أدار ظهره لروسيا علنًا، إلا أن الحكومة سارعت إلى بدء العمل نيابة عنه بعد اعتقاله، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا، إن السفارة الروسية فى باريس «بدأت عملها على الفور»، بعد أن علمت بمشاكل دوروف القانونية. استمرت قضية إساءة استخدام «تليجرام»، من قبل غاسلى الأموال وتجار المخدرات والبشر فى إثارة قلق الحكومات الغربية، وكان احتجاز دوروف فى فرنسا مرتبطًا بمذكرة قضائية تتعلق بافتقار «تليجرام» إلى الاعتدال، وفقًا لقناة تابعة ل: سى أن أن». وردت تليجرام فى بيان قائلة: «من السخافة الادعاء بأن منصة ما أو مالكها مسؤولان عن إساءة استخدام تلك المنصة، مؤكدة التزامها بقوانين الاتحاد الأوروبى وأن دوروف ليس لديه ما يخفيه». الإمارات تتابع ولم تكن الخارجية الروسية وحدها التى تصدت للدفاع عن «دوروف»، فقد أعلنت أيضا وزارة الخارجية الإماراتية فى بيان رسمي، أن أبو ظبي، تتابع عن كثب قضية مؤسس تطبيق «تليجرام»، بافل دوروف، الذى اعتقلته السلطات الفرنسية فى مطار بورجيه بباريس. وأفادت فى بيان رسمى بأن «الإمارات تتابع عن كثب قضية المواطن الإماراتى بافل دوروف مؤسس تطبيق «تليجرام»، الذى ألقت السلطات الفرنسية القبض عليه فى مطار بورجيه، وأنها تقدمت بطلب للحكومة الفرنسية لتقديم كافة الخدمات القنصلية له بشكل عاجل». وأكدت «أن رعاية المواطنين وحفظ مصالحهم ومتابعة شؤونهم وتقديم كافة أوجه الرعاية لهم أولوية قصوى لدى دولة الإمارات». تليجرام يحلق وبحسب تقرير نشرته وكالة تاس الروسية، فقد ازدادت شعبية تطبيق «تليجرام» بعد اعتقال بافيل دوروف فى أحد مطارات فرنسا مؤخرا، بعدد من الدول، بينها فرنساوالولاياتالمتحدة، بعد اعتقال مؤسسه فى فرنسا، بحسب بيانات بوابة «تك كرانش»، وأشارت إلى أن «تليجرام» احتل فى فرنسا المركز الأول فى فئة «الشبكات الاجتماعية»، من حيث عدد التنزيلات فى متجر تطبيقات iOS، وأصبح الثالث فى ترتيب التطبيقات بشكل عام، وارتفع عدد تنزيلاته على نظام iOS فى العالم بنسبة 4%. كما أصبح «تليجرام» ثانى أكثر تطبيق للتواصل الاجتماعى تحميلا فى متجر تطبيقات «آب ستور» فى الولاياتالمتحدة. مزايا التطبيق وتليجرام كتطبيق تراسل سحابى فوري، على خلاف واتساب، يمكنه الوصول لرسائلك من عدة أجهزة بنفس الوقت، ويشمل ذلك الأجهزة اللوحية والحواسب، كما يمكنك من مشاركة عدد غير محدود من الصور، المقاطع المرئية والملفات(doc، zip، mp3، الخ) بحجم يصل إلى 2 جيجابايت للملف الواحد. ويحتاج تيليجرام إلى أقل من 100 م.ب على جهازك لكى يعمل، يمكنك ترك جميع وسائطك فى السحابة دون الحاجة إلى حذف أى شيء، يكفى أن تمسح ذاكرة جهازك المؤقتة لإفراغ بعض المساحة. وبفضل التشفير واستخدامه لعدة خوادم موزعة حول العالم، يعد تليجرام أسرع وأكثر أمانًا، ومع ذلك فهو مجانى دون إعلانات ودون رسوم اشتراك، ويؤكد على موقعه الرسمى أن واجهته البرمجية مفتوحة، معربا عن ترحيبه بالمطورين الذين يريدون بناء تطبيقاتهم الخاصة من خلاله، كونه يملك أيضًا واجهة برمجية للبوتات، التى هى منصة تتيح للمطورين بناء أدوات مخصصة لتليجرام بسهولة، احتواء أى خدمة وحتى قبول الأموال من المستخدمين من حول العالم.