لم يكد العالم يتنفس الصعداء بعد انحسار فيروس إيبولا الذى قتل أكثر من 11 ألف شخص فى أفريقيا، حتى ظهر فيروس «زيكا» ليثير الرعب من جديد لكن بصورة أكبر فى ظل تحذيرات خبراء الصحة فى العالم من إمكانية أن يكون الفيروس أكثر خطورة من فيروس إيبولا، وهو ما أدى بمنظمة الصحة العالمية الأسبوع الماضى إلى إعلان حالة الطوارئ على مستوى العالم لمواجهة انتشار المرض. ومنذ اكتشاف زيكا فى البرازيل فى مايو 2015، أصيب نحو 1.5 مليون شخص بالفيروس، ومنها انتشر إلى أكثر من 20 دولة أخرى فى المنطقة، وفى مقدمتها كولومبيا حيث توجد 20297 حالة إصابة مؤكدة بالمرض، من بينها 2116 حالة لنساء حوامل. وفى أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا سجلت عشرات الإصابات بالفيروس لدى أشخاص عائدين من عطلات أو رحلات عمل إلى الدول التى ينتشر فيها الفيروس. ومن جهتها، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن الفيروس الذى ينتقل بلسع البعوض ينتشر بشكل واسع فى الأمريكيتين، وتوقعت إصابة ما بين ثلاثة وأربعة ملايين شخص هناك بالمرض هذا العام. ويعتبر زيكا مرض ضعيف نسبيا كونه لا يؤدى إلى الوفاة، ويتسبب فى أعراض محدودة، ما عدا حالات نادرة لالتهاب الأعصاب الحاد المسبب للشلل المسمى «متلازمة جيلان باريه»، إلا أن أكثر ما يثيرالقلق هو اشتباه خبراء فى مجال الصحة فى أن فيروس زيكا، الذى يحمل اسم الغابة التى اكتشف فيها عام 1947 بالقرب من العاصمة الأوغندية كمبالا، هو المسئول عن الزيادة الكبيرة فى معدلات الإصابة بصغر حجم الرأس فى الولادات الحديثة فى البرازيل، التى تشهد أوسع انتشار للفيروس، حيث سجلت منذ أكتوبر الماضى نحو 4000 إصابة مؤكدة بصغر حجم الجمجمة مقابل 147 طوال عام 2014. وصغر الرأس هو اعتلال نادر الحدوث يكون فيه رأس المولود صغيرًا بشكل غير عادى، نتيجة شذوذ نمو دماغ المولود فى الرحم أو أثناء الطفولة المبكرة بسبب التعرض لعوامل جينية أو بيئية، وهو ما يعرض المولودين للوفاة، أو يصيب الناجين بإعاقات ذهنية دائمة، ولم تثبت حتى الآن العلاقة بين الفيروس وتلك التشوهات، لكن مديرة منظمة الصحة العالمية، مارجريت تشان، قالت إنها علاقة «يشتبه فيها إلى حد كبير» وتعد مصدر «قلق بالغ». وفى هذا الإطار، أوصت السلطات الصحية فى أكثر من دولة بأمريكا اللاتينية ودول الكاريبى، من بينها كولومبيا والسلفادور والإكوادور والبرازيل وجامايكا وبورتوريكو، النساء بتجنب الحمل قبل السيطرة على الوباء. وتأتى تلك التحذيرات فى الوقت الذى زادت فيه الولاياتالمتحدة عدد الدول المحظور سفر النساء إليها بسبب خطر الإصابة بفيروس زيكا. ووفقا للخبير جيرمى فارار، رئيس مؤسسة «ويلكم ترست»، فإن تفشى فيروس زيكا يعتبر أخطر من تفشى إيبولا بين عامى 2014 و2015 من نواحى كثيرة، أولها أن معظم حاملى الفيروس لا تظهر عليهم الأعراض، وبالتالى فإنه من العسير على المرأة الحامل أن تعرف هل هى مصابة أم لا. ويضيف فارار لصحيفة «الجارديان» البريطانية أنه بخلاف إيبولا، الذى بقى محصورا تقريبا فى بعض دول غرب أفريقيا وتوجد له حاليا عدة لقاحات تجريبية، فإنه لم يتم التوصل إلى أى علاجات أو لقاحات مضادة لزيكا حتى الآن، وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن إعداد لقاح يحتاج إلى أكثر من عام. ويوضح مايك تيرنر، رئيس قسم الأمراض والمناعة فى المؤسسة، أن المشكلة الحقيقية أن تجربة تطوير لقاح واختباره على امرأة حامل سيكون كابوسا عمليا وأخلاقيا. وفيروس زيكا، ينتقل أولا بواسطة البعوض، الذى يكون حاملا له، ثم من الإنسان إلى الإنسان بالعدوى من خلال ملامسة سوائل جسم المريض بالفيروس أو الممارسة الجنسية. ووفقا للخبراء، فإن الفيروس ينتشر عن طريق نوعين من البعوض، هما بعوضة الحمى الصفراء أو الزاعجة المصرية وبعوضة النمر الآسيوى، وهما النوعان اللذان ينتشران فى الأمريكيتين. ويندر حدوث حالات وفيات جراء الإصابة بالفيروس، ومعظم حالات الإصابة لا تبدو عليها أى أعراض، ومن ثم يصعب فحصهم، لكن من بين الأعراض التى تم رصدها ارتفاع متوسط فى درجة الحرارة، والتهاب فى العينين، والصداع، وآلام فى المفاصل والعضلات، وحكة فى الجلد، وهى تستمر لفترة تتراوح بين يومين وأسبوع. وأفضل علاج حاليًا هو الوقاية من المرض حيث يوصى الخبراء مواطنى البلدان المعرضة للوباء بتجنب لسعات البعوض قدر الإمكان، وذلك من خلال استخدام الناموسيات وتغطية الجلد المكشوف دوريا بدهانات خاصة طاردة للبعوض، وارتداء ملابس ذات أكمام طويلة تغطى أطراف الجسم. كما ينصح بإغلاق النوافذ والأبواب قبل النوم، وتنظيف المطبخ بشكل جيد مع إزالة المياه الراكدة والنباتات فى البيت، وإحكام غلق القمامة وتجفيف أماكن المنزل من الرطوبة منعًا لتوفير مأوى مناسب ليرقات البعوض، وهناك من ينصح باستعمال التقنيات التكنولوجية المكافحة للبعوض. وتعتبر عملية محاربة البعوض مهمة صعبة فى كثير من أجزاء أمريكا اللاتينية حيث يعيش الناس فى فقر وحيث توجد أجواء مواتية لانتشار الحشرات. وفى محاولة للسيطرة على انتشار فيروس زيكا، تقوم السلطات البرازيلية برش المبيدات كإجراء طارئ باستخدام شاحنات متنقلة للقضاء على البعوض، وهناك بلدان أخرى فى أمريكا اللاتينية تفكر فى الاستعانة بحشرات عقيمة معدلة وراثيا لتمنع تكاثر البعوض، ومنها من يقترح إغراق البرك والأنهار بجيش من الأسماك التى تأكل بيض اليرقات. كما أعلنت الحكومة البرازيلية نشر 220 ألف جندى للمشاركة فى جهود مكافحة انتشار الناموس الحامل للفيروس، وقال وزير الصحة البرازيلى مارسيلو كاسترو إن القوات ستنتشر فى 13 فبراير الحالى لتوزيع المنشورات وإعطاء إرشادات حول سبل التخلص من المناخ الذى يتكاثر فيه الناموس.