وبدأت تتجلى ملامح برلمان مصر الجديد مبكرا، قبل أن تنعقد أولى جلساته، وكأنها المتتالية المتكررة فى البرلمانات السابقة، التى اتسم بها أداء مجلس الشعب فى عهود مضت، نعم ثنائية التكتل فى فئتين، فئة الموالاة للسلطة التنفيذية والتحيز لها، وفئة الموالاة لرأس المال وتبنى مواقفه، وما أضاعنا فى تلك الفترات سوى المزاوجة التى أرهقت البلاد، مزاوجة السلطة برجالات المال والأعمال. ومن سخرية الأمور أن الكل يعمل وفق شعار - الوطن والحفاظ على مصر - فى الوقت الذى ينظرون فيه لوجهة أخرى تتمثل فى مصالحهم الشخصية.. وقد بدت لنا الآن ملامح لصراع الكتلتين أو الفئتين فى شكل السجال الدائر بين أعضاء البرلمان قبل بداية عمله، بين الفئة المؤيدة للحكم تحت مسمى تأييد الدولة، والفئة المنطلقة من تأييد ودعم رأس المال تحت مسمى دور رقابى وتشريعى يكون مستقلا عن السلطة التنفيذية ويقف فى المنتصف بينهما المتراوحون مكانهم بين التأييد والمعارضة حسب ما يُتخذ من قرارات هنا وهناك.. فكتلة تأييد السلطة - وهو توصيف لوجهتها التى رأتها - تتجاوز كثيرا إذا ما قالت تلك الكتلة أنها مدعومة من الرئاسة أو تحظى بمباركتها، أو هى ناطقة باسمها فى البرلمان، فلا يجب بأى حال من الأحوال أن ينتخب الشعب من يصرحون بأنهم صوت القيادة السياسية فى البرلمان وليس صوت من انتخبوهم.. وقد تحول تكتل فى حب مصر إلى ائتلاف «دعم الدولة» ثم ائتلاف «دعم مصر» من أجل الوصول لهدفهم المنشود فى «تشكيل أغلبية»، وهو الهدف الذى بدت تأتيه الضربات المتتابعة من داخله وخارجه، عبر الانسحابات المتوالية لمكونات رئيسية فيه.. ويقف فى مواجهة تلك الكتلة أو فئة دعم السلطة، يقف تكتل يقوده رأس المال ويدعمه، عبر حزب «المصريين الأحرار، ومعه الوفد، ثم انضم إليهم حزب مستقبل وطن » لحشد تكتل جديد لكى يقوم البرلمان بدوره فى الرقابة والتشريع باستقلالية تامة وبعيدة عن السلطة التنفيذية، ولسوف نشهد مزيدًا من الصراع فى مقبل الأيام، بين التكتلات المختلفة ممن انتخبهم الشعب ليكونوا نوابا عنه، وهو يظن أنهم على قدر المسئولية والظرف الراهن للبلاد، والذى تمر فيه مصر بأخطر محطاتها التاريخية تحولا.. وقد بدا هذا واضحًا فى التراشق الذى قام بين الكتلتين.. حين أعلنت قيادات ائتلاف دعم الدولة:- أن «لوبى» رجال الأعمال المسيطر على أحزاب المصريين الأحرار والوفد ومستقبل وطن كان سبباً فى إشعال فتيل الأزمة وادعاء بطولة زائفة أمام الرأى العام من خلال تشويه قيادات «دعم مصر»، وأشارت إلى أن انسحاب «مستقبل وطن» يرجع لاعتراض الحزب على الأسلوب الذى أُدير به الائتلاف فى الفترة الأخيرة، ورغبته فى أن يتم إخلاء منصب الوكيل له، إلا أن اللواء سامح سيف اليزل، رئيس الائتلاف، لم يحسم هذا الأمر معهم، مشيرة إلى هناك 9 كيانات وشخصيات كان بينهم خلافات على منصب الوكالة. ثم يأتى الرد من الجانب الآخر على لسان الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد، حيث قال: إن الإقبال كبير على الانضمام لائتلاف «دعم الدولة» يأتى طمعا فى المناصب داخل لجان مجلس النواب. وأضاف البدوى، خلال حواره ببرنامج «العاشرة مساء» على قناة «دريم2»، 20/ 12أنه يتوقع خلافات داخل المجلس بعد تشكيل تلك اللجان، بسبب اعتزاز كل نائب بنفسه.. وعن حالة التحول من كتلة لأخرى، تقف تصريحات أحد أهم أعضاء حزب المصريين الأحرار، الدكتور عماد جاد شاهدا على ذلك، إذ أعلن عن قراره بالعدول عن الاستقالة من حزب المصريين الأحرار، وذلك عقب اجتماع مع المهندس نجيب ساويرس مؤسس الحزب. وأوضح «جاد» فى تصريح خاص ل «اليوم السابع»: «انضميت للحزب احترامًا وتقديرًا لدور المهندس نجيب ساويرس به، وتعرضت لمضايقات داخل الحزب، واتخذت قرار بتجميد العضوية، وأعلنت استقالتى على الهواء، لكن المهندس نجيب وعدنى بشكل قاطع، عدم تكرار تلك الأمور مرة أخرى، وبذلك أعلن عدولى عن الاستقالة». من هنا أتى طلب الرئيس عبد الفتاح السيسى، نواب البرلمان بدراسة التحديات التى تواجه البلاد ومشاكل الناس وهمومهم، موضحا أن البرلمان الجديد سيكون تجربة مصرية رائدة، وصفحة فى تاريخ البلاد.. وحذّر «السيسى» فى كلمته أثناء الاحتفال بذكرى المولد النبوى الشريف، نواب البرلمان الجديد من الدخول فى نقاشات وجدل لا طائل منهما، لافتا إلى أن شعور الناس بتناول البرلمان مشاكل لا تعنيهم يعد أمرًا خطيرًا.. وقال «السيسى»: «لو كنت مكان النواب فى البرلمان الجديد، لن أدخل فى مناقشات جدلية، وإنما سأدرس مشاكل بلدى وأبناء دائرتى وأعمل على حلها، ولا بد أن يكون البرلمانى مسئولا وأمينا أمام من انتخبوه». من هنا علينا أن نقولها بوضوح لنواب برلمان مصر الجديد: الشعب المصرى الآن بات أكثر وعيا وفهما وإدراكا من نخبته ومن نواب هو من انتخبهم، والشعب يعلم جيدًا خطورة الظرف الراهن، وحساسية المرحلة التى تمر بها مصر، فإن لم يكن النواب الذين أتوا من خلال انتخاب الشعب لهم، على مستوى فهم وإدراك الشعب بالخطر والمسئولية، فسيكون ذلك نذير خطر على بقائهم فى مقاعد تمثيل الشعب، من هنا نهيب بأعضاء البرلمان القادم، أن يرتفعوا لمستوى ما عليه شعب مصر العظيم من تطلعات ورؤى وأحلام هو ماض حتما فى تحقيقها، بهم إن وعوا الدرس، أم بغيرهم، فالشعب وحده هو من يضع، ومن يخلع ويقصى ويطيح.