على بعد 75 دقيقة من القاهرة وبالتحديد شمال الإسماعيلية عند الكيلومتر 73,250 ترقيم قناة السويس، خلية نحل تعمل طوال النهار دون توقف، تتحدى الصعاب، لتفى بالعهد بعد 42 عاما لدماء الشهداء التى سقطت لتحرير سيناء، وتحول تنميتها إلى حقيقة، حيث تجرى أعمال حفر مجموعة أنفاق الإسماعيلية التى تعبر قناة السويس، إنها بحق «أنفاق الحياة» التى تنقل التنمية والحياة إلى سيناء.مجموعات من المقاتلين «العاملين بشركات المقاولات المدنية» تملأهم الروح الوطنية، يؤمنون بأهمية المشروع لتنمية محور قناة السويسوسيناء، «أكتوبر» زارت موقع الحفر لتقضى 5 ساعات وسط العاملين بالمشروع. ككل المشروعات القومية التى يجرى بناؤها تجد اللواء أركان حرب مهندس كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، وسط العاملين والمهندسين يتابع كل ما يتم من أعمال البناء، ويناقش مهندسى الشركات الوطنية القائمة على التنفيذ، ويداعب العاملين، بابتسامة لا تفارق وجهه، تصاحبها كلمات حاسمة للانتهاء من المشروع فى الموعد المحدد. مدخل النفق فى مدخل مجموعة انفاق للسيارات، وقف اللواء أركان حرب مهندس كامل الوزير، رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة مؤكداً أن مشروعات الأنفاق الجارى إنشاؤها فى الإسماعيلية وبورسعيد والسويس من المشروعات الوطنية العملاقة التى تتم حاليا وتأتى فى إطار عملية التنمية الشاملة فى تنمية محور قناة السويس. وأضاف أن هناك 4 ماكينات تعمل فى مشروعات الأنفاق، مشيرا إلى أن الماكينة التى تنهى عملها فى نفق السيارات ستقوم بالعمل فى مشروع نفق السكة الحديد والذى يربط بين ضفتى قناة السويس لنقل البضائع. وقال اللواء كامل الوزير إن الأيدى العاملة فى المشروع حتى الآن كلها مصرية من عمال ومهندسين، بينما الاستشارى فقط هو الأجنبى، مؤكدا أن تلك المرحلة تضم أكثر من 800 عامل ومهندس. وأوضح اللواء كامل الوزير أن أهمية الأنفاق التى تنفذ حاليا هى رفع المعاناة التى يعيشها المواطنون نتيجة انتظار السيارات على المعديات ونفق الشهيد أحمد حمدى سواء كانت تلك السيارات محملة ببضائع أو بركاب، مؤكدا أن تنفيذ تلك الأنفاق تأخر أكثر من 12 عاما. وأشار اللواء كامل الوزير إلى أن مشروع حفر الأنفاق أسفل قناة السويس هو أيضًا من أجل ربط سيناء بباقى أرض الوطن والتغلب على مشاكل عبور المواطنين لقناة السويس وتحقيق سهولة الحركة من وإلى سيناء، حيث إنه جارٍ حاليا إنشاء مجموعتين من الأنفاق أسفل قناة السويس بمنطقة جنوب بورسعيد بعلامة كم 19,150 ترقيم قناة، وشمال الإسماعيلية بعلامة كم 73,250 ترقيم قناة السويس، وتتكون كل مجموعة من نفقين للسيارات «بمعدل نفق لكل اتجاه مرور» ونفق للسكة الحديد، وتم تصميم هذه الأنفاق بقطر خارجى 12.6 متر، وعلى عمق 16 20 مترا أسفل منسوب قاع المياه لقناة السويس ويبلغ إجمالى أطوال هذه الأنفاق 41,3 كم. وقال اللواء كامل الوزير إن إنشاء الأنفاق تم على أسس علمية وهندسية حيث يتم ربط الأنفاق بالشبكة القومية للطرق التى يتم إنشاؤها الآن، مشيرا إلى أن تنفيذ هذه الطرق بالتعاون مع الهيئة الهندسية للقوات المسلحة ووزارة النقل. وكشف اللواء كامل الوزير عن اللقاء الذى دار بينه وبين الرئيس عبدالفتاح السيسى بإنشاء الأنفاق حيث قال الرئيس: «إمتى إحنا حنفذ أنفاق لوحدنا؟».. وعلى الفور أعطى الرئيس تعليماته باشتراك الشركات المصرية فى مشاريع الأنفاق التى تنفذ بالتعاون مع الشركات الأجنبية المتخصصة، من أجل اكتساب الخبرة، موضحا أن هناك 40 مهندسا من الشركات المدنية والهيئة الهندسية سافروا إلى ألمانيا للتدريب واكتساب الخبرات على تشغيل وصيانة الماكينات العملاقة. وتابع: هناك 4 شركات رئيسية تعمل فى مشروع الأنفاق؛ منها اتحاد بين شركتين فى الإسماعيلية وهى «بتروجيت وكونكور»؛ وشركتين تعملان فى مشروع أنفاق بورسعيد وهى شركة» أوراسكوم والمقاولون العرب»؛ وهناك من 20 إلى 24 شركة أخرى تقوم بالمساعدة بعمالة مباشرة تصل إلى 3000 عامل. وقال اللواء كامل الوزير إن الماكينة التى تم شراؤها أخيرا لحفر الأنفاق تقوم بحفر 10 أمتار طولى كل يوم. مؤكدًا إن هناك حرصا على رفع الروح المعنوية لدى جميع العاملين فى المشروعات الوطنية، مطالبا وسائل الإعلام ببث رسالة تطمين إلى الشعب المصرى بأن هناك من يعمل لإنجاز المشروعات الوطنية دون النظر للمقابل. من جانبه قال اللواء الدكتور أحمد فودة، المشرف العام على الأنفاق إن مدة تنفيذ مجموعة الأنفاق لن تتجاوز العامين، لافتا إلى أن دولة مثل هولندا والتى تمتلك خبرة كبيرة فى تنفيذ الأنفاق تستغرق فى دراسة النفق عامين، وتنفذها فى عامين آخرين. مصنع الخرسانة وقال اللواء أركان حرب أحمد فودة، إنه تم تجهيز مصنع لإعداد وتجهيز الخرسانة الجاهزة؛ وقطع «سيجمنت»؛ التى تستخدم فى إنشاء النفق الاسطوانى، أسفل المجرى الملاحى لقناة السويس. وأشار إلى أنه يوجد داخل الموقع مصنع تم إنشاؤه خصيصا لتصنيع البلاطات سابقة التجهيز المكونة للنفق (سيجمنت) بواسطة شركة بتروجت ويتم تصنيع السيجمنت داخل فريم خاص وبمواصفات خاصة ويتم معالجتها لتصبح قادرة على تحمل الأحمال الواقعة عليه، وطاقة المصنع 18 قطعة يوميا. وأشار اللواء أحمد فودة إلى أنه تم بالفعل إنتاج هذه القطع ويتم الآن تجميعها وتسويقها فى مخازن مكشوفة بالقرب من مسار فتحة النفق حتى تكون قريبة من ماكينة الحفر وسوف تبدأ عملها تزامنا مع احتفال مصر والقوات المسلحة بتحرير سيناء 25 أبريل القادم. وأوضح أن الأسمنت المستخدم فى تجهيز الخرسانات من نوع الأسمنت المقاوم لكل عوامل الخارجية التى تطرأ على التربة سواء من مياه جوفية أو تسريبات من مياه المجرى الملاحى، مشيرا إلى أن الأسمنت يتم تصنيعه فى المصانع المصرية بمنطقة سيناء والوادى ويتم توريده للمشروع بأسعار خاصة كما يتم دعم هذه القطع بحديد تسليح ذى كفاءة عالية و«تخانات» عالية مما يجعلها قادرة على تحمل ضغط التربة والأحمال الثقيلة وضغط مياه قناة السويس التى يمر أسفلها. وأضاف اللواء فودة أنه تتم الآن عملية شفط المياه الجوفية مع بداية فتحة النفق وتهيئة منزل النفق من الاتجاه الغربى لدخول ماكينة الحفر العملاقة التى تتطلب ظروفا خاصة وطبيعة معينة للتربة خاصة أن هذه الماكينة عملاقة ذات أوزان ضخمة للغاية ويتم تجميعها على مرحلتين؛ الأولى تتم خارج النفق بأيادى عمال ومهندسين مصريين بإشراف الشركة الألمانية المصنعة للماكينة والمرحلة الثانية يتم تجميعها مع بداية مسار النفق وذلك لكبر حجمها لتبدأ العمل بعد ذلك. طلاب كلية الهندسة خلال الزيارة توافد عدد من طلاب كلية الهندسة ورحب بهم اللواء كامل الوزير رئيس أركان الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وأكد أن هذه تعد فرصة كبيرة لهم لتدعيم دراستهم النظرية بواقع عملى يرونه وفى مثل هذا المشروع الضخم يشاهدون كم الجهود التى تبذل ويكونون خير سفراء لزملائهم وذويهم لينقلوا لهم صورة حية لمعركة التحدى التى تقوم بها مصر من أجل تحقيق التنمية الشاملة التى تبنى بسواعد وأياد مصرية خالصة، مؤكدا أن مصر تسير على طريق الخير. وأوضح اللواء الوزير أن هناك رحلات تنظيمية لطلاب كليات الهندسة بجميع جامعات مصر ليشاهدوا ما يتم وتكون داعما عمليًا فى دراستهم بالكلية وأشار الوزير، إلى أن مجالات العمل متاحة وكثيرة للمهندسين والعمال، رافضا ما يروجه أعداء الوطن من لا مجال لعمل المهندسين وغيرهم وبدلا من أن يخرجوا للعمل فى الخارج، ففرص العمل كثيرة فى مشروعات التنمية على محور قناة السويس الجديدة. وأوضح أن العمل فى كل نفق له طبيعة مختلفة عن النفق الآخر، حيث طبيعة التربة فى نفق الإسماعيلية تختلف عن التربة فى نفق بورسعيد. العاملون بالمشروع أكتوبر التقت مجموعة من العاملين فى تجهيز وتدبيش مدخل النفق من إتجاه الإسماعيلية والذين يعملون بالمشروع منذ 60يوما. طارق محمد دسوقى «دباش» من جزيرة المساعدة مركز الواسطى، محافظة بنى سويف، شاب أربعينى قال : «البلد بتتغير عن الفترة الماضية كثيرا، مشروعات البنية الأساسية التى يتم إقامتها حاليا أكيد سيجنى ثمرتها أبناؤنا، كما سيوفر فرص عمل، مضيفا نبدأ العمل الساعة السابعة صباحا وحتى الرابعة عصراً، ونحصل على ساعة للغذاء». أشعر بالفخر لأنى أعمل فى هذا المشروع، لأنه ليس مشروع جيل بل الأجيال الحالية والمستقبلية سترى أثره على التنمية. «هانى محمد» مشرف على أعمال التدبيش والتجهيز لجوانب النفق، تحدث معنا ووجهه يملؤه الأمل فى المستقبل، قال: «معظم العاملين فى هذا المجال من أبناء الصعيد». عندما سألته: هل سيتم إنجاز المشروع فى موعده؟ رد بحماس شديد: «إن شاء الله، ونتعشم فى وجه ربنا خيرًا» نحن نعمل ما علينا بجد وإخلاص وإتقان، وأكيد ربنا لا يضيع تعب أحد. أضاف «هانى» من المواقف التى لن أنساها هو فى يوم من أيام العمل جاءت أمطار غزيرة ولم نجد فى موقع العمل عند البداية سوى المشمع الخاص بالأسمنت لنحتمى به، وبعد توقف المطر عدنا لمواصلة العمل. يجب أن نكون «قد التحدى» ونحن هنا نقوم بتدبيش مدخل النفق، بنسبة ميول وارتفاع 15 مترا، وهذا الأمر صعب أثناء العمل لأن الواجهة ليست قائمة، لنستخدم السقالات، فكرنا مع بعضنا وتوصلنا إلى حل وبدأنا فى العمل، وإن شاء الله ننتهى من تدبيش مدخل النفق وفق المدة المحددة وهى 90 يوما وسننتظر حتى يتم تركيب ما كينة الحفر ثم نستكمل العمل. وأضاف هانى، أنه يتم فى البداية تجهيز الميول الخاصة بجانبى النفق، ثم يتم وضع الدبش العشوائى لتثبيت الجوانب يتبعها تغطية الدبش الذى يأخذ شكلا سداسيا مثل أقراص شمع النحل، ليأخذ الشكل الجمالى. وواصل قائلا: ننسق الإجازات مع بعض، وأصبح لدينا ذكريات كثيرة مع هذا المكان وبصمة فى هذا المكان سنظل نتذكرها عندما يتم الانتهاء من المشروع، والمرور من النفق. واستكمل «هانى محمد» قائلا: لازم ننظر للمستقبل، ونفكر إزاى البلد دى تنهض، أما البطالة فأى شاب لازم يسعى لأكل عيشه، فى أى مكان، وعلى فكرة «إحنا» معانا واحد من الإسماعيلية، سعى للحصول على فرصة عمل، وهو يعمل معنا الآن. يجب أن نؤمن بالحكمة القائلة «من جد وجد».