من نهاية لهذه المأساة؟ سؤال يفرضه ذلك المشهد المحزن الذى أصبح يتكرر بشكل شبه يومى.. مئات من المهاجرين من أفريقيا والشرق الأوسط يجازفون بحياتهم على متن قوارب صغيرة متهالكة فى محاولة للوصول إلى السواحل الأوروبية عبر البحر المتوسط هربا من الفقر والحروب فى بلدانهم لينتهى بهم الحال بالغرق قبل أن تصل إليهم فرق الإنقاذ فى محاولة فاشلة لإنقاذ أرواحهم ولكن بعد فوات الأوان وسط التنديد بسياسات الاتحاد الأوروبى تجاه أزمة اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين. وجاءت كارثة قارب الصيد الذى غرق الأسبوع الماضى قبالة السواحل الليبية وعلى متنه أكثر من 800 مهاجرا، بينهم نساء وأطفال، لم ينج منهم إلا 28 فقط، والتى وصفتها كارلوتا سامى المتحدثة باسم المفوضية السامية لشئون اللاجئين ب «أسوأ مجزرة يشهدها البحر المتوسط»، لتزيد من الانتقادات التى يواجهها الاتحاد الأوروبى بسبب إغلاق حدوده أمام اللاجئين والقرار الذى اتخذه أعضاء الاتحاد العام الماضى بإلغاء عملية الإنقاذ «مير نوستروم» لتكلفتها المرتفعة، وتخوفهم بشأن تشجيعها للمهاجرين بشكل غير مقصود على المجازفة بحياتهم، وهو ما ألقى بالعبء على عاتق ايطاليا فى مواجهة تدفق المهاجرين، فى حين يقوم الاتحاد الأوروبى حاليا بعملية محدودة لمراقبة الحدود باسم «ترايتون». وبحسب المفوضية العليا للاجئين فى الأممالمتحدة حملت قوارب المهاجرين حوالى 13,500 شخص إلى المياه الإيطالية خلال الأسبوع الماضى فقط. ومنذ بداية العام الحالى وحتى 15 أبريل توفى حوالى 900 مهاجر أثناء محاولتهم عبور البحر المتوسط. أما فى عام 2014 فقد عبر حوالى 170 ألف شخص إلى إيطاليا وحدها فى حين بلغت أعداد من حاولوا عبور المتوسط حوالى 218 ألفا مات منهم 3500 أثناء الرحلة. وتخشى منظمة الهجرة الدولية أن يتجاوز عدد الضحايا هذا العام 30 ألفا إذا استمر الوضع على ما هو عليه. وتعتبر قناة صقلية بين ليبيا وإيطاليا، من أكثر السبل التى يسلكها مهربو البشر لنقل المهاجرين إلى أوروبا، حيث يستغلون الأزمة السياسية فى ليبيا لتكون مركزا لإطلاق القوارب التى تحمل المهاجرين الهاربين من العنف والأزمات الاقتصادية فى أفريقيا والشرق الأوسط. وفور وقوع الحادث الأليم الذى رفع عدد الضحايا من المهاجرين القادمين غالبا من شواطئ ليبيا إلى أكثر من ألف غريق فى أسبوع واحد، و1750 غريق منذ مطلع العام الحالى، أبدى رئيس الوزراء الإيطالى ماتيو رينزى أسفه لغياب «الوحدة الأوروبية» فى التعامل مع الأزمة، مشددا على أن الحل لا يتعلق بزيادة أعداد قوارب الإنقاذ وإنما بمنع قوارب المهاجرين من مغادرة السواحل الليبية. وبدوره قال رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات ل «بى بى سى»: «إذا غضت أوروبا والمجتمع الدولى الطرف عن هذه الأزمة، سيحكم التاريخ علينا كما حكم على أوروبا عندما غضت الطرف فى الماضى عن حروب الإبادة». وفى تصريحات لمندوب البحرية اليونانية لدى وزارة الخارجية، ثودورس دريتساس، لوكالة «أسوشيتد برس»، طالبت اليونان دول الاتحاد الأوروبى بتقديم المزيد من الدعم، للتغلب على ظاهرة «الهجرة غير الشرعية» عبر أراضيها نحو أوروبا، وأن تتحمل هذه الدول مسئولياتها تجاه هذه «الكارثة». ومن جانبها، انتقدت الممثلة العليا للسياسات الأمنية والشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبى فيدريكا موجرينى، دول شمال الاتحاد الأوروبى التى تركت عبء عمليات الإنقاذ على دول الجنوب الأوروبى مثل إيطاليا ومالطا، داعية حكومات الاتحاد الأوروبى إلى دعم عمل مشترك للتعامل مع مآسى غرق المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى الشواطئ الأوروبية. كما تساءل رئيس البرلمان الأوروبى مارتن شولتز فى بيان: «هل تنتظر أوروبا أن يرتفع العدد أكثر من هذا حتى تتحرك لمواجهة الأمر؟». وطالب رئيس البرلمان بأن «يكون هناك نهج أوروبى مشترك وحقيقى، يقدم للناس فرصة للقدوم إلى أوروبا بشكل قانونى، ويضع الأمل للناس بدلا من اليأس». وفى الوقت نفسه أصر شولتز على أهمية تشكيل حكومة وحدة وطنية فى ليبيا. ومن جهته، قال المفوض السامى لشئون اللاجئين انطونيو جوتيريس: «هذه الكارثة تؤكد الحاجة الملحة لإعادة تشكيل عملية إنقاذ بحرية». وقد أدانت منظمات حقوقية «عدم اكتراث السلطات الأوروبية» بغرق المهاجرين فى البحر المتوسط، وقالت منظمة العفو الدولية إنه «بطلبه وقف عملية مارى نوستروم، لتحل محلها عملية ترايتون، يدير الاتحاد الأوروبى ظهره لمسئولياته ويهدد بشكل واضح حياة آلاف الأشخاص». وقال رئيس منظمة «أطباء بلا حدود» لوريس دى فيليبى، فى بيان إن السياسات الأوروبية مسئولة بشكل كبير عن المقابر الجماعية للمهاجرين فى البحر المتوسط، مشيرا إلى أن الدول الأوروبية أغلقت حدودها فى وجه الآلاف من الأشخاص اليائسين الفارين من الحروب والأزمات مما يضطرهم إلى البحث عن الحماية من خلال المخاطرة بحياتهم والموت فى البحر. وطالب دى فيليبى الدول الأوروبية، بإطلاق عمليات بحث وإنقاذ فى البحر المتوسط على نطاق واسع، وعلى وجه السرعة، تتضمن تسيير دوريات بالقرب من السواحل الليبية التى تعد أكبر مركز لانطلاق رحلات الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا. ومن جانبه، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة بان كى مون عن «صدمته وحزنه العميق» حول الكارثة الأخيرة، قائلا إن الحكومات ليس عليها فقط تحسين عمليات الإنقاذ فى البحار، بل تقاسم أعباء اللاجئين واستضافة عدد متزايد منهم. ومن ناحية أخرى، قال رئيس حزب الاستقلال البريطانى المعارض، نايجل فاراج، فى لقاء ببرنامج على شبكة «بى بى سى» إن التحرك العسكرى الذى قادته الدول الأوروبية ضد نظام معمر القذافى عام 2011 تسبب فى زعزعة استقرار ليبيا، مؤكدا ضرورة اعتراف الدول الأوروبية بأنها كانت سببًا مباشرًا فى مشكلة الهجرة التى تشهدها أوروبا. وفى مواجهة الانتقادات، استبق الاتحاد الأوروبى القمة الطارئة التى عقدها الخميس الماضى لبحث الأزمة، بالإعلان عن إجراءات جديدة للتعامل مع تدفق المهاجرين نحو السواحل الأوروبية، من بينها زيادة الموارد المالية المخصصة لعمليات البحث والإنقاذ، والبت فى طلبات اللجوء فى غضون شهرين من تقديمها.