الحرب هى قرار سياسى بالأساس، يتخذه صانع القرار بناء على معطيات تتعلق بالأمن القومى. ولذا توصف الحرب أحيانا بأنها أداة سياسية تمنع شرورًا وتمهد الطريق إلى تسويات سياسية. والذهاب إلى الحرب يعنى قبول التضحية بكل الأشكال والأنواع، والمهم هنا الهدف الرئيسى من خوض حرب وتعريض أرواح للموت وموارد مختلفة للدمار، هل هو للدفاع عن النفس فى مواجهة عدوان غادر أم بدء حرب استباقية أمام خطر يتشكل إن ترك لحاله سيؤدى إلى عواقب وخيمة، أو هى حرب هجومية عدوانية بهدف التوسع وإهانة شعب آخر وكسب أراض وموارد غير مستحقة؟ بالقطع لا أحد من العرب وفى المقدمة مصر يتحدث عن حرب هجومية عدوانية فى أى قضية كانت. وفى تاريخنا الحديث والقديم فإن معظم الحروب العربية هى حروب دفاعية بالأساس، حتى حرب أكتوبر 1973، تعد حربا دفاعية بالدرجة الأولى رغم أنها نُفذت فى صورة مبادأة بالحرب، لأنها كانت بمثابة رد على العدوان الإسرائيلى فى 67، لغرض تصحيح الموقف، ومن ثم دفع إسرائيل إلى إنهاء احتلالها للأراضى العربية. قرارات الحرب هى من أخطر القرارات التى تتخذها القيادة السياسية، وفى بعض الأحيان تبدو الحرب بمثابة ضرورة وليست اختيارا. والمهم أن يصاحب الحرب تصور أشمل لكيفية احتواء عواقبها، وكذلك معالجة النتائج فى اليوم التالى لوقف الحرب. وكل هذه الأمور تتعلق أساسًا بطبيعة القضية التى يتم من أجلها خوض الحرب. وإذا وضعنا هذه المعايير أمام أعيننا حين نتحدث عن الذى يجرى فى اليمن تحت عنوان «عاصفة الحزم»، يمكن أن نستنتج أن الذين قرروا خوض هذه العمليات العسكرية أجبروا على ذلك لحسابات تتعلق بعلاقة اليمن من خلال موقعه الجغرافى وتفاعلاته العربية الممتدة، وقيمته الاستراتيجية الكبرى لأمن منطقة الخليج العربى وأمن المشرق العربى ككل، ولمنع خطر وقوع اليمن تحت هيمنة قوة غير عربية تسعى إلى تكوين امبراطورية فى عموم المنطقة العربية بدون استثناء. وفقا لهذه الاعتبارات فإن عاصفة الحزم تدخل فى باب الحروب الاستباقية ذات الطبيعة الدفاعية، ومع ذلك فهى ليست حربا بالمعنى الحقيقى للكلمة، أو لنقل إنها حرب من نوع جديد لأن أحد طرفيها، وهو الطرف اليمنى وتحديدًا ميليشيات الحوثيين والقوات اليمنية الموالية للرئيس اليمنى المخلوع والمتمردة على الشرعية تعد طرفا غير نظامى، وكذلك فإن جزءًا معتبرًا من المدافعين عن شرعية الرئيس هادى هم من المجموعات الشعبية غير المتمرسة بالقتال والتى تقف فى وجه الغطرسة الحوثية. ومن هنا تدخل هذه الحرب أيضا فى باب الحروب شبه التقليدية شبه الحروب اللا متماثلة بسبب اختلاف طبيعة أطراف الحرب المباشرين. نحن إذا أمام حملة عسكرية جوية وبحرية بالدرجة الأولى، امتزجت فيها أسباب الدفاع عن شرعية الحكم فى اليمن، والدفاع عن الأمن الوطنى لدولة عربية كبيرة وهى السعودية، والدفاع عن مصالح كبرى أمنية واقتصادية واستراتيجية لدول عربية كبرى وهى مصر والإمارات، ناهيك عن حماية مصالح دولية عريضة تتمثل فى حرية الملاحة فى واحد من أهم الممرات فى العالم، وهو باب المندب. وكأى حملة عسكرية سيأتى اليوم الذى تحقق فيه أهدافها، وفى المقدمة كسر شوكة الحوثيين وأنصارهم من متمردى الجيش اليمنى الموالين للرئيس اليمنى المخلوع. وبعد حوالى أسبوعين من بدء هذه العمليات، يثار جدل كبير حول مدى مشاركة قوات برية لدول تحالف عاصفة الحزم، وهو أمر يعنينا فى مصر بقوة كما يعنى السعودية وباقى الدول المشاركة فى التحالف. والسؤال هو هل هناك ضرورة لمشاركة قوات برية فى هذه العمليات، وإذا شاركت بالفعل فما الهدف الذى ستحققه؟ وبالطبع هناك أسئلة عديدة أخرى ولكن تفصيلية من قبيل ما هى الدول التى ستشارك بقوات برية وما حجم القوات المطلوب، وكيف سيتم توزيع المهام على المشاركين ومن ستكون له القيادة؟، وغيرها من التساؤلات التفصيلية التى تتطلب بحثا دقيقا. ولكن تظل الأولوية للتساؤل الخاص حول الهدف من مشاركة قوات برية، وفى ضوئه سيتحدد العدد والخطة. وفى اعتقادى أن التلويح بكل الخيارات يستهدف فى هذه المرحلة التأثير على المعنويات للطرف الآخر، ودفعه للتجاوب مع مطالب الحملة العسكرية بصورة كاملة وإلا تعرض لمزيد من الإنهاك ومزيد من الضربات القاتلة. وعلينا هنا ملاحظة أن العمليات العسكرية التى تدور فى أجزاء من اليمن، تصاحبها معركة أخرى فى مجال الدبلوماسية الدولية، وتتمثل فى ذهاب العرب لإصدار قرار دولى تحت بنود الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، يدعو إلى التزام الحوثيين بقرارات الأممالمتحدة السابقة، خاصة القرار الرقم 2201 الصادر فى 15 فبراير الماضى والذى يفرض على الحوثيين الخروج من المدن ومن مؤسسات الدولة وتسليم الأسلحة التى نهبوها من معسكرات الجيش اليمنى، والعودة إلى الحوار الوطنى، والتسليم بشرعية الرئيس هادى. كما يدعو القرار أيضا الى فرض عقوبات إضافية على شخصيات معينة ثبت ضلوعها فى مؤامرة تفتيت الدولة اليمنية وتسليمها إلى قوة إقليمية، إضافة إلى اتخاذ إجراءات تسهل تقديم المساعدات الإنسانية لليمنيين الذين تضرروا بشدة من جراء القتال والكر والفر فى المدن والمناطق اليمنية المختلفة. وفى حال صدور هذا القرار الذى لا زال يخضع لبعض التعديلات والمساومات من قبل كل من روسيا والصين، فإنه سيؤكد أنه يمكن الاكتفاء بالعمليات العسكرية البحرية والجوية، ولن يكون هناك داع للتفكير فى الزج بالقوات البرية فى أتون معركة شرسة. ووفقا لمؤشرات عديدة فإن الأولوية الآن هى الدفع الأطراف اليمنية إلى التفكير فى بناء الدولة وانتشالها من عثراتها. ولذا يتحدث الجميع عن حل سياسى يجب الإسراع فيه وبما يؤدى إلى وقف العمليات العسكرية من قبل التحالف. الداعون إلى حل سياسى كُثر، نرصد منهم الرئيس السيسى الذى دعا الأخوة فى اليمن إلى التوافق والحفاظ على مواردهم والجلوس سويا وإنهاء ما بينهم من خلافات، محذرًا من أن اليمن لا يقبل الهيمنة من قبل طرف واحد. والعاهل السعودى ومن اللحظات الأولى لبدء «عاصفة الحزم» حدد الهدف الأكبر بعد الحفاظ على الشرعية اليمنية، فى إحياء الحوار السياسى بين اليمنيين وصولا إلى تسوية عبر الحوار. وكذلك تحدث رئيس الوزراء الباكستانى نواز شريف أمام برلمان بلاده متحدثا عن وقوف بلاده مع الأصدقاء فى السعودية وأن هناك جهودا تبذل لحل سياسى سلمى. وأخيرًا سمعنا دعوة إيرانية منسوبة إلى المرشد الأعلى خامنئى نقلها إلى الرئيس التركى أردوغان فى زياراته الأخيرة لطهران، تتحدث عن ضرورة التسوية السياسية التى لا تقصى أحدًا بعد أن تقف العمليات العسكرية وأن يتم الحوار اليمنى فى عاصمة محايدة. والغريب هنا أن تأتى الدعوة إلى حل سياسي من إيران على هامش زيارة رئيس دولة لبلد جار يعرف الساسة الإيرانيون أنفسهم أنه أحد الأسباب الرئيسية وراء العديد من مآسى البلدان العربية لا سيما فى سوريا، كما أنهم سبب فى مآس عربية أخرى. أما الأكثر غرابة فهو أن تتحدث إيران ومن أعلى سلطة فيها عن حل سياسى بعد أن كانت تتحدث عن أن سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء هو مجرد خطوة فى طريق الهيمنة الإيرانية على مكة والرياض والقاهرة ثم باقى العواصم العربية. وهو تحول يعنى اعترافا بأن عاصفة الحزم قد أغلقت الباب تماما أمام أى هيمنة حوثية أو غير حوثية على اليمن، واعترافا أيضا بأن الأفضل أن يظل الحوثيون أقوياء نسبيا فى أى تسوية مقبلة وهو ما لن يتحقق إلا إذا توقفت «عاصفة الحزم» عن تدمير الأسلحة والذخائر التى باتت فى حوزة الحوثيين. يبدو حديث الإيرانيين عن حل سلمى وكأنه إشارة أو ربما قرار للحوثيين بأن يعيدوا النظر فى مواقفهم وأن يتجاوبوا أكثر مع المطالب الدولية والإقليمية. وعلينا هنا أن نضع التأثير الإيرانى على الحوثيين نصب أعيننا. وفى حديث مطول مع إحدى الشخصيات اليمنية الخبيرة التى تفاوضت مرارًا وتكرارًا مع القيادة الحوثية فى السنوات الثلاث الأخيرة، وتابعت تفاصيل التفاوض بين ممثلين للرئيس هادى وممثلين لعبد الملك الحوثى، قبل دخولهم صنعاء فى 21 سبتمبر الماضى بعد يوم واحد من توقيع اتفاق السلم والشراكة، أكد لى الرجل أن الحوثيين لم يكونوا يتصرفون أو يوافقون على أى شىء إلا بعد أن تأتى لهم الإشارة الخضراء من إيران عن طريق دولة عربية خليجية يقيم فيها مبعوث إيرانى يُعد بمثابة ضابط الاتصال بين الحوثيين فى اليمن والقيادة الإيرانية فى طهران. وأنه أحيانا كان يتم الاتصال مباشرة من طهران بالرئيس هادى لإبلاغه بما سوف يقبله الحوثيون وما لن يقبلوه. ولذا فإن حديث إيران عن مبادرة سياسية لوقف الهجمات العسكرية على أن يتبع ذلك حوار يمنى موسع يفضى إلى تشكيل حكومة ثم انتخابات، يعنى أن إيران أدركت حدود الدور الذى يمكن للحوثيين أن يلعبوه، وأدركت أيضا أن عاصفة الحزم لن تتوانى عن وضع الحوثيين تحت مزيد من الضغوط. يضاف إلى ذلك أن الموقف فى مدينة عدن يؤشر إلى أن ميليشيات الحوثيين أخذت فى التراجع، وأن مجموعات اللجان الشعبية الموالية لهادى باتت تفرض سيطرتها على معظم المدينة وأنها تعمل على تطهيرها تماما من أى وجود حوثى، مستفيدة بذلك من دعم عاصفة الحزم بالأسلحة والمعلومات، وبالضربات الجوية على مواقع الحوثيين المختلفة. كما أن الكثير من قادة القوات التى تمردت على الشرعية وناصرت الرئيس المخلوع أخذوا فى إعلان الانشقاق والخضوع للشرعية مقابل عدم الملاحقة القانونية. مثل هذه المعطيات تعنى أن العمليات الجوية والبحرية على مدى أسبوعين قاربت على أن تحقق كامل أهدافها، وأن الأرض الآن باتت ممهدة أكثر لصالح الشرعية وأنصارها، وربما يستمر الضغط على الحوثيين وأنصارهم أسبوعين آخرين، وبعدها سيكون الوضع مؤهلا تماما للانصياع لقرارات الأممالمتحدة، وعندها لن تكون هناك حاجة للتدخل البرى بأى حال من الأحوال.