مع اشتداد المعركة ودخول «عاصفة الحزم» أسبوعها الثالث فى اليمن ومحاولة الحوثيين المستميتة السيطرة على عدن كما سيطروا على صنعاء من قبل تتفاوت آراء المحللين السياسيين والخبراء العسكريين حول التدخل البرى فى اليمن، فهناك من يرى أنه تكرار لسيناريو 1962 عندما دخلت مصر بثقلها لتخليص اليمن من حكم الإمام، وهناك من يرى ضرورة التدخل، وأن السكوت عما يحدث فى اليمن خيانة للأمة العربية والأمن القومى المصرى. أكتوبر ناقشت القضية مع الخبراء والمتخصصين للتعرف على المؤيدين والمعارضين. فى البداية قال اللواء سامح سيف اليزل إن ظروف اليمن حاليًا تختلف كليًا عما كان فى 62 عندما تدخلت القوات المسلحة المصرية لمساندة الثورة اليمنية ضد حكم ظلامى، وكانت مصر وقتها تحارب منفردة على غير رغبة بعض دول الخليج، ولم يوجد غطاء دولى أو حتى عربى للعمليات العسكرية كما أن سلاح الطيران ولاحتى البحرية لم يكونا بالقوة التى عليها الآن، أما الآن ومن خلال الواقع فإن الوضع قد تغير تمامًا إذ يأتى التدخل المصرى من خلال تحالف عربى ودعم دولى غير مسبوق، كما أن دول المنطقة تشارك بكل أنواع الأسلحة مع الاستعانة بدولة باكستان ومع أنها خارج النطاق الجغرافى إلا أنها دولة إسلامية وتربطها بالمنطقة علاقات وثيقة. مضيفًا أنه إلى الآن لم تقرر قوات التحالف العربى الدخول فى حرب برية، وإذا ذلك فسيكون بحسابات دقيقة بمناطق معينة، وبطريقة معينة أيضًا وسيكون بمشاركة قوات التحالف مجتمعة، مع التأكيد أن القيادة السياسية والعسكرية فى مصر تدرك طبيعة اليمن جيدًا، وتعرف كيف تنتصر على الخصم ومادامت قبلت دخول المعركة، فإنها تدرك كيف تخرج منها منتصرة بعد تحقيق الأهداف المرجوة منها، مؤكدًا أنه رغم التقدير الكامل لقوات التحالف المشاركة وتحرير اليمن من ميلشيات الحوثى وداعش والقاعدة إلا أن القوات المصرية هى الجيش الوحيد الذى خاض حربًا نظامية ضد عدو شرس فى 1973 وانتصر عليه، وأنه الجيش الوحيد الذى يمتلك خبرات متراكمة تؤهله أن يكون فى مقدمة الجيوش العالمية بلا أدنى شك، وأن مشاركة الجيش المصرى لقوات التحالف، أعطاها ثقلًا كبيرًا نظرًا للتسليح والتدريب الذى يتميز به الجيش المصرى عن غيره وبالتالى فإن عقدة اليمن - كما يقال - لن يكون لها عمل الآن، وأن الأمن القومى المصرى فوق أى اعتبار. تكثيف الضربات فيما طالب الخبير الاستراتيجى اللواء فتحى قزمان بتكثيف الضربات الجوية على معاقل الحوثيين ومن يساندهم من بقايا أنصار على عبد الله صالح لإحداث أكبر خسائر ممكنة، وعدم إعطاء فرصة للعدو لالتقاط أنفاسه. ونصح قزمان القيادة السياسية والعسكرية فى مصر بإرجاء التدخل البرى لصعوبة مسرح العمليات فى اليمن خاصة فى الشمال، مشيرًا إلى أن القيادة السياسية تعى ذلك جيدًا وأن الرئيس عبد الفتاح السيسى يعمل ألف حساب لحماية أرواح أبنائه من الجنود والضباط، ولن يغامر بأحد منهم كما يحلو للبعض أن يقول. وفى ذات السياق يكشف الخبير الاستراتيجى اللواء نبيل شكرى عن تجربته فى حرب اليمن الأولى قائلًا: مسرح العمليات وطبيعة الأرض كانت تساعد المقاتل اليمنى على القتال، وكأن الأرض تحارب مع أصحابها ولأن أهل مكة أدرى بشعبها فإننى أفضل اكتفاء مصر بالضربات البحرية والجوية وتفويض قوات دول الخليج بالتدخل البرى ومادامت مصر قد شاركت قوات التحالف فى حربها ضد ميليشيات الحوثى، وأنصار الله والقاعدة وعلى عبد الله صالح لابد من تكثيف الضربات الجوية لتكسير عظام الخصم وإجباره على رفع «الراية البيضاء». شغل مخابرات وأكد على أن نجاح الضربات الجوية لن يأتى إلا باستطلاع جوى دقيق، وشغل مخابراتى على الأرض وتعاون يمنى كامل، والتركيز أثناء الضرب على المطارات العسكرية، والقواعد الجوية، وأنظمة الدفاع الجوى، وحصار الموانئ، وقطع خطوط الإمداد بحرًا وجوًا وبرًا. وألمح شكرى إلى أن حسم معركة اليمن لن يأتى إلا بمشاركة قوات برية يمنية قوية وقوات خليجية تعرف طبيعة الأرض بالإضافة إلى طبيعة المقاتل الحوثى الذى تربى فى الوديان والجبال، ويعرف الكر والفر جيدًا، ويعرف كيف يضرب وكيف يهرب ومتى يظهر ومتى يختفى؟. ورفض شكرى أى وقف للضربات الجوية بدعوى الحالات الإنسانية أو الإمداد والتموين لأن توقف الضرب سيعطى الخصم فرصة التقاط الأنفاس وترتيب صفوف وتلقى الدعم من جديد، وأن قبول الهدنة وتوقف القتال فى الحروب خطيئة كبيرة، بل خيانة لأرواح الضباط والجنود، والحروب لا تعرف الرحمة لأن الخصم إذا تملك منك سيقتلك وإذا لم يكن هناك بُد من التفاوض، فليجلس وهو فى حالة ضعف شديد دون امتلاك أى أوراق للضغط. حرب فيتنام ومن جانبه يقول د. أسامة الغزالى حرب السياسى البارز وأمين عام حزب المصريين الأحرار: حصلت على الدكتوراة فى حرب العصابات والميليشيات وكان موضوعها عن حرب فيتنام التى حاولت فيها أمريكا غزو فيتنام فى سبعينيات القرن الماضى وفشلت فشلًا ذريعًا بعد تكبدها خسائر فادحة.. وخرجت أمريكا بتجربة مريرة ولم تكررها إلا بتغيير الأساليب والتكتيكات، والاستعانة فى حروبها بميليشيات مرتزقة أو الاستعانة بقوات الدولة المقصودة، حتى تحافظ على جنودها. وفى حالة اليمن فإن احتمال التدخل البرى قد يكون مطروحًا.. لوجود معركة حقيقية دائرة الآن لها أبعاد داخلية وقبلية وإقليمية ومصالح لقوى خارجية. ولا يخفى على أحد الآن أن السعودية تستعد لتدخل برى واسع النطاق وستكون القوات السعودية ومعها قوات باقى دول الخليج لأن ما يحدث فى اليمن يؤثر مباشرة على دول المنطقة وخاصة السعودية. وبالتالى كما يقول حرب: إذا كان الصراع فى اليمن يهدد الأمن القومى المصرى وخاصة فى باب المندب فإنه يهدد كل حدود المملكة، ومن هنا فإن درجة الخطورة تتفاوت على مصر والسعودية، وبناء عليه فإن ما يهم مصر هو حرية المرور فى باب المندب، ومن حسن الحظ فإن تأمين حركة المرور فى باب المندب مصلحة دولية عامة، وليس مصلحة مصرية فحسب. أما فيما يتعلق بالتدخل البرى المصرى فأنا أرى أنه لا محل له على الإطلاق.. وهذا لا يعنى تخلى مصر عن دورها الإقليمى العربى وبالتالى فيمكن لمصر بحكم تحالفها مع السعودية، والتزامها بأمن الخليج أن يكون لها الدور الأكبر بتكثيف الطلعات الجوية على معاقل الحوثيين وأنظمة الدفاع الجوى. القوات الجوية المصرية هى الأقوى عربيًا وإقليميًا، بالإضافة إلى حصار موانئ اليمن بالفرقاطات والقطع البحرية المصرية، وهو الدور الذى ربما تعجز عنه جيوش دول كثيرة. الدعم اللوجيستى كما يمكن لمصر من خلال التزامها بأمن الخليج أيضًا أن تساعد بمستشارين عسكريين.. ووضع خطط محكمة لتطويق معاقل أنصار الله فى اليمن، ومساندة القوات البرية السعودية، هذا بالإضافة إلى تقديم الدعم اللوجيستى والمعلوماتى المخابراتى لقيادة قوات التحالف.. ونحن- أى الأجهزة السيادية المصرية - لنا دور كبير فى مثل هذه العمليات. ومن هناك كما يقول د.أسامة الغزالى حرب إن الطبيعة الجبلية الوعرة تعد من أسوأ الظروف والقنابل المضادة التى يمكن أن تنفجر فى أى قوات نظامية.. ويعد التدخل البرى مغامرة غير مأمونة العواقب ودرس فيتنام جاسم حتى الآن على صدور العسكريين الأمريكان. اللعب الإيرانى فى المقابل لا يمانع عبد الحكيم شداد نائب رئيس حزب المؤتمر من التدخل البرى فى اليمن من منطلق حماية الأمن القومى المصرى، ووقف التمدد الحوثى الإيرانى الذى يريد تطويق مصر من باب المندب قبل افتتاح قناة السويس الجديدة شريطة أن يتم ذلك بحسابات دقيقة قبل (التدخل) بمعنى أن يتم تهيئة مسرح العمليات بتكسير عظام الخصم، وجره خارج المناطق الوعرة والعسكريون يعرفون أن هناك ألف طريقة وطريقة للقضاء على العدو حتى لو كان يتحصن تحت الأرض ويعرفون كيف يخرج المارد من القمقم. مضيفًا أن شعب مصر يثق فى القيادة السياسية والعسكرية، ويدرك أن الجيش يدخل المعارك بحسابات وأهداف، لصالح الأمن القومى المصرى. التدخل مرفوض فؤاد بدراوى عضو الهيئة العليا لحزب الوفد قال: إن القيادة السياسية فى مصر لن تنزلق بإرسال قوات، أو الدخول فى حرب برية، ولا شك فى أن العسكريين يعرفون الهدف جيدًا، ويسلكون الطريق الصحيح، ودخول القوات البرية المصرية إلى أرض اليمن ليس نهاية المطاف لوجود بديل لها فى دول الخليج وهم أدرى بمسرح العمليات دون غيرهم، كما أن مصر تشارك مع قوات التحالف بقوات قوية وبحرية فاعلة نجحت فى قطع إمدادات أنصار الحوثى، وتأمين باب المندب. إنزال جوى موسى مصطفى موسى رئيس حزب الغد قال: خبرات القادة العسكريين فى مصر تمنعهم من ارتكاب أخطاء فى خنق الجيش والوطن، وبالتالى إذا كان لازمًا من التدخل البرى فسيكون بحسابات دقيقة، وبقوات خاصة، وعلى قدر معلوماتى، فإن الضربات الجوية المكثفة ستشل أيدى الحوثيين، وسيتم إنزال جوى لقوات خاصة من دول التحالف العربى لتطهير المطارات وقواعد الدفاع الجوى اليمنية من أنصار الحوثى وعلى عبد الله صالح. ولفت موسى إلى أهمية شباب القبائل وقوات الحشد الشعبى، وقوات الجيش اليمنى الموالية لعبد ربه منصور هادى.. فهذه القوات فى استطاعتها إذا وجدت الدعم اللوجيستى أن تطهر اليمن من الميليشيات المسلحة.. وبالتالى فقد أحسنت السعودية صنعًا عندما أسقطت من خلال الطائرات أسلحة ودعمًا لوجيستيا لهذه القوات حتى تستطيع المقاومة.. ولا ننسى أن القوات البرية اليمنية منعت ميليشيات الحوثى وعلى عبد الله صالح من احتلال القصر الرئاسى فى عدن، وأصبحت الميليشيات المسلحة محاصرة ويتم ضربها بالطيران، ثم تطهيرها فيما بعد بقوات خاصة مشتركة من اليمن ودول الخليج. رصيد شعبى ومن جهته أشار د.عبد الخالق فاروق عضو مجلس أمناء التيار الشعبى أن التدخل البرى فى 62 فى عهد عبد الناصر يختلف عن الآن، فوقتها تدخل الجيش لمناصرة شعب مظلوم قام بثورة على الإمام للخروج من تخلف العصور الوسطى إلى مدنية العصر الحديث، وهذا التدخل رغم الخسارة التى لحقت بالقوات آنذاك أدى إلى تشكيل رصيد شعبى لدى المواطن اليمنى، وهو الرصيد الذى ضيعه مبارك على مدار 30 عامًا. وكشف عضو مجلس أمناء التيار الشعبى من أنه ليس من مصلحة الحوثيين ولا أى طرف فى اليمن تهديد باب المندب لأن 70% من بترول إيران المتجه إلى أوروبا يمر من باب المندب، حيث يتم تفريغ السفن بالعين السخنة ثم نقله إلى سيدى كرير بالإسكندرية عن طريق خط سوثيد، ومن بعدها إلى أوروبا، وبالتالى فلا يوجد لمصر أدنى مصلحة من التدخل البرى فى اليمن.