صدق الغنوشى ولو كان كاذبا! الغنوشى الذى أتحدث عنه هو راشد الغنوشى رئيس حزب النهضة ومؤسس حركة النهضة فى تونس.. وحزب النهضة لمن لا يعرف ينتمى تاريخيًا لحركة النهضة التى تمثل التيار الإسلامى فى تونس.. والتى تم تأسيسها عام 1972 وأعلنت رسميًا عن نفسها فى عام 1981 وتم الاعتراف بها كحزب سياسى فى عام 2011 فى أعقاب ثورة الياسمين. وصحيح أن الحركة لم تعلن ارتباطها فى بيانها التأسيسى بالإخوان المسلمين لكنها معروفة فى الأوساط السياسية بإخوان تونس.. ثم إن راشد الغنوشى نفسه رئيس الحزب ومؤسس الحركة عضو بمكتب الإرشاد العالمى لجماعة الإخوان. والآن ما هى حكاية الغنوشى.. فيما صدق وفيما يمكن أن يكون كاذبًا؟!الحكاية أن راشد الغنوشى الذى يصنف على أنه زعيم إخوان تونس، والذى يشغل منصب عضو مكتب الإرشاد العالمى لجماعة الإخوان فتح نيران مدفعيته الثقيلة على جماعة الإخوان فى مصر وقال كلامًا يمكن أن يوجع قلب كل إخوانى! الكلام الذى قاله راشد الغنوشى كان حديثًا صحفيًا أدلى به لصحيفة «الخبر» الجزائرية مؤخرًا بمناسبة نتائج الانتخابات الرئاسية التونسية.. وقد حاول الغنوشى بهذا الكلام أن يقول رأيه فى تجربة الإخوان فى مصر. وقال الغنوشى إنهم فى تونس أخذوا عبرة كبيرة مما حدث فى مصر مؤكدًا أن خطوات الإخوان والإسلاميين الخاطئة وراء خسارتهم فى أكثر من جولة. وحاول الغنوشى أن يوضح السبب لخطوات الإخوان الخاطئة فقال بتعبيره: تونس والديمقراطية أغلى علينا من النهضة.. وأنا شخصيًا ليس لدى مشكلة فى أن أنتقل من السلطة إلى المعارضة.. لكن لا أحب أن أنتقل من السلطة إلى السجن أو من السلطة إلى المهجر.. هذا لا يسمى انتقالا. ومضى الغنوشى خطوة أبعد فى توضيح ما يقصده فقال: لو عمل بذلك إخواننا فى مصر وقالوا مثلما قلنا مصر والديمقراطية أغلى علينا من الإخوان لربحت مصر وربح الإخوان وربحت الثورة.. ثم أضاف: الديمقراطية ليست مجرد صندوق انتخابات أو بمعنى آخر أن صندوق الانتخابات ليس هو الضمانة الوحيدة لنجاح الديمقراطية.. هذه الرؤية هى خلاصة الدرس الذى غاب عن الإخوان والإسلاميين فخسروا أكثر من جولة وخاصة فى مصر. انتهى كلام الغنوشى الذى نشرته صحيفة الخبر الجزائرية.. وصدق الغنوشى ولو كان كاذبًا! ** هناك ما يؤكد إن كان الغنوشى صادقًا فى نقده لإخوان مصر.. الأمر المؤكد أنه متعاطف معهم وأنه كان يتمنى أن تنجح تجربتهم بكل تفاصيلها وكان يعلم أن نجاحها سيؤدى إلى نجاح النهضة فى تونس. وليس هناك ما يؤكد أنه كان صادقًا فى اعتبار الديمقراطية أغلى لديه من النهضة.. كيف وهو عضو فى مكتب الإرشاد العالمى لجماعة الإخوان؟!.. فليس سرًا أن الجماعة لا تؤمن بالديمقراطية ولكنها تستخدمها للوصول إلى أهدافها. ليس هناك ما يؤكد أنه صادق فيما يتعلق بالكلام عن تجربة إخوان مصر.. ومن المحتمل أنه يكذب ويقول هذا الكلام لمجرد الانحناء لعاصفة الانتخابات التونسية التى أطاحت بحزب النهضة.. لكن حتى لو كان يكذب فقد قال فى الحقيقة الصدق عن تجربة الإخوان فى مصر.. قال إن الجماعة عند الإخوان أغلى من مصر.. منتهى الصدق! وإذا تأملنا ما فعله ويفعله الإخوان منذ ثورة 30 يونيو سوف نكتشف أنهم يثبتون كل يوم أن الجماعة عندهم أغلى من مصر. أكثر من قيادة إخوانية هددت المصريين بتفجيرات وسيارات مفخخة إذا لم يعد مرسى.. وبدون أى اعتبار لمصلحة مصر والمصريين. أكثر من قيادة إخوانية تحركت على جميع المستويات فى الخارج للإضرار بسمعة مصر. وأكثر من قيادة إخوانية حرّضت شباب الإخوان على انتهاج العنف فارتكبوا العديد من الجرائم الإرهابية.. قتلوا ضباطا وجنودا من الشرطة والجيش وفجّروا العديد من محطات ومحولات الكهرباء وغيرها.. كل ذلك ليهز استقرار مصر والإضرار بالاقتصاد المصرى وفى تصورهم أن ذلك سيؤدى إلى انهيار الدولة. لم يفعل الإخوان ما فعلوه من أجل مصر ومن أجل مصلحة مصر وشعب مصر ولكنهم فعلوا ذلك من أجل الجماعة ومصلحة الجماعة.. لأن الجماعة عندهم أهم وأغلى من مصر.. تمامًا كما قال الغنوشى! لكن الحقيقة أن هذا الكلام لا يمثل خطأ الإخوان الوحيد - كما يتصور الغنوشى - فمنذ وصولهم للحكم لم ينقطعوا عن ارتكاب الأخطاء والخطايا! ** أخطاء الإخوان بشكل مذهل منذ وصول محمد مرسى للحكم.. وفى مقدمة هذه الأخطاء عدم قدرة الجماعة على احتواء القوى المدنية والليبرالية ومحاولاتهم المستمرة لأخونة مؤسسات الدولة.. كما تميز حكم الإخوان بصفة عامة بسوء الإدارة. ومن أبرز أخطاء الإخوان أيضًا محاولة تمرير الدستور الجديد الذى كان من المفترض أن تتوافق عليه كل القوى السياسية لكن ذلك لم يحدث.. وكان واضحًا أنه محل اعتراض القوى المدنية والليبرالية فضلًا عن الأقباط. الحقيقة أيضًا أن محمد مرسى وجماعة الإخوان نجحوا بامتياز فى عدم مد أى جسور للثقة بينهم وبين المؤسسة الأمنية.. وزاد على ذلك حالة السخط التى انتابت المؤسسة العسكرية نتيجة الإطاحة بقيادات الجيش بمجرد وصول محمد مرسى إلى الحكم. وبالإضافة لذلك فقد دخل الإخوان ودخل محمد مرسى فى عداء صريح للإعلام والصحافة.. والأهم أنه دخل فى عداء صريح مع المعارضة المصرية بكل أطيافها فضلًا عن العداء مع القضاء. أما أكبر الأخطاء التى ارتكبها مرسى والإخوان فكانت الإعلان الدستورى المشئوم الذى حاول الإخوان أن يجعلوا به مرسى نصف إله.. ثم الخطأ الفادح المتمثل فى حضور مرسى مؤتمر نصرة سوريا الذى انطلقت فيه دعوات جهادية وطائفية.. أيامها بدت مصر وكأنها اختطفت على يد المتطرفين.. وأصبح الرأى العام فى مصر على قناعة كاملة بأن الإخوان تحالفوا مع التطرف والمتطرفين! متوقعًا أن يتوقف الإخوان عن ارتكاب الأخطاء والخطايا.. ليس متوقعًا أن يعود الإخوان للصف الوطنى مادامت الجماعة عندهم أهم وأغلى من مصر.. كما قال الغنوشى!