فى غياب المتابعة الثقافية من تلاميذ الأديب العالمى نجيب محفوظ.. وفى ذكرى مولده 11 ديسمبر 1911.. تم إهدار أحد أهم رموز إبداعاته، وهى رواية «ميرامار» التى كان مسرحها بنسيونًا شهيرًا جرت فيه أحداث الرواية التى دارت أحداثها فى منتصف الستينيات عن قضية الديمقراطية وغياب التعددية وتداول السلطة من خلال تشريح للمجتمع المصرى فى ذلك الوقت وقدمت نماذج للانتهازية السياسية والمتلونين والمنافقين وأصحاب الشعارات البراقة وما يسمى بتحالف قوى الشعب العامل وعن مدينة- الإسكندرية- متعددة الثقافات. الرواية التى قدمت التنظيم السياسى الأوحد آنذاك الاتحاد الاشتراكى ونماذج من الإقطاعيين وشباب جماعة الإخوان.. وكانت هذه الشرعية ساحة لتفاعل القوى السياسية داخل مصر فى الستينيات.. ولأن أديب نوبل كان عاشقا للإسكندرية فقد اختار مسرح روايته فى هذا البنسيون الشهير «ميرامار» فى منطقة الأزاريطة بالقرب من ميدان محطة الرمل بالإسكندرية.. والآن اختفى البنسيون وتحول الكازينو الذى كان يحمل نفس الاسم بعوامل الصراع المادى.. بعد أن كان البنسيون والكازينو أشهر أماكن الإسكندرية. ولأن قيم الثقافة فى مجتمعنا غائبة.. ولأن وزارتى الثقافة والسياحة فى حالة سبات.. ورغم أن الرواية شرحت جزءا من تاريخ مصر وظلت رمزا للعمل الإبداعى الكبير، ولكن فى غفلة من المسئولين الرسميين والوسط الثقافى سقط هذا المكان عمدا مع سابق الإصرار والترصد. فقد تم شطب اسم البنسيون وتقسمه إلى شقق وتحول الكازينو لملهى ليلى. يقول د. عبد الله سرور أستاذ النقد الأدبى بجامعة الإسكندرية وأحد مريدى وتلاميذ أديب نوبل: كان البنسيون ميرامار نموذجا للبنسيونات المنتشرة بطول كورنيش الإسكندرية، وكان يملكها اليونانيون وكانت التركيبة الموجودة فى هذه البنسيونات بعضهم من كبار الموظفين على المعاش أو تجار وبعض السياسيين من العصر الملكى.. وبعض الأثرياء من أبناء الصعيد والوجه البحرى.. أما اسم «ميرامار» فهو باللغة اليونانية «الإعجوبة الجميلة».. وكان أديب نوبل نجيب محفوظ يقضى الصيف كله بالإسكندرية لأنه يملك شقة فى منطقة جليم وكان ينزل فى الصباح إلى منطقة محطة الرمل التى كانت مركزا ثقافيا ويشاهد باعة الصحف ويتمشى مع مريديه من منطقة المنشية حتى الشاطبى، وبالتالى كان يمر على بنسيون «ميرامار» الذى يقع فى طريقه.. وكانت جلسته المسائية فى كازينو أرميتاج فى جليم الذى تحول الآن إلى غابة خرسانية.. أو فى فندق سان ستيفانو القديم الذى تحول الآن لفندق وناطحة سحاب.. وأحيانا يلتقى بالأديب الكبير توفيق الحكيم فى كازينو بترو بمنطقة الأفيال، وكان من مريديه وتلاميذه من الإسكندريين الأدباء د. يوسف عز الدين ومحمد برهام وعبد المنعم الأنصارى ونعيم تكلا ومن شباب الأدباء سعيد سالم ومحمد الجمل ود. عبد الله سرور. أما رواية ميرامار التى اختار اسمًا لها فقد كان البنسيون بالفعل يضم جميع فئات البراجوازية المصرية المتوسطة وكانت الرواية كاشفة لعيوب النظام الاشتراكى وتحولت إلى فيلم سينمائى ذائع الصيت فى ذلك الوقت وقامت ببطولته الفنانة شادية والفنان يوسف شعبان الذى مثل دور الرجل الانتهازى الوصولى الاشتراكى وكان الفنانان يوسف وهبى وعماد حمدى كاشفان بالسخرية عيوب مرحلة عبد الناصر من خلال التعليقات الساخرة على الأوضاع. يكشف لنا د. هشام سعودى عميد كلية الفنون الجميلة السابق ورئيس نادى أعضاء هيئة تدريس جامعة الإسكندرية أن اختفاء بنسيون ميرامار.. جزء من مظاهر القبح التراثى والمعمارى والثقافى الذى أصاب مصر مع بداية عصر الانفتاح الاقتصادى وغياب القيم الجمالية والفنية والحفاظ على التراث، أمام تغول البحث عن المادة.. وبعد أن تغيرت التركيبة السكانية لأهالى الإسكندريةالمدينة التى كانت حاضنة لكل الأفكار والثقافات.. فظهر القبح الحضارى وتحولت المدينة إلى كتل خرسانية بلا طعم أو لون أو ملامح بعد أن كانت وسط المدينة مركز إشعاع للتراث.