كتب : حسام أبو العلا عاشور الزيات صفوت محروس انتفض رجال الدين فى مصر ضد الدعوات التى أطلقتها جماعات متطرفة تحرض المواطنين عامة والشباب خاصة على الاحتشاد فى الميادين فيما أطلقت عليه مظاهرات رفع المصاحف أو الثورة الإسلامية أو انتفاضة الشباب المسلم للحفاظ على الهوية. وأكد العلماء وعدد من مسئولى مشيخة الأزهر ووزارة الأوقاف أن هذه الدعوات تشويه للدين الإسلامى والشريعة وتحرض على تمزيق الأمة، فضلًا عن أغراضها فى إحداث القلق والاضطرابات التى تؤدى إلى العنف والتخريب الذى من شأنه إثارة الذعر بين المواطنين وتهديد أمن واستقرار الوطن. قال د.أحمد على عجيبة أمين عام المجلس الأعلى للشئون الإسلامية إن الهدف من هذه الدعوات هو عدم استقرار الوطن مشيدًا بدور مؤسسة الأزهر فى هذه المرحلة وتوعية أبناء الشعب المصرى بما يحاك ضده من مؤامرات منتقدًا ما وصف بمظاهرات رفع المصاحف التى روجت لها الجماعات المتطرفة مؤخرًا لإثارة المشاعر الدينية لدى الشعب المصرى بالاستخدام المغلوط للمصحف الشريف من أجل إثارة الفتنة وإشاعة الفرقة وتحقيق مكاسب سياسية على حساب كتاب الله. وأكد أن ذلك يأتى فى ضوء الدور الرائد للأزهر الشريف فى بث روح الإسلام المستنير وتوعية الناس بما ينفعهم فى دينهم ودنياهم، كما يحذرهم من أى فتنة أو أغراض خادعة يحاول البعض ترويجها. وأضاف د.مظهر شاهين عضو مجلس الشئون الإسلامية أن الدعوات للعنف تحت ستار الدين الهدف منها شأن سياسى. مشددًا على أن كتاب الله عز وجل لابد أن يكون فى قلوبنا وعقولنا محذرًا من تكرار المؤامرات بدون أية أسباب، لافتًا إلى أن هدف هذه الجماعات المتطرفة هو إحداث حالة من الفزع بالمجتمع المصرى، وشدد على أنه يجب على كل مواطن أن يؤدى دوره فالخطيب فوق منبره، والإعلامى عبر شاشته، وأن يكون الجميع يدًا واحدة للتصدى لكل هذه المكائد التى تدبر ضد الشعب المصرى، وأشار إلى أن ما ينبغى أن ننتبه إليه جميعًا هو هدف هذه الفئة الباغية بتشويه المؤسسات الوطنية والشرعية. كما أنه علينا كخطباء وأصحاب عمم صياغة المصطلحات الدينية صياغة جديدة وأن نتصدى لمخططهم فى تزييفها مثل مصطلح الخلافة وهل يعنى تقسيم الشعوب كما يدعى هؤلاء أو أن تجتمع مجموعة من الدول تحت مسمى الخلافة أو مصطلح الجهاد فما العلاقة بين الجهاد وهتك العرض تحت مسمى جهاد النكاح؟ وما العلاقة بين الجهاد وقتل الأبرياء بغير حق؟ كل تلك الجرائم التى حرمها الله عز وجل والتى ترقى بفاعلها إلى منزلة الكبائر والتى تستوجب الحد أو القصاص لمن يرتكبها. كما أكد على أهمية تطوير الخطاب الدينى بما يسمح لعقول الشباب استيعابه بفكر وثقافة مستنيرة بما لا يؤثر على الثوابت والأمور الشرعية والفقهية. الدين والسياسة وأشار د. محمد عبد رب النبى مستشار الفقه وأصوله لوزير الأوقاف بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية إلى أن إقحام الدين فى السياسة فى مثل هذه الوقت هو أمر مرفوض شرعًا ويجب على الكل أن يعود إلى رشد العقل وضمير النفس، فالإسلام من أهم مقاصده حفظ نظام العالم واستدامة صلاحه واستقامته بما يحقق التعايش السلمى بين جميع بنى الإنسان وهو ما قاله الطاهر بن عاشور وعلال الفاسى فى مقاصد الشريعة ومعنى هذا أن الأصل هو حفظ النظام والاستقرار والتعايش السلمى وخصوصًا فى مصرنا الحبيبة والدليل على ذلك قول الله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)، وأوضح أن معنى الرحمة أن يكون للناس باب من العمل والإنتاج مع طاعة الله عز وجل وحسن الخلق كذلك إذا ظهرت الفتنة ولا يعلم من حكماء رأى فعلى المسلم أن يعتزلها وأن يقبع فى بيته وإذا اعترضه أحد الفاتنين فإن استطاع أن يكون مقتولًا فلا يكن قاتلًا. وقال إن عبد الله بن خباب بن الأرت قابله بعض من فرق الحرورية (فئة من الخوارج) فقال له من أنت قال أنا بن خباب الأرت فقالوا له حدثنا بحديث سمعه أبوك من رسول الله فقال حدثنى أبى أنه صلى الله عليه وسلم قال ستكون فتنة فإن استطعت أن تكون مقتولًا فلا تكن القاتل وبعد ما سمعوا منه الحديث قتلوه وذهبوا إلى بيته فقتلوا زوجته وبقروا بطنها وهى حامل وقتلوا أولاده فقاتلهم على رضى الله عنه بقتلهم إياه. ويوضح أن معنى الحديث أن تؤثر السلامة وألا ترفع سلاحك فى وجه أخيك ولا جارك ولا أحد من وطنك فإن الأوطان لها حرمة ولا يجوز أن تسفك فيها الدماء أو أن تشق فيها الصفوف بل يعلو لواء الرحمة والسعة والسماحة والعفو فإن النبى صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة كانت رايته ألا تسفك الدماء وكان يقول «اليوم يوم الرحمة اليوم أعز الله قريش» فعلى كل مصرى اليوم أن يعمل على عزة مصر وأن ينشر الرحمة فى ربوعها وصلى الله وسلم على النبى. أعداء الوطن وقال الدكتور نادى حسن عبد الجواد الأستاذ بجامعة الأزهر إنه فى الوقت الذى تحاك فيه هذه المؤامرات على وطننا لا يكف أعداء الوطن والدين عن أساليبهم ومؤامراتهم الخبيثة بإثارة كل ما من شأنه أن يهدد الأمن والاستقرار، ويهز تماسك المجتمع تارة بنشر الإلحاد ودعم الملحدين إلحادًا موجهًا لهدم المجتمع، وتارة بدعم المارقين، واستخدام المتطاولين على الثوابت ممن ظهرت وتظهر عليهم بعضهم علامات الثراء فجأة مما يزيد من الريبة والشك. وقال الدكتور عبد المنعم فؤاد عميد كلية العلوم الإسلامية للوافدين إنه من صور الإفساد فى الأرض تلك الدعوات المغرضة التى أطلقها بعض الحاقدين بالدعوة إلى الخروج يوم 28 نوفمبر مع رفع المصاحف، ونقول لهؤلاء هذه فعلة الخوارج، فما أشبه الليلة بالبارحة، لقد صنع الخوارج هذا الصنيع، وخرجوا على سيدنا على بن أبى طالب (رضى الله عنه)، ورفعوا المصاحف، وقالوا: لا حكم إلا لله، ثم كفروه، وهو من هو ( رضى الله عنه)، وكانت فتنة عظيمة سفكت فيها الدماء ونهبت الأموال، وتحول رفع المصاحف إلى رفع السيوف وقتل الآمنين. وأشار الدكتور خالد عبد السلام مدير عام الإرشاد الدينى بوزارة الأوقاف إلى أنَّ من قواعد الشريعة التى يرفعها أصحاب الدعوات الهدامة ظلما وخداعا: حفظ الدين والنفس، ومن قواعدها أيضًا: أنَّ درء المفاسد مقدمٌ على جلب المصالح، وهذه الدعوات التى يرفعونها قد تؤدى ما لم نتنبه إليه من فتنٍ عظيمة تعصف بالبلاد والعباد من قتلٍ، وتدميرٍ، وتخريبٍ، وزعزعة لأمن الفرد والمجتمع. وذكر الدكتور عبد الفتاح عبد الغنى عميد كلية أصول الدين بالقاهرة أن الشريعة الإسلامية تدعو إلى تعظيم شأن المصحف، وصيانته عن كلِّ ما لا يليق به، فكيف بالمصحف الشريف حين يحدث الهرج والمرج، أو يحدث احتكاك بين هؤلاء والمعارضين لهم، أليس من المحتمل، بل من المؤكد أن تسقط بعض المصاحف من أيديهم على الأرض، وربما تُهان بالأقدام، ولا حول ولا قوة إلا بالله! سبحانك اللهم هذا بهتان عظيم إثمه وإفكه على من دعا إليه أو يشارك فيه. خونة ومأجورون وقال وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف إن ديننا الحنيف يدعو إلى عبادة الله، وعمارة الكون، وتزكية النفس، وفقًا لقول الحق سبحانه وتعالى: «هُو أَنْشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا» (هود:61)، وعمارة الكون من عبادة الله تعالى، ومن ثم فإن الإفساد فى الأرض خروج على مقتضيات هذه العمارة، وقد نهى الله تعالى عنه فقال سبحانه:»وَلَا تُفْسِدُوا فِى الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا» (الأعراف 56)، وصور الإفساد فى الأرض متعددة: منها الإفساد بالقول، والإفساد بالفعل، ويدفع إلى ذلك أمران: أولهما: الفكر المنحرف، وثانيهما: المؤامرات التى تحاك على بلادنا من الداخل والخارج والتى كانت ولا زالت تهدف إلى إسقاط الدولة والنيل من استقرارها، وأن الدعوة إلى رفع المصاحف وراءها خونة مأجورون. وقال د. على جمعة المفتى السابق وعضو هيئة كبار العلماء إنه بين الحين والآخر يخرج علينا من يحاول النيل من قواتنا المسلحة تارة، ويهدد استقرار بلادنا تارة أخرى، ويشكك فى ثوابتنا ثالثة، ففى الوقت الذى تبذل فيه قواتنا المسلحة جهوداً جبارة فى حفظ أمن الوطن واستقراره، وتذود عن وطنها ودينها وأمتها، واستطاعت أن تحبط محاولات أعداء الوطن وعملائهم، واستطاعت أن تفرض سيطرتها بإخلاء الشريط الحدودى بسيناء، لتمنع تهريب الأسلحة ودخول الإرهابيين إليها، جاء هذا الحادث البحرى الأليم فى محاولة سافرة للاعتداء على قواتنا البحرية؛ ليؤكد على عمق وقوة المؤامرة التى تتعرض لها مصر؛ لأن هذا الحادث لا يمكن أن يكون جهد أفراد أو جهد جماعات منفردة، إنما هو نتاج مؤامرات كبرى، وجهات خارجية موّلت وسلّحت ودرّبت الإرهابيين. وكانت مشيخة الأزهر الشريف قد أصدرت بيانا حذرت فيه من دعوة «رفع المصاحف»، مؤكدة أنها فتن يتولَّى نشرها أناسٌ تخصَّصوا فى الاتِّجار بالدِّين، وتفنَّنوا فى تمزيق الأمَّة شِيَعًا وأحزابًا باسم الشريعة المظلومة، أو الإسلام الذى شوَّهوه. مؤكدة أن هذه الدعوة ليست إلا إحياءً لفتنةٍ كانت أوَّلَ وأقوى فتنةٍ قصَمت ظَهرَ أمَّةِ الإسلام ومَزَّقتها، وما زالت آثارُها حتى اليوم؛ وهى ليست إلا اتِّجارًا بالدِّين وإمعانًا فى خِداع المسلمين باسم الشريعة.