كل من وفقه الله لهذه الرحلة المقدسة يجب أن يستعد لها استعدادًا ماديًّا ومعنويًّا وروحانيًّا؛ لأنه ربما لا يُوفق لها ثانية لذا وجب عليه ألا يفوت الفرصة لاغتنامها وأدائها على الوجه الأكمل مقتديًا فيها بالمصطفى ?، مبتعدًا فيها عن الرفس والفسوق، متخذًا زاده التقوى وركوبته التواضع وكلامه الصدق ومعاملته الحب والرحمة، وأن يؤدى ما عليه من حقوق العباد وحقوق رب العباد.فحول ذلك كان هذا التحقيق:- فتوجهنا إلى د ياسر مرزوق أستاذ الحديث جامعة الأزهر ليدلى لنا بدلوه فى هذا فقال:- إن الاستعداد للحج يكون بالتوبة النصوح، وتجديد النية والإخلاص لله رب العالمين، فكلُّ ذنبٍ أو مظلمةٍ هى غريمٌ حاضرٌ متعلقٌ بتلابيب قاصد الحج، ينادى عليه ويقول: إلى أين تتوجه ؟ أتقصد بيتَ ملك الملوك وأنت مضيعٌ أمرَه فى منزلك هذا ومستهينٌ به ومهملٌ له ؟ أَوَلا تستحى أن تقدم عليه قدوم العبد العاصى فيردك ولا يقبلك؟. فإن كنت راغبًا فى قبول زيارتك فنفذ أوامر الله عز وجل، ورُدَّ المظالِمَ، وتُبْ إليه أولاً من جميع المعاصى، واقطع عَلاقة قلبك عن الالتفات إلى ما وراءك؛ لتكون متوجهًا إليه بوجه قلبك، كما أنك متوجه إلى بيته بوجه ظاهرك. فإن لم تفعل ذلك لم يكن لك من سفرك أولاً إلا النصبُ والشقاءُ، وآخراً إلا الطردُ والرد . ومن ذا الذى يرضى لنفسه بهذا الخسران ؟! والحرص على آداب الرفقة والسفر، من بذل المعروف والإحسان، والكف عن الإساءة، وحسن الصحبة، وترك الرفث والفسوق والجدال، ويجب التواضع للرفقاء، وخدمة الزملاء، وحمل الضعفاء، والتغافل عن الزلات والهفوات، والحرص على سلامة القلب واللسان، فقد قيل: أفضلُ الحجاج: أخلصهم نيةً، وأزكاهم نفقةً، وأحسنهم يقيناً. واذكروا أنكم فى سفركم هذا كالمجاهدين فى سبيل الله، فقد قال رسول الله ?: (وفد الله ثلاثة: الغازى، والحاج والمعتمر). وما ينبغى لوفد الله تعالى إلا الكمال فى كل المحاسن، فحسِّنوا أخلاقكم، واصبروا على ما تلقون من المشقات والشدائد، وما تواجهون من المصاعب، واحتسبوا عند الله ذلك كله، والله يتولى أمركم وهو يتولى الصالحين. ويجب أن نتخلص من أهواء الدنيا، ومن الطبائع الأرضية فى نفوسنا، لنتعلق بأسباب السماء، فقد كان ? يقول فى إحرامه: (اللهم حجةً لا رياءَ فيها ولا سُمْعَة)، ويقول أيضاً: (لبيك حجاً حقاً، تعبداً ورقاً) ويكرر ذلك؛ لنتعلم منه ? كيف نخلص أنفسنا من الرياء والسمعة. والرياءُ آفةُ العبادة، وهو الذى يبعدها عن الدرجات العالية فى الروحانية، وهو فى ذاته الشركُ الخفىُّ، ولذا قال ?: (من صلى يرائى فقد أشرك، ومن صام يرائى فقد أشرك، ومن تصدق يرائى فقد أشرك). كذلك من حج يرائى فقد أشرك. وينبغى أن يتذكر الحاج أن الحياة الرُّوحية تعلمه كيف يترك مظاهرَ الزينة وما اختُصَّت به الحياةُ الأرضيةُ، وذلك لأنه فى حال تجرد رُوحى؛ فلا يصح أن يُشغَل عنه بمظاهر مادية؛ ولأن حياة الرُّوح توجب المساواة؛ إذ الجميع سواء أمام عظمة الخالق، ولا فضل لعربى على أعجمى، ولا لقوى على ضعيف، ولا لغنى على فقير. وقال الشيخ أحمد على محمد إمام مسجد الصحابة بالمقطم فقال:- ترتيب الحج فى آخر حديث رسول الله ? عن أركان الإسلام الذى نصه:- (بُنِى الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)، هذا الترتيب لم يأت اعتباطًا إنما لحكمة. فلو نظرنا إلى بداية الحديث ألا وهى الشهادة لعرفنا كيف تكون صفات الحاج قبل الحج، فالشهادة إقرار باللسان والقلب بالإيمان بالله، ويقين الإنسان الإيمانى مطلوب ربطه بركن الحج، فالحج طواف بالبيت وهو مبنى من حجر، وتقبيل لحجر والوقوف على حجر وجمع حجر ورجم حجر بحجر، فإن لم يؤمن بالله يصبح هناك شك فى أداء فريضة الحج والمطلوب فيها اليقين والتسليم. وتأتى الصلاة ثانيًا فالحاج لابد أن يبتعد عن الفواحش ماظهر منها وما بطن؛ لذلك كانت الصلاة لكونها تنهى عن الفحشاء والمنكر مصداقًا لقوله تعالى:- {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} "العنكبوت 45"، وقول رسول الله ?:- (من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له)، وأن يتوب إلى الله عما ارتكب من فواحش ومنكرات فى حق العباد وحق رب العباد. وثالثًا يأتى ركن الزكاة الذى هو إنفاق من مال وزرع من حلال؛ أن الله طيب لايقبل إلا طيبًا، وكذلك الذاهب إلى الحج جهاد بالنفس، فلا بد أن يكون خالصًا لله، وبالمال فلا بد من تحرى الحلال فى النفقة والزاد والهدى الذى سيذبحه تقربًا لله. ويأتى الصوم فى الترتيب الرابع وما فيه من تحصيل التقوى والبعد عن قول الزور وتعلم الصبر، وكل هذه الأخلاق لابد أن يتخلق بها الحاج، لأن الله عز وجل يقول:- {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَال َفِى الْحَجِّ} "البقرة 197"، وهذا مرتبط بركن الصيام لقول رسول الله ?:- (إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يفسق ولا يصخب)، كذلك فى الحج فالله عز وجل أمر الحاج بالتزود بالتقوى فى الحج فقال تعالى:- {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} البقرة "197"، فالصيام من أجل الفرائض التى تزيد التقوى، فالتقوى هى الثمرة التى يتحصل عليها المسلم. وأتى الحج خامسًا وأخيرًا ليكتمل أركان الإسلام كلها، فإذا أتم الحاج الأركان الأربعة خالصًا مخلصًا لله فقد حقق شروط الحج قبل أن يحج. رزقنا الله وإياكم أداء هذه الفريضة لتكون زادًا لنا فى الدنيا ومغفرة لذنوبنا وثمرة لنا فى الآخرة بدخولنا الجنة.