ضيف عزيز كريم يأتى إليك مرة واحدة فى العام ويحمل معه جوائز لا نظير لها.. ويرفض الحصول على أى مقابل مادى إلا عطاء غير مجذوذ بل حزمة واحدة حتى لا تفقد أسمى جائزة وهى رضاء الله والعتق من النار والفوز بالجنة.. وهو فرصة لزم علينا أن نغتنمها ونحرص على عدم مرورها مرور الكرام لما يزهو به شهر رمضان من فضائل تميزه عن بقية الشهور.. فمن استعد ودرَّب نفسه وأحسن الاستعداد فقد طوَّع نفسه على سرعة الطاعة فى أفضل صورها.. ويشمل رمضان كافة مبادئ وعبادات الإسلام من صبر وجهاد وقراءة قرآن وصيام وذكر لله وصدقات.. وفيه ليلة خير من ألف شهر يتسابق إليها المؤمنين فى العشر الأواخر منه.. فمن صادفها فقد فاز بخير لا مثيل له ورفعت درجاته فى عليين كما قال رسولنا الخاتم (( صلى الله عليه وسلم ) ): «من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه». ونتساءل لماذا لا يقبل الضيف فروض الطاعة إلا حزمة واحدة دون تجزأ؟ لأن الصلاة تلازم الصيام مع ضرورة قراءة القرآن.. ولا يرفع صيام البطن وحده إلا مع تزامن صيام اللسان وعف الجوارح عن المحرّمات وبمصاحبة إخلاص النية لله تعالى وصدقها.. ولذلك قال المولى تعالى فى حديثه القدسى: إلا الصيام فإنه لى وأنا أجزى به».. وعند التأمل فى عبادة الصيام نجدها جامعة لفرائض الإسلام وتدفع بالمؤمن إلى العبادة الحقة الخالصة حتى يكون فى معيِّة مع الله متفردة صافية من شوائب الحقد والضغينة والفاحشة لتصل إلى الفوز باستغفار الملائكة للصائمين حتى يفطروا.. ولكى تغتنم فرصة الوقوف حول عرش الرحمن على منابر من نور كما قال النبى (( صلى الله عليه وسلم ) ): «ينصب حول العرش منابر من نور عليها أناس وجوههم نور ولباسهم نور وليسوا بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء.. قيل: من هم يا رسول الله؟ قال: المتحابون فى الله». *** فهل يعقل لأى شخص مسلم بعد علمه بتلك الفضائل ألا يسارع فى استقبال الضيف الكريم ويستمر فى غفلته وغبائه فى ارتكاب المعاصى والذنوب وفى خصام وعداء مع الآخرين ممن حوله؟.. فثماره لا تعد ولا تحصى من حسنات ورحمات وغفران ونفحات وعطاءات لا يعلمها إلا الله ويخصها لعباده المخلصين الصابرين ويمنحها لهم فى الدنيا والآخرة؟.. وشهر رمضان يهيأ العبد ويرسِّخ فيه أن كل شىء فى حياته من أعمال دنيوية وسكنات وعبادات وحيه.. لابد أن تتجه إلى الله.. فهيا نستقبله بعزيمة صادقة وتوبة خالصة من جميع الذنوب السالفة، ونعد بيت الأسرة وأفرادها من أبناء وزوجة ونزرع الإحساس والشعور فيهم بالطاعة والإيمان والاستغفار والتوجه بالدعاء كما كان يفعل سلفنا الصالح «اللهم سلمنى إلى رمضان وسلم لى رمضان» أو «بلغنى رمضان».. ونتذكر أفعال وسُنّة النبى والصحابة والصالحين فى كيفية استقبال رمضان. ونستحضر هنا ابن عمر بن الخطاب رضى الله عنهما أنه كان لا يفطر فى رمضان إلا مع المساكين وكثير البكاء عند قراءة القرآن الكريم.. أما عثمان بن عفان فكان يختم القرآن مرة كل يوم.. وكان الصحابة يدعون الله قبل رمضان بعدة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه بعده لمدة زمنية كبيرة أن يتقبله منهم.. وكان الصحابة عند الإفطار لا يكثرون من الطعام ويملؤون البطون ويتسابقون فيما بينهم لإفطار الصائمين عملا بحديث الرسول (( صلى الله عليه وسلم ) ): «من أفطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينتقص من أجره شىء. ورمضان فرصة ذهبية لخروجنا من طاعة إلى طاعة ومن عبادة إلى عبادة، فمن عبادة الصلاة إلى التفكر فى خلق الله ومن القول الحسن إلى التصدق على الفقراء وإطعامهم ومن قراءة القرآن إلى تطبيق أوامره وتعاليمه. ?? وفى الختام يسعى المؤمن الحق إلى صيام خواص الخواص كما قال سلفنا الصالح، فصيام العوام هو الإمساك عن الأكل والشراب والجِماع، أما صيام الخواص فيزيد عن سابقه صوم اللسان عن بذاءات القول وصوم العين عن الفحشاء وصوم بقية الجوارح عن المحرَّمات.. ولكن صيام خواص الخواص فيزيد فى صيام القلب عن غير ذكر الله وعن رذائل الأخلاق التى تسكن القلوب والنفوس كالضغائن والأحقاد، وقال رسولنا (( صلى الله عليه وسلم ) ): «ما عمل ابن آدم عملا أنجى له من عذاب الله من ذكر الله».