امتداد جماعة الإخوان المسلمين فى أوروبا جعل منها جزءا فى تركيبة الوجود الإسلامى المعاصر فى القارة البيضاء وقد بدأ التغلغل الإخوانى فيها منذ خمسينيات القرن العشرين، حيث كانت القارة منذ هذا التاريخ وجهة بعض الإخوان الفارين من القمع فى بلادهم العربية ولجأوا إلى أوروبا بغرض العمل أو الدراسة وفيما بعد توسع هذا الوجود وأخذ أبعادا أكثر تنظيما، هذا ما كشفت عنه دراسة جديدة أنجزها الباحث سمير آمغار المتخصص فى شئون الحركات الإسلامية وصدرت الدراسة عن مكتبة الإسكندرية فى سلسلة "مراصد". وحسب الدراسة ينقسم التنظيم الدولى للإخوان إلى ثلاثة تيارات تعبر عن الفكر الإخواني؛ المستقلون الذين لا ينتمون بأي شكل من الأشكال إلى الجماعة وتنظيمها الدولي، وإنما يتحركون كفاعلين مستقلين وأبرز الأمثلة على هذا طارق رمضان الداعية السويسري الشهير وابن سعيد رمضان أحد مؤسسي التنظيم الدولي، ثم هناك المعارضون وهم الشخصيات والتنظيمات التي قررت الخروج عن الاتجاه السائد في التنظيم الدولي أو أنها تعارض طريقة عمله وتوزيع السلطة بداخله. وهناك أخيرًا الأعضاء العاملون داخل التنظيم الدولي والمرتبطون بالجماعة الأم بمصر غير أنهم يلتزمون بالمبادئ العامة للجماعة ويحتفظون باستقلاليتهم في تطبيق الفكر الإخواني، وعلى رأس هذه التنظيمات يأتي "اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا" ومقره بروكسل، وهو الممثل الرئيسى للإخوان المسلمين في أوروبا، ويتحدث سمير آمغار عن حوالى خمسمائة مؤسسة في 28 بلدًا أوروبيًّا تتبع هذه المنظمة التي يديرها حاليا السويدي شكيب بن مخلوف. وتنقسم المنظمات الإسلامية في أوروبا إلى نوعين؛ جماعات دعوية أو تربوية مختلفة في درجة علاقتها بالإخوان، أو كيانات أكثر تخصصًا مكملة للدعوة الإخوانية مثل جمعيات الشباب والطلاب والمنتدى الأووربي للنساء المسلمات وجمعية الإغاثة الإسلامية ولجنة إغاثة ودعم فلسطين، وجمعية ابن سينا الطبي، وهناك سيطرة مصرية ومغاربية على هذه الجمعيات وغيرها التي تجتذب البرجوازيات المتعلمة والمهاجرة وتتقاسم مع نظيراتها المفهوم المتشدد والمسيس للإسلام والتخصصات العلمية الدقيقة وغيات التعليم الدين الأكاديمي، كما تجتذب هذه الجمعيات أبناء المهاجرين إلى أوروبا الذين يجدون فيها تعبيرًا جديدًا عن علاقتهم بالدين وأسلوبًا جديدًا في الاعتقاد والتعبير عن الانتماء للإسلام ويشكل هؤلاء القاعدة الاجتماعية للتنظيم، فيما يظل هذا التنظيم الهلامي بعيدًا عن أبناء الضواحي المهمشين الذين يجتذبهم الفكر السلفي وربما الجهادي. وبفعل النشأة التاريخية، كانت أوروبا نقطة لنشاط الجماعة التي تستهدف الإصلاح السياسي داخل بلادها الأم، كما قامت بنقد الإمبريالية والسياسات الغربية، واستهدفت أيضًا إعادة أسلمة الوجود الإسلامي في أوروبا وحمايته من الاندثار داخل الثقافة الغربية، ومع ذلك لم تلق التوجهات الإسلاموية أي المسيِسة للإسلام ترحيبًا داخل الجاليات الإسلامية في أوروبا، وهو ما خلق نزاعًا بين اتجاه يرى القيادات الراغبة في نفس التوجه التقليدي للجماعة والتيار الراغب في توجيه النشاط نحو الواقع الأوروبي بدلا من السعي وراء السلطة في البلدان الأصلية، وهو التوجه الذي انتصر في التسعينيات بقرار الجماعة الأم باختصاص كل فرع وطني بالعمل داخل البلد الأصلي الذي يتواجد فيه، ومنذ ذلك الوقت أصبحت مهمة المنظمات الإسلامية في أوروبا متمثلة في تمثيل والدفاع عن حقوق مسلمي أوروبا الذين قرروا التخلي عن فكرة العودة إلى بلدانهم، وقد ركز هذا الإسلام النضالي المنبثق عن الإسلام السياسي على العمل الاجتماعي والسياسي في البلدان المضيفة كسبيل لتمثيل المسلمين والدفاع عن حقوقهم، وهو الاتجاه الذي لاقى ترحيبًا داخل المسلمين من الجيل المولود في أوروبا. ورغم النجاح الذي حققته الجماعة في أوروبا، غير أنها مرت في الآونة الأخيرة بأزمتين يحددهما آمغار بالأزمة الأيديولوجية التي تتمثل في تآكل أيديولوجية اليوتوبيا الإسلامية التي تقدم إجابات كبرى ونهائية حول كل القضايا ويعبر عنها في البلدان الإسلامية بالإسلام هو الحل، حيث أثبتت التطورات عجز الحل الديني عن التعامل مع كثير من القضايا، ومع تأزم الأوضاع في البلدان الأصلية، وجدت المنظمات الإسلامية في أوروبا في حالة نضوب أيدلوجي وفكري حيث لم تحدث أي تجديدات فكرية منذ عقدين من الزمان، وقد فقد الإخوان زخم الأيديولوجيا وتفككت أيديولوجيتهم عند احتكاكها وتعمقها في الواقع الأوروبي، وقد ترتب على هذا انخراطهم في ألاعيب السياسة وأحابيلها، مما أدى إلى فقدانهم المصداقية عند الشباب الأوروبي، ولا أدل على هذا موقف اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا المتخاذل من اضطرابات الضواحي الفرنسية في 2005. ويصف آمغار الأزمة الثانية باعتبارها أزمة النضالية، وتتمثل في وجود انقسامات وأزمات نتيجة طابع المنظمات الإسلامية الإخواني المرتبط بالسرية والثقل البيروقراطي والهيمنة المغاربية عليه، حيث يسعى التجديديون داخل هذه المنظمات إلى تخليصها من هذه الهيمنة الإخوانية والمغاربية، وهو ما أدى إلى تكوين جماعات أخرى منقطعة في ثقافتها وتنظيمها مع هذه المنظمات، وهو ما يعني التناقض في العمل النضالي المجتمعي المعبر عن الوجود الإسلامي في أوروبا. ويضاف إلى هاتين الأزمتين أزمة مالية، حيث راح ممولو التنظيمات مثل رابطة العالم الإسلامي وجماعات التبليغ والدعوة في التدقيق ومراعاة الحرص، وهو ما أدى للتضييق على عملها. ويحاول الإخوان المسلمون رغم هذه الأزمات الظهور بمظهر النشطاء الدينيين الفاعلين على الساحة السياسية الأوروبية، رغم تراجع المرجعية الإسلامية التي يتحدثون عنها باعتبارها المتحدث الوحيد باسم الإسلام في أوروبا.