بينما تتواصل المباحثات لنزع فتيل التوتر بين روسيا من جانب وأوكرانيا والغرب من جانب آخر، إثر ضم الأولى للقرم، قرر ممثلو سكان شبه الجزيرة من التتار المسلمين عدم الانتظار لحين تسوية الأزمة بين الجانبين وأعطوا أصواتهم لإقامة منطقة حكم ذاتى لهم، مؤيدين ما جاء على لسان رئيس المجلس الأعلى لتتار القرم رفعت تشوباروف بأنه: «تأتى لحظة فى حياة كل شعب يتعين فيها اتخاذ قرارات تحدد مستقبله». ويشكل التتار المسلمون البالغ عددهم نحو 300 ألف نسمة أقل من 15% من سكان شبه جزيرة القرم البالغ عددهم مليونى نسمة، وهم يعارضون ضم روسيا للقرم مما دفعهم لمقاطعة الاستفتاء الذى جرى فى 16 مارس الماضى بشأن انفصال شبه الجزيرة عن أوكرانيا لتصبح جزءا من روسيا، بل طالب تشوباروف الأممالمتحدة بإرسال قوات لحفظ السلام إلى الإقليم محذرا من تهديدات قد تشهدها المنطقة بعد سيطرة القوات الروسية على شبه جزيرة القرم. وفى اجتماع عقد فى باختشيساراى، العاصمة التاريخية لتتار القرم، صوَّت المجلس الأعلى الخاص بهم لصالح البدء فى إجراءات سياسية وقانونية تهدف إلى إقامة حكم ذاتى عرقى وإقليمى لشعب تتار القرم على أراضيه التاريخية فى شبه جزيرة القرم، إلا أن القرار لم يوضح كيفية الوصول إلى هذا الحكم الذاتى، ولا إذا كانوا يريدون أن يكون كيانهم هذا فى إطار أوكرانيا أو روسيا. ويؤكد مراقبون أن رفض التتار للحكم الروسى تعود جذوره إلى نهاية القرن الثامن عشر حيث كان التتار يشكلون الأكثرية السكانية فى شبه جزيرة القرم عندما احتلتها روسيا القيصرية وشنت عليهم حرب إبادة تم خلالها تدمير وإحراق مساجدهم ومدارسهم ومدنهم ومصادرة أملاكهم وقتل منهم أكثر من 350 ألفا، وتم دفعهم إلى الهجرة حيث نزح إلى تركيا المجاورة فى ذلك الوقت أكثر من مليون تترى (ينحدر وزير خارجية تركيا الحالى داوود أوغلو من أصول تتارية) واستمر عددهم فى التناقص حتى وصل عام 1941 إلى قرابة 900 ألف من أصل 9 ملايين كانوا فى شبه جزيرة القرم قبل بداية غزو القياصرة. وبعد الحرب العالمية الثانية استكمل الديكتاتور السوفيتى جوزيف ستالين ما بدأه القياصرة ذلك أن التتار أبدوا تعاطفا فى بداية الحرب مع ألمانيا النازية ليس حبا فى النازية ولا فى هتلر ولكن كرها فى الكرملين وستالين وأملا فى أن ينتصر الألمان ويرفعوا عنهم كابوس الاضطهاد الروسى الذى يعانون منه ولكن بعد هزيمة ألمانيا انتقم ستالين منهم شر انتقام حيث تعرضوا لعمليات تهجير قسرى إلى عدد من دول آسيا الوسطى، وتردد أن نصفهم ماتوا فى طريقهم إلى المنفى، حيث تم نقلهم فى قطارات الماشية والبضائع. ولم يسمح لمن تبقى منهم بالعودة إلى القرم حتى أواخر ثمانينات القرن الماضى حيث استعادوا بعض حقوقهم وأملاكهم ولذلك فهم يتعاطفون مع أوكرانيا ولا يثقون فى روسيا. وقد برز دور تتار القرم فى الاحتجاجات الأخيرة التى شهدتها أوكرانيا ضد يانوكوفيتش إذ كانوا يرفضون تقارب البلاد مع روسيا. وبعد ضم القرم لروسيا، عرضت سلطات القرم الجديدة على التتار ما يصل إلى نسبة 20% من المناصب ذات المسئولية فى الجمهورية وجعل لغتهم ضمن اللغات الرسمية لشبه الجزيرة والمزيد من التمويل للمشروعات الثقافية والتعليمية. وفى إشارة إلى حرص موسكو على التقارب مع تتار القرم، حضر اجتماع المجلس الأعلى للتتار مسئولان كبيران من المسلمين الروس لديهما علاقات قوية مع الكرملين وهما رافيل غنى الدين رئيس مجلس مفتيى روسيا ورستم مينيخانوف رئيس جمهورية تتارستان التى تتمتع بحكم ذاتى ضمن روسيا الاتحادية وتسكنها أغلبية مسلمة. وأكد مينيخانوف أمام رئيس وأعضاء مجلس شعب تتار القرم أن جمهوريته تولى اهتماما كبيرا لتعزيز العلاقات والتعاون مع الشعب التترى فى القرم. كما تعهد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين بإعادة الحقوق لتتار القرم باعتبارهم السكان الأصليين لشبه الجزيرة. أما أوكرانيا من جانبها فكان البرلمان الأوكرانى الجديد والذى جاء بعد الإطاحة بالرئيس الأوكرانى فيكتور يانوكوفيتش تبنى قرارا يعتبر تتار القرم هم السكان الأصليون لشبه جزيرة القرم على أن تعمل أوكرانيا بموجبه على تحريرهم وتنميتهم فى المجالات العرقية والثقافية واللغوية بوصفهم مواطنين أوكرانيين. وهكذا تتسابق الأطراف المعنية من أجل التودد لتتار القرم والتقارب معهم، وعليهم أن يتخذوا قرارهم بقبول الانضمام إلى روسيا الاتحادية أو العودة إلى أوكرانيا هربا من ماضيهم الأليم مع الروس.