أوركسترا القاهرة السيمفونى واحد من أعرق «أوركسترات» منطقة الشرق الأوسط، وكانت هذه الفرقة هى أوركسترا الإذاعة المصرية، ثم انتقلت إلى دار الأوبرا الخديوية باسم أوركسترا القاهرة السيمفونى فى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إبان فترة تولى د. ثروت عكاشة مهام وزارة الثقافة. وتقول الناقدة الموسيقية د. رانيا يحيى إنه رغم ما بذله د.عكاشة خلال الستينيات وما وصلنا إليه من ريادة حقيقية فى المنطقة فى الفن والأدب والثقافة إلا أننا نشهد تراجعاً مذهلاً فى كل المجالات خلال الأعوام الماضية وهو ما يؤكد غياب الرؤية وانعدام المسئولية تجاه هذا الوطن.. فبالثقافة والفن نتصدى لكل ما يحوطنا من عقبات..وفى ظل هذا الغياب والتغييب نجد بعض الأشعة الساطعة التى تومض بين الحين والآخر داخل هيئة دار الأوبرا من خلال بعض الفنانين المتميزين الذين يحملون رسالة الفن كأمانة فى أعناقهم فمثلاً نجد نجاحاً مدوياً لأوركسترا القاهرة السيمفونى على غير عادته فى السنوات الأخيرة حيث يشهد تراجعاً ملحوظاً فى مستواه الفنى وينتج عنه انخفاض القبول الجماهيرى وتصل لصورة محزنة.. لكننا نرى للأسبوع الثانى على التوالى يحقق المايسترو المصرى الزائر نادر عباسى المعادلة الصعبة حيث المستوى الفنى المتميز والإقبال الجماهيرى الشديد.. فقد استطاع خلال حفلين متعاقبين أن يرتقى بالمستوى الفنى للأوركسترا الذى أخفق فى كثير من الحفلات ولم يلق نجاحاً كما عهدناه على مدار عقوده السالفة.. ولكن عباسى بكل ما يحمله من خبرات وكفاءات فى القيادة وأيضاً لاحتكاكه الكبير بالعالم الغربى كعازف ماهر ومؤلف موسيقى له لون مميز وكذلك كمغنى أوبرا استطاع أن يضيف الكثير من الإسهامات الفنية فى تاريخ هذا الأوركسترا العريق. وكان حفل هذا الأسبوع أكثر من رائع سواء فى اختيار برنامج الحفل الذى شمل على العديد من موسيقات الأفلام الأجنبية الشهيرة التى كتبت فى القرن العشرين لكنها تلق إعجابًا منقطع النظير مثل شبح الأوبرا لاندريو لولد سيبر وقصة الحى الغربى وكانديد للمؤلف المبدع ليوناردو برنشتين وسيدتى الجميلة لفريدريك لويس وآى تى لجون ويليامز وغيرها من الأعمال المحببة للجماهير بالإضافة للعديد من الأغنيات العالقة بالأذهان داخل هذه الأفلام.. وأدى الغناء الصولو مغنية الأوبرا المتألقة دائماً أميرة سليم والتى تمتلك قدرات غنائية متميزة تسحر قلوب الجماهير وتجذب الأنظار فى أى حفل تؤديه برقتها وتمكنها من مساحة صوتها التى تستغلها بذكاء وتلقائية على خشبة المسرح، أيضاً زميل الفصل الواحد الباريتون إلهامى أمين بأدائه القوى وصوته الصادح الذى يصلح لغناء العديد من الأدوار المحببة وما يلقاه من قبول جماهيرى كبير لتميزه الحقيقى فى الأداء.. ولا يمكن أن ننكر دور الجماهير فى المشاركة فى أغنية واحد لمارفن هامليش وبقيادة المايسترو المتمكن بأدواته، حيث قاد الجمهور بجانب السوليستات والأوركسترا وجعل المتلقين فى حالة من النشوة والسعادة فى عالم فنى يفيض بتهذيب الروح وتنقيتها من كل الملوثات السمعية والبصرية التى نمر بها.