بدأت الأغنية الوطنية من خلال سيد درويش الذى غنى ولحن أحلى الأغانى الوطنية التى مازالت خالدة حتى الآن مثل «قوم يا مصرى» و«بلادى بلادى»، وواكبت الأغنية الوطنية الأحداث الكبرى فى مصر منذ ثورة 1919، مرورا بثورة 23 يوليو والتى شهدت ذروة الاهتمام بهذه الأغنية، وتواصلت مع أحداث نكسة 1967، ثم مع انتصار أكتوبر 1973. ولم تقف الأغنية الوطنية عند حد التأريخ للثورات أو الحروب التى خاضتها مصر فقط، بل أيضا واكبت الأحداث الكبرى مثل تأميم قناة السويس وبناء السد العالى وغيرهما. وظلت هذه الأغانى تعيش فى وجداننا حتى الآن حيث كان الابتكار فى الكلمة واللحن المبدع وفى الأداء بإحساس صادق. وأصبحت الأغنية الوطنية تعيش أزمة حقيقية، ولم يعد لها وجود حقيقى على الساحة وأحجم كثير من المطربين والشعراء والملحنين عن تقديم مثل هذه النوعية من الأغانى، ورغم الظروف الحرجة التى تمر بها مصر منذ ثورة 25 يناير، لم نر أغنية وطنية تعبر بصدق عن هذه الثورة وتتفاعل معها الجماهير، رغم نجاح أغنية «تسلم الأيادى» فى التعبير عن ثورة 30 يونيو التى أطاحت بحكم جماعة الإخوان الإرهابية. ومن هنا جاءت أهمية مبادرة تبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون مشروع الغناء الوطنى، بهدف تقديم إنتاج غنائى راق وجيل من الأصوات والشعراء والملحنين يستلهمون روح ثورة يناير. لقد كان صناع الأغنية يتبارون فى تقديم الأغانى الوطنية دون مقابل إبان حرب أكتوبر، بل إن المطربة العظيمة شادية قامت بإنتاج «ياحبيبتى يا مصر» على نفقتها الخاصة. وكل الخوف أن تتحول هذه المبادرة الى «سبوبة» لبعض صناع هذه الأغانى مثل أوبريتات الاحتفال بنصر أكتوبر التى كانت تتكلف الآلاف ثم تعرض مرة واحدة أمام كبار المسئولين ولم يكن لها صدى حقيقى عند الجماهير وبالتالى لم يكتب لها الخلود، فكل ما آمله أن يكون صناع الأغانى الجديدة فى نفس وطنية صناع الأغنية قديما. «بلادى بلادى.. لك حبى وفؤادى» لم يكن الزعيم مصطفى كامل يعلم أن تلك الكلمات التى ألقاها فى خطاب على المصريين عام 1907، سيقتبسها الشاعر محمد يونس القاضى ليؤلف نشيد «بلادى.. بلادى» ويلحنه الموسيقار سيد درويش، فيأتى عام 1971 موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ليعيد توزيعه، ويكون النشيد الوطنى لجمهورية مصر العربية منذ عام 1980 وحتى الآن. ويُعتبر الموسيقار الراحل سيد درويش (1892/1923) رائد الأغنية الوطنية فى العصر الحديث،حيث لحن درويش نشيد «بلادى بلادى لك حبى وفؤادى» و«قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك» و«أنا المصرى كريم العنصرين» فكان درويش صوتاً يشدو لتحقيق مطالب ثورة 1919 مع الزعيم سعد زغلول. برحيل درويش عن عالمنا وفشل الثورة فى تحقيق مطلبها الأساسى ألا وهو رحيل الإنجليز عن مصر تراجعت الأغنية الوطنية لأكثر من عقد من الزمن. مع انتفاضة الطلبة التى نادت برحيل الإنجليز وإسقاط وزارة إسماعيل صدقى باشا فى عهد الملك فؤاد الأول عام 1935 وإبرام معاهدة 1936 مع الإنجليز، عادت الأغنية الوطنية للساحة مرة أخرى، حيث قدم الموسيقار محمد عبد الوهاب أغنية «حب الوطن فرض على أفديه بروحى وعينيه» فى نفس العام. ولكن سرعان ما اختفت الأغنية الوطنية مرة أخرى بسبب اندلاع الحرب العالمية الثانية 1939/1945 إلى أن تأتى نكبة فلسطين عام 1948 فيشدو موسيقار الأجيال بقصيدة للشاعر على محمود طه التى يندد فيها باحتلال فلسطين. بالرغم من أن عام 1951 قد مُنعت فيه أغنية وطنية للموسيقارمحمد عبد الوهاب «كنت فى صمتك مرغم» إلا أن العام الذى تلاه قامت ثورة يوليو 1952 وأُذيعت هذه الأغنية، كما قدم عبد الوهاب أغنية «وأنا رايح الميدان» لتكون الثورة بداية طوفان وعصرًا ذهبيًا للأغنية الوطنية، حيث قدم قنديل بعد قيام الثورة بيومين فقط أغنية «ع الدوار.. راديو بلدنا فيه أخبار»، وأهدت كوكب الشرق أم كلثوم أغنية «مصر التى فى خاطرى» للمصريين، كما ظهر العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ والذى عُرف بمطرب الثورة وقدم ما يقرب من 48 أغنية وطنية منها صورة بالأحضان، أحلف بسماها وبترابها، أهلاً بالمعارك، وادى احنا بنينا السد العالى. مع شن العدوان الثلاثى على مصر 1956 قدمت أم كلثوم أغنية «والله زمان يا سلاحى»، والتى اعتمدت نشيداً وطنياً لمصر حتى نهاية السبعينيات من القرن العشرين إلى أن تم استبدلها بنشيد «بلادى بلادى» كما قدمت المطربة فايدة كامل أغنية «دع سمائى» توضح فيها العدوان على «بورسعيد» و«ياريتنى من بور سعيد» لكارم محمود. 1958 أعلنت مصر وسوريا الجمهورية العربية المتحدة مما أدى إلى ظهور الأغانى الوطنية المرحبة بحلم القومية العربية فقدم عبد الوهاب «يا إلهى انتصرنا بقدرتك» وضع حجر أساس السد العالى وظهر أوبريت «الوطن الأكبر» للموسيقار محمد عبد الوهاب والذى شارك فيه عدد كبير من المطربين والمطربات. نكسة يونيو 1967 كانت هناك أغنيات عبرت عنها محاولة تجاوزها لتحقيق النصر مثل: (عدى النهار) لحليم، و«أصبح الآن عندى بندقية» و«إنا فدائيون» لأم كلثوم، ولا يستطيع أحد أن ينكر أثر الأغانى الوطنية الساخرة للشيخ إمام ورفيقه الشاعر أحمد فؤاد نجم والذى يعد أول سجين بسبب الغناء مثل أغنية «صباح الخير على الورد اللى فتح فى جناين مصر» و«شرفت يا نكسون بابا». وقدمت شادية عدداً من الأغانى الوطنية منها أغنية «يا حبيبتى يا مصر» عام 1970 وأغنية أخرى عن مذبحة مدرسة «بحر البقر» بالشرقية.