ال «سيكو دراما» أو «سينما الأمراض النفسية»، هى الأفلام التى تعبر عن مرض نفسى معين، يُصاب به أحد أبطال الفيلم، وتتشابك حوله وتنسج عليه الأحداث، فهل عبرت، السينما المصرية عن الأمراض النفسية والمصابين بها بشكل سليم؟ أم إن الدراما تنسى وتتناسى الجانب العلمى، والأعراض المرضية الصحيحة من أجل خدمة السياق الدرامى وقصة الفيلم؟ البداية كانت منذ الخمسينيات، مع فيلم «المنزل رقم 13» لفاتن حمامة وعماد حمدى ومحمود المليجى، والذى كان -وقتها- نموذجا غير عادى لأفلام الجريمة التى أبدعها كمال الشيخ فى السينما المصرية، حيث يبدأ بجريمة يرتكبها عماد حمدى بدون وعى، وإن كان يتذكرها كما لو كانت حلمًا او كابوسًا، إلا أنه يجد على قميصه بقعة دم، كما يجد مفتاحًا غريبًا فى جيبه، نعلم فيما بعد أنه مفتاح الشقة التى ارتكب بها الجريمة، ومع تقدم الأحداث نعلم أن المجرم الحقيقى هو الطبيب النفسى محمود المليجى الذى يعالجه، وقد ساقه لارتكاب الجريمة تحت تأثير التنويم المغناطيسى؛ ليحصل هو وعشيقته على التأمين الذى رصدته الضحية قبل موته.. واستوحى المخرج الراحل كمال الشيخ فكرة الفيلم من خبر قرأه فى إحدى الجرائد عن طبيب نفسانى فى الخارج استعان بالتنويم المغناطيسى للسيطرة على شخص، وتوجيهه إلى إطلاق مسدس (فارغ) على شخص آخر، ولجأ الشيخ إلى المؤلف على الزرقانى لكتابة سيناريو الفيلم الذى جاء على صورة تخالف الفيلم المصرى التقليدى الشائع وقتها، بابتعاده عن الرقص والأغنية والأحداث الرومانسية أو الميلودراما... ومن هنا زاد إقبال الجمهور على الفيلم بعد أن تيقنوا من أن فكرة الفيلم واقعية تماماً ولا تستند إلى الخيال المبالغ فيه، ثم ظهرت من بعده أفلام أخرى اعتمدت فى «التيمة» على مرض نفسى، والمصاب به –أى المرض النفسى- يقع فى مأزق، غالباً ما يكون هو عقدة الفيلم التى ينتظر المشاهد حلها بفارغ الصبر طوال الأحداث، مثل فيلمى «أين عقلى» و «بئر الحرمان» لسعاد حسنى فى السبعينيات. والمشاهد لفيلم «آسف ع الإزعاج» لنجم الكوميديا أحمد حلمى سيجد قائمة من أسماء الأطباء النفسيين على تتر النهاية للفيلم، ويوثق بها القائمون على الفيلم اعتماد قصته وفكرته على مراعاة للجانب العلمى فى الأحداث، حتى لا يكون الفيلم مجرد عمل فنى قادم من عالم الفانتازيا والخيال، إلا أن مريض الفصام أو «الشيزوفرينيا» -وهو المرض الذى كان مصاباً به أحمد حلمى بطل الفيلم. ويقول الدكتور هانى السبكى أستاذ الأمراض النفسية أن المريض بالشيزوفرنيا يتعرض لهلاوس سمعية وبصرية غير حقيقية، ولا يهتم بملابسه وأناقته على الإطلاق، مثلما كان حلمى فى كامل أناقته واهتمامه بنفسه طوال الأحداث، كما أنه لا يدخل فى علاقات عاطفية ولو من باب الخيال كما حدث فى الفيلم، بالإضافة إلى أنه لا يبدو متماسكاً على الإطلاق، بينما كان حلمى فى الفيلم متماسكاً فى العديد من المشاهد، رغم أنه كان غير موفق بالفعل فى عمله وحياته الأسرية، إلا أن مدى التفكك فى الواقع يكون أشد ألماً وصعوبة بكثير. ويؤكد السبكى أن هذه الأخطاء العلمية هى الطابع الأساسى لمعظم الأفلام التى تتناول المرضى النفسيين ، ومنها أيضاً فيلم «ميكانو» ، والذى يعانى بطله «تيم الحسن» من فقدان الذاكرة كل عدة أشهر نتيجة إجراء عملية جراحية لإزالة ورم فى المخ، وهى «تيمة» تستند إلى ظاهرة علمية معروفة تعرف ب «فقدان الذاكرة القصيرة» «Short term memory lost» حيث يتعرض المصاب بهذا المرض الغريب والنادر، إلى حادث معين او اصطدام حاد يؤدى إلى تلف فى الفص الأمامى للمخ، وهو الجزء الذى يوجد به أكبر عدد من الخلايا العصبية المسئولة عن الذاكرة، مما يؤدى إلى ثبات الذاكرة القديمة بالنسبة للمصاب، بينما ينسى الأحداث الجديدة كل 10 ثوانٍ كحد أدنى، وثلث ساعة كحد أقصى، بينما يفقدها تيم كل عدة أشهر وهو ما يخالف الواقع، وهى نفس الفكرة التى اعتمد عليها مؤلف فيلم «فاصل ونعود» للنجم الشاب كريم عبدالعزيز. أما فيلم «التوربينى» المأخوذ عن فيلم «رجل المطر»، فلم يهتم كاتبه السيناريست محمد حفظى بعمل الدراسة اللازمة حول المصاب بمرض التوحد، إذ إن الفيلم الأصلى به كافة التفاصيل، بينما غفل المؤلف عن أن المصاب بالتوحد.