ورد القرض الحسن فى القرآن الكريم فى كثير من السور والآيات وهى المائدة والحديد والتغابن والبقرة والمزمل. والقرض فى القرآن الكريم هو دائماً حسن، وهو يختلف عن القرض فى القانون كما رأينا فى بعض الجوانب. بل إن القرآن الكريم قد جعل تقديم القرض الحسن أحد صفات المؤمنين والمصدقين. ولكن القرآن الكريم تحدث عن القرض الحسن فى البقرة (الآية 245)، وفى الحديد (الآية 11)، على سبيل الإعلان أو العرض وتضمن العرض أن القرض الحسن يضاعف، وتقرر فى صورة التغابن (الآية 17)، أن القرض الحسن يقابله المضاعفة والمغفرة. فالقرض الحسن جاء فى القرآن الكريم على ثلاثة أوجه، الوجه الأول، أنه من صفات المؤمنين، والوجه الثانى، أنه عرض لعموم الناس، والوجه الثالث أنه التزام على المؤمن كما فى سورة المزمل (الآية 20) (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً). ومن الواضح من آيات الذكر الحكيم أن القرض الحسن يختلف عن الزكاة كما يختلف عن الصدقات لأن التكليف فى (الآية 20) من المزمل جاء مفصلاً إقامة الصلاة وإيتاء الزكاه والقرض الحسن، وقد يكون القرض الحسن له صلة بالصدقة لأن (الآية 18) من سورة الحديد تخاطب الذين يتصدقون من الرجال والنساء على السواء. ومعنى ذلك أن القرض الحسن له وضعية خاصة عن الزكاة والصدقات رغم أن الارتباط بين الثلاثة هو ابتغاء وجه الله. ولكن الزكاة فرض على المال كما أنها فرض على الصيام، وتختلف عن الكفارات المالية لأنها مقابل عدم الالتزام بفرض من فروض الله أى أنها غرامة أو عقوبة بالمفهوم المعاصر. فالزكاة تم النص عليها صراحة فى القرآن الكريم وهى مخارج ثمانية وهى مرتبطة بالمال ومحددة بنسب معينة، كما أن الصدقة تم النص عليها أيضاً وأحياناً جاء النص على الصدقة من باب الإلزام الواضح هى والزكاة لقوله تعالى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم وأولياء أمور المسلمين (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ). وفى قوله تعالى (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)). ومعنى ذلك أن القرض الحسن له وضعية خاصة عن الذكاه والصدقات رغم أن الارتباط بين الثلاثة هو ابتغاء وجه الله. ولكن الزكاه فرض على المال كما أنها فرض على الصيام، وتختلف عن الكفارات المالية لأنها مقابل عدم الالتزام بفرض من فروض الله أى أنها غرامة أو عقوبة بالمفهوم المعاصر. فالزكاه تم النص عليها صراحة فى القرآن الكريم وهى مخارج ثمانية وهى مرتبطة بالمال ومحددة بنسب معينة، كما أن الصدقة تم النص عليها أيضاً وأحياناً جاء النص على الصدقة من باب الالزام الواضح هى والزكاة لقوله تعالى مخاطبا الرسول صلى الله عليه وسلم وأولياء أمور المسلمين "خذوا من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم". وفى قوله تعالى "وفى أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم" . أما القرض فقد جاء نصاً واقترن بالحسن لأنه لايقدم إلا تعمداً وابتغاء لوجه الله وطمعاً فى الجائزة المقترنة بالعرض، وهو يقرض الله سبحانه والله غنى عن العالمين. فالقرض الحسن له اثنتا عشرة خصيصة تميزه عن القرض القانونى: الخاصية الأولى: أنه عقد غير مكتوب ، بينما القرض القانونى لابد من كتابته. الخاصية الثانية: أن الكتابة فى العقد القانونى تقترن بضمانات السداد والوفاء بالقرض وفوائده ولكن القرض القرآنى يكفى فى ضمانه أن الخالق هو الطرف الآخر فى العقد. الخاصية الثالثة: أن المقرض فى القرض القانونى هو الأقوى وهو الذى يتشدد فى شروط السداد وضمانات الوفاء، ولكن المقرض فى القرض القرآنى هو الذى يسعى لإبرام هذا القرض ويرجو أن يكون مؤهلاً للتعاقد مع الله، لأن المقرض فى القرض القرآنى هو المؤمن الذى آمن بالله ووعده. الخاصية الرابعة: أن المقرض لا علاقة له بالمقترض فى العقد القانونى، ولكن فى العقد القرآنى العلاقة وثيقة وسابقة على العقد بين المقرض والمقترض. الخاصية الخامسة: أن العقد فى القرض القانونى يكون محله المال، أما القرض القرآنى فهو أشمل فى المحل. الخاصية السادسة: أن عقد القرض القانونى له تاريخ وفاء وعقوبة على المخالف أو المتخلف، ولكن عقد القرض القرآنى ليس له موعد للوفاء، فقد يكون الوفاء فى الدنيا وقد يكون فى الآخره، ولذلك تنقطع الصلة بين طرفى عقد القرض القانونى بينما تبدأ الصلة بين المقرض والخالق بهذا القرض. الخاصية السابعة: أن القرض القرآنى هو اختبار لمقاومة المؤمن لغريزة الملكية الخاصة وأما القرض القانونى فهو اختبار لتنفيذ هذه الغريزة والرغبة فى الاستزاده من المال. ولذلك حفلت السنة النبوية المشرفة بالاشارات بأن البذل فى سبيل الله لا ينقص المال بل يربيه ويبارك فيه. الخاصية الثامنة: هى أن عقد القرض القانونى يخضع لقواعد العقود المالية، وأما عقد القرض الحسن فيخضع لقواعد العقوض الايمانية أى تلك التى يكون الخالق فيها هو الطرف الآخر فى العقد. الخاصية التاسعة: هى أنه فى عقد القرض القانونى تصبح حاجة المقترض إلى المال بالغة الالحاح، ولذلك يصبح المقترض عرضة للشروط القاسية، وقد تصل إلى الربا، والمهم أن يحصل على القرض، ولذلك فان المقترض هو الذى يبحث عن المقرض وهو الذى يسترضيه ويخضع لشروطه، أما عقد القرض القرآنى فإن المقترض هو الذى يختار المقرض من عباده المؤمنين، وهو الذى يشرفه بهذه المكانة، بشرط أن يجاهد نفسه التى طبعت على حب المال والتملك وهى جزء من التمسك بالدنيا، والتسامى إلى مستوى علاقة مع الخالق يقدم له ما افاض به عليه حتى يحصل على المقابل. فالمقرض فى هذه الحالة يبدأ من الصفر، فهو يتلقى العطية من الله ثم يجاهد نفسه ليقدمها لله فيحصل على العطية وعلى مقابلها. أما إن بخل واستغنى، فالله له فيه شأن آخر. وفى حديث قدسى "المال مالى والفقراء عيالى فإن قسوت على عيالى أخذت مالى ولا أبالى". ولذلك فإن الاقبال على تقديم القرض الحسن قد يكون طمعاً فى المقابل كما قد يكون خشية من ضياع المال الذى تلقاه الإنسان من خالقه. الخاصية العاشرة: أن القرض الحسن فى القرآن يجعل العلاقة بين المخلوق والخالق عامرة، وهى جزء من استحضار الله فى سلوك الإنسان، وأما فى القرض القانونى فهى معاملات مادية ترتبط بالدنيا وزينتها، على عكس توظيف هذه الدنيا للبركة فيها والاستثمار للآخرة. الخاصية الحادية عشرة: هى أن الله لا يطلب القرض لنفسه ولكن لأحد عباده المحتاجين لفضله وايمان المقرض، ولذلك يفضل أن ينفق المؤمن سراً حتى لا يأخذ المقابل ممن أقرض وانما يأخذ المقابل من المقترض الأصلى وليس من المستفيد. وقد شدد القرآن الكريم على هذه الخاصية "الذين ينفقون فى السراء والضراء" أى الذين يبتغون وجه الله دون أن يأبهوا بالمقابل من الناس، وتظل نفس المؤمن عامرة وموصولة بالعلاقة مع الله . الخاصية الثانية عشرة: هى أن القرض القانونى يسترد مع فوائده المالية وفق شروط محددة فى العقد ومتفق عليها سلفاً، أما القرض القرآنى فهو أقرب إلى الصدقة والمقترض جلت قدرته هو الذى يحدد المقابل، وهو أن يرد إليه هذا القرن أضعافا مضاعفه .وفى أية أخرى "يضاعفه لمن يشاء أضعافاً كثيرة" أى أن معدل التضاعف وطريقة الرد وتوقيتها متروكة لله سبحانه وتعالى . ولا يجب أن يفهم أن القرض الحسن فى القرآن علي انه مبلغ يعطيه شخص إلى شخص آخر دون فوائد عند حاجته إليه حاجة انسانيه أو مرضية. فالقرض الحسن لاياخذ هذا الشكل وإنما المال برمته قرضاً وفوئد يعطى للشخص الآخر مع ثقة المقرض بأن الله هو الذى يرد القرض ومضاعفاته ،وليس من حق المقرض أن يطالب المقترض أى المنتفع فى هذه الحالة، وألا صار قرضاً عادياً أى بين مقرض ومقترض من عموم الناس. ولا يكون حسناً إلا إذا أقرض المؤمن شخصاً آخر مستفيداً بنية اعطاء القرض لله والثقة فيما وعد به بشأن القرض الحسن فى القرآن الكريم. وفى الختام نؤكد أن القرض القرآنى دائماً قرض حسن لأنه مقدم من المؤمن طمعاً فى رضا الله والجائزة، أما القرض القانونى فأن أوجه الحسن فيه قاصرة ،وهى فى النهاية وجوه تجارية تخضع للمواءمة، وزيادة المال من جانب المقرض.