جاكى حوجى الكاتب الصحفى الإسرائيلى محرر الشئون العربية فى إذاعة الجيش الإسرائيلى وقبل ذلك فى صحيفة معاريف، صدر له مؤخرًا كتابه الأول الذى يحمل عنوان (ألف ليلة دوت كوم). الكتاب يلقى الضوء على المجتمع العربى والظروف التى أدت فى النهاية إلى اندلاع ما سُمى بثورات الربيع العربى، وهو مؤلف من عشرة فصول هى الإنترنت (المعارضة الجديدة) والإعلام والديمقراطية (خطوتان للأمام خطوة للخلف) والمرأة (الثورة الهادئة) وإسرائيل واليهود (اعرف عدوك) والجهاد والإرهاب (بن لادن لم يعد يسكن هنا) والشيعة (أن تشطر الذرة) والشرق والغرب (لندن لا تنتظرهم) والشرق الأوسط القديم (من الصعب أن تكون عربيًا) والدين والشريعة (قال أحد الحكماء) والجنس والزواج (الاشتياق إلى الطهارة). وفى الفصل الخاص بإسرائيل واليهود يقول حوجى فى كتابه: رغم العداء الناشئ بين الجانبين العربى والإسرائيلى عبر مائة عام من النزاع، إلا أن العرب لديهم الكثير من الفضول تجاه إسرائيل واليهود، ولا تجد صحيفة يومية إلا وبها خبر على الأقل عن إسرائيل.. أى خبر حتى إن لم تكن له علاقة بالنزاع. فعلى سبيل المثال، أحاط قراء الصحف فى الدول العربية علمًا بتورط وزير الدفاع السابق «إسحاق مردخاى» فى فضيحة التحرش الجنسى، والمحاكمة الجنائية لأرييه درعى والتحقيق مع أولمرت وشارون وأبنائه، كما أن انتخابات الكنيست كانت فى العناوين الرئيسية للصحف العربية. وهناك صحف خصصت صفحات لنشر المقالات المترجمة التى تم نشرها فى الصحافة الإسرائيلية. ويقول حوجى فى كتابه إن العرب لا ينظرون إلى اليهود جميعًا نظرة واحدة، فهم يظهرون الكثير من التسامح تجاه اليهودى الأمريكى أو الفرنسى، وذلك بخلاف اليهودى الإسرائيلى الصهيونى الذى يعد فى نظرهم ممثل السلطة التى تقمع إخوانهم. وهم فى نفس الوقت يظهرون الكثير من المودة تجاه يهود الدول العربية، حيث الطوائف اليهودية فى مصر والبحرين وتونس والعراق والمغرب ولبنان. ويضيف حوجى أنه بالرغم من هذه النظرة من قبل العرب تجاه إسرائيل، إلا أن الكثير من الكتاب والمبدعين والسياسيين رأوا أن معرفة الثقافة الإسرائيلية لا تعنى إعطاء جائزة للدولة العبرية ولكنها وسيلة للتعرف عليها وهذه مصلحة عربية. ويؤكد حوجى أن هذا الفكر ولد مبادرات فردية بصفة خاصة لدى الناشرين المصريين الذين أقدموا على إصدار إبداعات عبرية بالترجمة العربية، وبفضلهم تمكن القارئ العربى من قراءة «موتسارت لم يكن يهوديًا» لجبريئيلاه أفيجور - روتم، و«حنة وميخائيل» لعاموس عوز، و«كتاب التوازن الداخلى» لدافيد جروسمان. وقام الصحفى محمد عبود بنشر مقالاته فى (المصرى اليوم) عن المرتلين والوعاظ الإسرائيليين الذين يلقون مواعظهم وتراتيلهم أمام الجمهور على ألحان محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وأغانى أم كلثوم، كما قام البلوجر المصرى نائل الطوخى بترجمة مقابلات صحفية وإبداعات أ . ب . بهوشوع ورونى سوميك وشمعون بلاس وأهارون شبتاى وآخرين. ومن قبله بعدة سنوات قام حسين سراج (كاتب هذه السطور) نائب رئيس تحرير مجلة أكتوبر الحكومية بترجمة فصول من (الزمن الأصفر) لدافيد جروسمان وترجمة رواية «ياسمين» لإيلى عامر. أما عن عبَّد الطريق لكل هؤلاء فهو الكاتب الصحفى محمد سيد أحمد الذى قام قبل عامين من زيارة السادات التاريخية للقدس بنشر كتابه (بعد أن تسكت المدافع) والذى أعرب فيه عن تأييده لتعاون مصرى إسرائيلى.. وكان هذا موقفًا غاية فى الشجاعة فى قاهرة تلك الأيام. ويواصل حوجى ويقول: فى كثير من الأحيان، كان هؤلاء المقاتلون من أجل الثقافة يدفعون ثمنًا شخصيًا نتيجة سيرهم عكس التيار. فالكاتب والمسرحى المصرى على سالم سافر إلى إسرائيل بعد توقيع اتفاق أوسلو وعاد إلى بلاده ونشر كتابًا يوثق فيه رحلته، لكن بعد فترة قصيرة تم استبعاده من اتحاد الكتاب ومقاطعته من جانب الصحفيين الذين كانوا يستكتبونه فى صحفهم. ونفس الشىء حدث مع حسين سراج الذى سافر إلى القدس وتل أبيب كثيرًا وأجرى مقابلات مع شخصيات إسرائيلية، حيث قامت نقابة الصحفيين بوقفه عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، وكذلك الحال مع الناشر المصرى أمين المهدى، الذى أصدر كتبًا عبرية ولم يتردد فى وصف النظام المصرى السابق ب «الفاشى». وهكذا وفى الوقت الذى قامت فيه حكومات عربية بإجراء اتصالات أمنية واستخباراتية وثيقة مع إسرائيل - بعضها سرى فى غياب علاقات رسمية - قام بعض ممن يشكلون الرأى العام فى هذه البلاد بمنع أى اتصال فى مجال الأدب والصحافة والسينما والأكاديمية مع إسرائيل. وهكذا أيضًا وفى ربيع 2010 منعت الضغوطات السياسية فى القاهرة ذهاب المنتخب القومى المصرى لكرة القدم للعب مباراة ودية مع المنتخب الفلسطينى فى أحد الملاعب بالقدسالشرقية، حتى لا تطأ أقدام اللاعبين أرضًا عربية تحت السيطرة الإسرائيلية. وإسرائيل من جانبها يبدو أنها تستسهل الموافقة على غياب حوار مجتمعى ثقافى مع العرب، على تشجيع الجمهور الإسرائيلى على إبداء الاهتمام بجيرانه.