اشتهرت الملكة نفرتيتى بجمالها الهادى وملامحها التى صارت مقياسًا للجمال بين النساء والفتيات، ولكن لايزال الغموض يكتف حياتها وتمثالها الشهير الموجود بألمانيا خاصة أنها ترتدى التاج الحربى لملوك الفراعنة وهو ما يؤكد دورها العسكرى فى تاريخ مصر.. والباحث الأثرى بسام الشماع يكشف ل «أكتوبر» كثيرًا من ملامح الملكة نفرتيتى. فى البداية يقول: كانت أسئلة كثيرة تجول فى خاطر كل باحث عن الحقيقة فى علم تاريخ المصريات حول اسم «الجميلة أتت» أو «الجميلة وصلت»، لأن والدها ووالدتها غير معروفين ولم يذكرا فى النصوص القديمة بشكل مباشر كما كان يفعل المصرى القديم عادة، فأعتقد بعض العلماء أنها أتت من آسيا، ومن سوريا بالتحديد، وبالتالى يشرح التسمية المصرية «الجميلة أتت».. وتساءل العلماء «أتت» من أين؟ وهذا يؤكد أنها لم تكن فى الأصل مصرية وأتت من الخارج ولكن تبقى هذه النظرية قيد البحث والإثبات، وعلى كل الأحوال، فجمال وجهها الكمثرى الشكل لا يتطابق مع الوجه المصرى القديم، وقد لاحظنا غياب «إنسان العين الأسود» المستدير من وسط العين اليسرى للملكة فى تمثال الرأس المشهور الموجود الآن حبيس جدران صالة عرض فى متحف برلين على أمل فك أسره قريبًا. وهذا ما جعل البعض يعتقد أن الملكة الجميلة كانت قد أصيبت بمرض فى العين أو بإعاقة بصرية مما جعل الفنان لا يضع النينى الأسود المستدير، ولكن هذا الكلام غير صحيح، ولاحظ العلماء أنه لا يوجد أثر فى المنطقة الوسطى البيضاء فى العين لأى صمغ أو مادة لاصقة وهى التى كان الفنان المصرى يستعملها لإلصاق النينى الأسود فى منتصف العين، بل لا يوجد أى أثر فى المنطقة البيضاء لاستدارة ما، كأثر لوجود جسم مستدير كان موجودا لمدة طويلة، هذا إذا ما افترضنا وجودها فى الأصل، ثم وقعت وفقدت وقد بحث عنها العالم الألمانى «بروخاردت» فلم يجدها. وذكر أحد الأبحاث أن النينى الأسود المستدير «إنسان العين» لم يضع من الأصل وقد كان هذا مقصودًا من النحات المصرى العبقرى المسئول عن هذه القطعة الفريدة لأنها لم تكن قد نحتت للاستعمال الملكى أو لوضعها فى القصر أو المعبد ولكنها كانت «موديل» يعمل عليه ويحاكيه ويقلده الفنانون النحاتون العمال تحت النحات الملكى العبقرى المسمى «دجحوتى - مس» أو كما نطلق عليه الآن النحات «تحتمس» وبالتالى من الممكن أن يعلم النحاتون الصغار كيفية وضع «إنسان العين» ويدربهم على هذه العملية الفنية الدقيقة، تم اكتشاف هذا الرأس المنحوتة من الحجر الجيرى الذى تم تلوينه بألوان سوداء وبنى أحمر قانى وأخضر وأخضر فاتح فى يوم 6 ديسمبر 1912. وأوضح الشماع أن عالمة الآثار الشهيرة «جوييس تيلديسلى» اعترفت فى موسوعتها الشهيرة «ملكات مصر من أوقات عصر الأسرات المبكر إلى وفاة كليوباترا» بأن من قام باكتشاف رأس نفرتيتى وهو عامل مصرى تم تعيينه عن طريق المنقب «هكذا أطلقت عليه ولم تسمه عالم آثار فى صفحة 128 من الموسوعة» «لودويج بروخادت» الاكتشاف تم فى أطلال الاتيليه أو الاستوديو أو ورشة العمل التى كان يعمل فيها النحات العبقرى «تحتمس» مع النحاتين والفنانين الذين يعملون تحت يده، وعلينا أن نستغل هذه العبارة والحقيقة التاريخية التى أكدتها عالم الآثار «جوييس» كوثيقة مهمة ومؤكدة لأحقية مصر فى استرداد هذا الرأس. وأدعو إلى إقامة احتفال لاستردادها وعودتها لتستقبل نفرتيتى عامها المئوى فى مصر لأنها اكتشفت بأيدى مصرية فى عام 1912م. كانت رأس الملكة موجودة على رف فى ورشة العمل وبعد مدة من وفاة إخناتون وعودة عاصمة البلاد إلى طيبة وهجر تل العمارنة عاصمة إخناتون السياسية والدينية، سافر تحتمسكما فعل الجميع إلى طيبة تاركا وراءه حوالى 50 قطعة فنية من إنتاجه ومن إفرازات عبقرية النحات المصرى القديم ومع الوقت وقعت الرأس على وجهها وبقت حتى تم اكتشافها فى 1912. الغريب فى الأمر، بل ومن المذهل، أن «تحتمس» النحات لم ينظر إلى عمله «رأس نفرتيتى» على أنها قطعة فنية فريدة كما يعتقد العالم الآن، بل العكس، تركها خلفه ولم يريد حتى اصطحابها معه إلى الأقصر. وأضاف الشماع: يظهر تحت العينين بعض التجاعيد التى تنم على كبر سن الكحل الأسود كان للتجميل وتحديد العين وتجميلها، وأيضًا كان يستعمل كعلاج وقتل للجراثيم، وأيضًا لعكس بريق أشعة الشمس «مثل النظارة الشمسية الآن» وفى منظر جدارى حجرى صغير لنفرتيتى تظهر وهى تضرب أسيرة من الأعداء بمقمعة داخل مقصورة على مركب مملوكة للملكة، ومنظر ضرب الأسيرة ومسكها من شعرها منظر معتاد للملوك الذكور الحاكمين فقط فى مصر القديمة، وهذا المنظر الموجود فى متحف بوسطن وهذا الفعل والنشاط العسكرى يجعلنا نضع نفرتيتى فى مصاف حكام مصر والقادة العسكريين من النساء مثل سوبك نفرو وخنت كاوس وحاتشبسوت وتاوسرت وغيرهن مما حكمن وحدهن على العرش. وفى منظر آخر لها موجود على لوحة حجرية بمتحف برلين نجدها تجلس على كرسى أمام زوجها اخناتون، وكرسى اخناتون بدون أى زخرفة أو مناظر أو تجميل، على الجانب الآخر تجلس نفرتيتى على كرسى مزين بمنظر اتحاد القطرين الشمالى والجنوبى عن طريق إظهار علامة ال «سما - تاوى» الهيروغليفية ومعناها «اتحاد الأرضين» فعقد زهرتى اللوتس والبردى بعضهما ببعض وهما رمزا مصر العليا والدنيا. وهذا المنظر كان منحوت على جانبى كرسى العرش الحجرى فى تمثال خفرع وسنوسرت وغيرهم. إذن، لقد حكمت نفرتيتى بل شاركت فى الحكم فى أيام حياة زوجها، ولا ننسى أن اخناتون قد خلع عليها لقب «الوريثة» لو نظرنا إلى الجانب الخلفى لرأس نفرتيتى سنجد هناك قطعة قماش تتدلى من اسفل خلف الرأس مرسومة وملونة وهى نهاية طرف غطاء الرأس القماشى الذى كانت ترتديه الملكة حتى لا يصاب رأسها بأذى من جراء ارتداء هذا التاج الثقيل الذى لم ترتديه ملكة من قبلها ولا بعدها. هذا التاج كان من تصميمها على ما يبدو وهو يظهر كأنه مستنبط من تاج الحرب والمنازلات العسكرية «خبرش» الأزرق اللون. وكأن هذا التاج هو بمثابة رسالة تؤكد بها نفرتيتى إنها قائدة عسكرية ولكن بطريقة ذكية وغير مباشرة نلاحظ أيضًا أنها اضطرت لحلق شعرها فى المنطقة الخلفية الظاهرة للرأس - وربما شعر رأسها كله - وذلك لتسهيل عملية ارتداء التاج الثقيل وعدم انزلاقه من جراء الشعر، أما كونها صلعاء طبيعيا فهذا مستبعد ولكنه ليس مستحيلا وذلك لأنها لم تظهر شعرها كثيرا فى المناظر المنحوتة لها على جدران المعابد والمقابر والتماثيل وإما غطت رأسها إما بباروكة مثل الباروكة النوبية التى ترتديها فى مقبرة «رعموسا» بوادى النبلاء بالبر الغربى بالأقصر، أو بغطاء يحاكى البونية أو الإيشارب الضاغط على الشعر مثل فى تمثالها الذى يظهرها وهى كبيرة فى السن بعض الشىء فى متحف برلين، ولكن يجب أن نعلم أن ارتداء البواريك «الشعر المستعار» كان عادة تجميلية.