السينما المصرية ساهمت بشكل كبير فى الترويج لتراث اجتماعى مصرى قديم يشجع على التنابذ بالأوصاف والجمل المأثورة حول سمات وشخصية كل إقليم من أقاليم مصر، وتعبر عنه أمثال شعبية متوارثة مثل «المنوفى لا يلوفى ولو أكلته لحم كتوفى».. «ميت نورى ولا دمنهورى».. «شرقاوى كورك عبيط».. «شريطين على كمى ولا فدانين عند أمى». والتنافس فى إدانة أبناء كل إقليم للآخر عادة قديمة، وممتدة إلى عصر الفراعنة، والمصريون القدماء الذين تركوا على أوراق البردى ما يؤكد اعتزاز أبناء كل إقليم فى مصر بمسقط رأسهم وسخريتهم من أبناء الأقاليم الأخرى واستمرت هذه الصفات محفورة فى أذهان الناس إلى الآن. فالصعايدة هم دائما من تطلق عليهم النكت والقفشات التى تتمحور غالباً حول السذاجة وسهولة الضحك عليهم، رغم أن التاريخ والواقع ينفيان ذلك، فكبار المثقفين والأدباء من طه حسين إلى العقاد والطهطاوى والمنفلوطى والأبنودى وأمل دنقل كلهم من أبناء الجنوب، وكبار الرأسماليين ورجال الأعمال الناجحين معظمهم من أصول صعيدية والساسة وعدد كبير من الصحفيين وأصحاب الأقلام من مواليد محافظات الصعيد، لكن لايزال الانطباع السائد هو الصورة التى يمثلها «بلدياتنا» الذى اشترى «التروماى» وصاحب دق العصفورة على صدغه. و «الدمايطة» فى نظر كثير من أهالى المحافظات الأخرى بخلاء، رغم أن كثيرا ممن عاشوا هناك وتعاملوا مع أهل دمياط يؤكدون عكس هذا الانطباع، ويفرقون بين الحرص والاعتدال فى الإنفاق الذى يميز «الدمايطة»، باعتبارهم أنشط الناس فى مصر، وباعتبار محافظتهم هى المحافظة الوحيدة التى لا تعرف معنى كلمة «البطالة» لأن أهلها يورثون أبناءهم دائما المهن والصناعات التى برعوا فيها منذ عصور طويلة.. من الموبيليا..إلى الجبن والحلويات، ومع ذلك فلا تزال عبارة «تتعشى ولا تنام خفيف» هى المسيطرة على أذهان الكثيرين. ولأنهم يقولون إن «الشراقوة» أولاد عم الصعايدة، فهم يصفونهم هم الآخرين بالسذاجة الذين «عزموا القطر»، رغم أن هذه الواقعة لو صحت تاريخيا لكانت دليلا على الكرم والمروءة وليس العبط أو السذاجة كما يتصور البعض.. لكن يبدو أننا كمصريين نميل دائما إلى الاستسهال وترديد المقولات التى نسمعها دون مراجعة أو محاولة للفهم، وحتى يحدث ذلك سأتغاضى عن عبارة «ميَّة مالحة ووشوش كالحة» التى تقال عن الإسكندرانية، وأبحث لكم فى كتب التراث الشعبى عن أقوال الفلاحين والصعايدة عن القاهريين!.