بعض الأعمال الفنية تسخر من العامل والفلاح وتضحك على الصعايدة وتسىء إلى النوبيين وتهزأ بالبدو..وتقدم صورا مغلوطة لكل فئات المجتمع..فالصحفى والطبيب ووكيل النيابة ورجل الأعمال والصنايعي وتاجر الخضار والبقال والبواب على الشاشة لا علاقة لهم بالواقع ولا يمتون للحقيقة بصلة. والحقيقة أن هذا التسطيح الشديد للقضايا والاستسهال فى إطلاق الأحكام على الناس هو جزء من تركيبة الشعب المصرى..وأمثال من نوعية «المنوفى لا يلوفى ولو أكلته لحم كتوفى».. «ميت نورى ولا دمنهورى».. «شرقاوى كورك عبيط».. «شريطين على كمى ولا فدانين عند أمى».. أصبحت تلتصق بأبناء المحافظات «قبلى وبحرى»، وتتوارثها الأجيال كجزء من تراث ثقافى يشجع على التنابذ بالألقاب والجمل المأثورة حول صفات وسمات كل إقليم من أقاليم مصر المحروسة. وقد حظى «المنايفة» بالقسط الأوفر من الجمل والمأثورات الشعبية التى تصفهم بحب الالتصاق بالسلطة والانتماء للحكام.. ودليل الناس هو هذا العدد الكبير من الحكام والوزراء والمحافظين الذين ينتمون لأصل منوفى، ويمثلون النسبة الأكبر من أصحاب المناصب العليا ورؤساء المؤسسات الحكومية فى كل العصور. أما الصعايدة فهم دائما من تطلق عليهم النكت والقفشات التى تتمحور غالباً حول السذاجة وسهولة الضحك عليهم، رغم أن التاريخ والواقع ينفيان ذلك، فكبار المثقفين والأدباء من طه حسين إلى العقاد والطهطاوى والمنفلوطى والأبنودى وأمل دنقل كلهم من أبناء الجنوب، وكبار الرأسماليين ورجال الأعمال الناجحين معظمهم من أصول صعيدية والساسة وعدد كبير من الصحفيين وأصحاب الأقلام من مواليد محافظات الصعيد. و «الدمايطة» فى نظر كثير من أهالى المحافظات الأخرى بخلاء، رغم أن كثيرا ممن عاشوا هناك وتعاملوا مع أهل دمياط يؤكدون عكس هذا الانطباع، ويفرقون بين الحرص والاعتدال فى الإنفاق الذى يميز «الدمايطة»، باعتبارهم أنشط الناس فى مصر، وباعتبار محافظتهم هى المحافظة الوحيدة التى لا تعرف معنى كلمة «البطالة» لأن أهلها يورثون أبناءهم دائما المهن والصناعات التى برعوا فيها منذ عصور طويلة.. من الموبيليا..إلى الجبن والحلويات. ولأنهم يقولون إن «الشراقوة» أولاد عم الصعايدة، فهم يصفونهم هم الآخرين بالسذاجة لانهم «عزموا القطر»، رغم أن هذه الواقعة لو صحت تاريخيا لكانت دليلا على الكرم والمروءة وليس العبط أو السذاجة كما يتصور البعض.. لكن يبدو أننا كمصريين نميل دائما إلى الاستسهال وترديد المقولات التى نسمعها دون مراجعة أو محاولة للفهم.