«إسرائيل ولدت فى رحم الحرب ولا يمكن أن تعيش بغير الحرب لأن السلام يقتلها».. هذا ما كشف عنه كتاب جديد صدر بعنوان «أكاذيب عن السلام» للكاتبة اليهودية الإسرائيلية «تنيا رينهارت» والتى أشارت فى كتابها إلى بعض الأكاذيب الإسرائيلية التى اعتاد زعماء إسرائيل على اختلاف توجهاتهم السياسية وانتماءاتهم الأيديولوجية الصهيونية أن يبثوها وتتمحور حول سعيهم صوب تحقيق السلام بينهم وبين الجانب العربى.. فى حين يصورون الجانب العربى أنه يرفض اليد الممدودة للسلام على غير الحقيقة.. فى محاولة من الجانب الإسرائيلى للقفز فوق الحقائق واستخدامهم الآلة الإعلامية الإسرائيلية للترويج لهذه الأكاذيب. ويشير الكتاب إلى خلق مفاهيم كاذبة توحى بأن القيادة الإسرائيلية تعتزم التفاوض على الانسحاب، بينما كانت أحاديث قيادتها مثل رئيسى وزرائها السابقين «إيهود باراك» و«بنيامين نتنياهو» تشيد بالمستعمرين الإسرائيليين لجولان بسوريا وتغدق العطاء على المستوطنين فى الضفة الغربية لترسيخ الاحتلال. وتكشف فى كتابها كيف استخدمت تلك القيادة - باراك ونتنياهو - حيلا لغوية للإيحاء بسعيها للسلام.. فى الوقت الذى تبدى فيه تعنتا شديدا فى المفاوضات مع الفلسطينيين والسوريين وصل إلى حد الامتناع عن التقدم بأى مقترحات. الكتاب الذى قامت جامعة القاهرة بترجمته من اللغة العبرية إلى العربية من خلال مركز اللغات الأجنبية والترجمة أزاح الستار عن المغالطات وأساليب المراوغة التى يستخدمها الإسرائيليون لعدم تحقيق السلام والإضرار بالحقوق العربية. مؤلفة الكتاب «تنيا رينهارت» هى ناشطة سياسية وأستاذة جامعية بجامعة تل أبيب قادت حملة دولية ضخمة عام 2002 تحث فيها على مقاطعة الجامعات الإسرائيلية التى التزمت الصمت إزاء الممارسات الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى حتى استجابت لها بعض الجامعات البريطانية والفرنسية.. وخلال إحدى موجات العدوان الإسرائيلى على غزة كتبت تقول: «جيش الدفاع جائع للحروب.. فمن أجل ماذا تقاتلون»؟.. وكانت بداية مواقفها الفكرية تجاه القضية الفلسطينية عقب التوقيع على اتفاقيات أوسلو لأنها رأت مع أقلية من الإسرائيليين أنها إجحاف بحق الفلسطينيين.. وعندما انتهك «شارون» ساحة المسجد الأقصى ومعه 1000 شرطى كتبت تقول: «إن مسئولية المذبحة التى وقعت لا يتحملها «شارون» وحده.. بل آخرون بمن فيهم أعضاء معسكر السلام لأنهم يعلمون أن ذلك سيشعل النار فى الأراضى المحتلة». أما مترجم الكتاب فهو د. أشرف الشرقاوى - فى إطار مشروع جامعة القاهرة للترجمة الذى أطلقه مركز اللغات الأجنبية والترجمة بالجامعة - بإشراف د. محمد عثمان الخشت مدير المركز. يعتبر الكتاب الذى نعرضه فى السطور التالية إضافة مهمة للدراسات التى تتناول الشخصية الإسرائيلية، كما يقول د. الخشت التى تسهم فى فهم المجتمع الإسرائيلى والعقلية اليهودية وتحليل مكوناتها وتركيبتها. يركز كتاب «أكاذيب عن السلام» على عصر ما بعد انتفاضة أوسلو بعد أن أصبح واضحا- كما تقول الكاتبة- أن هناك آلية لحجب المعلومات فى المجتمع الإسرائيلى لفهم ما يجرى فى الواقع ويمتد هذا الحجب إلى وسائل الإعلام الغربية. ويعتمد الكتاب فى الأساس على الوقائع التى جرت بعد أن قرر «باراك» والمنظومة العسكرية إلغاء اتفاقيات أوسلو فيما يكشف الكتاب عن بعض الأكاذيب السياسية الإسرائيلية التى تعاون فيها رئيسا الوزراء الإسرائيليان «باراك» و «نتنياهو» بشأن سعى إسرائيل لتحقيق السلام، بينما كانت أحاديث تلك القيادة الإشادة بالمستعمرين الإسرائيليين (!!). ويكشف الكتاب- الذى ضم 10 فصول- مدى الزيف فيما تدعيه إسرائيل عن التعنت السورى فى مفاوضات السلام، حيث يشير الكتاب من خلال المواد المنشورة إلى أن الجانب السورى كان الأسبق فى تقديم لفتات تعبر عن نيتهم وسعيهم لتحقيق السلام وحقن الدماء.. فى الوقت الذى كانت فيه إسرائيل فى كل جولة مفاوضات تغالى وتطالب بمزيد من التنازلات من المفاوض السورى.. بل امتنعت عن تقديم أى تنازلات. ولا يختلف الأمر بالنسبة للجانب الفلسطينى فيما يسوقه الإسرائيليون من أكاذيب نحو السلام مع الفلسطينيين، حيث تؤكد الكاتبة أنه بمجرد أن يتوصل الجانبان إلى اتفاق أو تفاهم إلا وينقده الإسرائيليون وينبذوه بارتكابهم أفعالا تتناقض والسعى نحو السلام مما يشعل مشاعر الغضب لدى الشعب الفلسطينى من قتل للأطفال وانتهاك المقدسات وقيام المستوطنات الجديدة، فضلا عن سياسات الحصار والتجويع والطرد والاعتداء على المدنيين وغير ذلك، ثم يعاود الجانب الإسرائيلى الكرة فيطالب بمفاوضات جديدة وتنازلات جديدة دون التقدم خطوة واحدة نحو السلام.. وهكذا كما تؤكد الكاتبة فإذا اعترض الفلسطينيون أو تحفظوا على المطالب الإسرائيلية أشاع الإسرائيليون أن الفلسطينيين «متعنتون» ويسعون إلى الحرب وإراقة الدماء ونشر الإرهاب على غير الحقيقة! ويكشف الكتاب أن اتفاقية أوسلو لم يرد فيها أى موضع كلمة انسحاب وهو ما يدل على أن إسرائيل لم يكن فى نيتها على الإطلاق الانسحاب من المناطق الفلسطينية لمواصلة وجودهم محاصرين الضفة الغربية وقطاع غزة.. ولجأت إلى استخدام مصطلح إعادة الانتشار خارج التجمعات السكانية.. والتى لا يمكن وصفها بأنها انسحاب.. .. وتساءلت الكاتبة كيف قبلت القيادة الفلسطينية بذلك؟! ولكنها أكدت أن الإسرائيليين أقنعوا الفلسطينيين بحساسية الشعب الإسرائيلى تجاه كلمة «انسحاب» إلا أن الفلسطينيين تعلموا الآن أن كلمة انسحاب ليست كلمة خارجة!! ويشير الكتاب إلى أن المفاوض الإسرائيلى اعتاد على تعبيرات وألفاظ يستطيع بسهولة الالتفاف من حولها وتحميلها من المعانى والمغالطات ما يضر بعملية السلام وبالحقوق العربية وهو أمر يستوجب أن يستعين المفاوض العربى بخبراء متخصصين فى فهم العقلية الصهيونية وتحليل مكوناتها وتركيبتها وأساليبها فى المراوغة. كما تناول الكتاب بعض الحقائق التى تشير إلى انسياق الجانب العربى إلى ما يصفوه بالضمانات الأمريكية.. وإلى قدرة الإسرائيليين على التلاعب بالقادة الأمريكيين وكيف يمكن أن تكون ضماناتهم بدون قيمة.. وبالتالى فإن الحديث عن الضمانات الأمريكية لعملية السلام يعد ضربا من الخيال.. فالحكومات الأمريكية على مدى تعاقبها ترضخ للوبى اليهودى الذى يمارس ضغطا شديدا على هذه الحكومات، فضلا عن أن هذه الحكومات الأمريكية تعتبر إسرائيل رصيدا استراتيجيا لها فى منطقة الشرق الأوسط. وتلفت الكاتبة إلى ضرورة أن يكون الالتزام الذى يمكن أن يحصل عليه الجانب العربى هو التزام إسرائيلى يضمنه المجتمع الدولى. وتؤكد محررة الكتاب أن ما يجب أن يدركه الجانب العربى أنه لا اختلاف بين الاتجاهات اليمنية أو اليسارية أو حتى التوافقية الإسرائيلية فيما يتعلق بالحرب والسلام على اعتبار أن هذا الأمر يمثل خطا أحمر لا يمكن لأى اتجاه سياسى إسرائيلى تجاوزه ويشكل هذا الخط الأحمر موروثا عن الصهيونيين الأوائل الذين أفصحوا عن أن فلسطين لا يمكن أن تتسع لكلا الشعبين وأن الأمر يتطلب إخلاء الشعب الفلسطينى وتوطين الجماعات اليهودية من شتى بقاع العالم! وتوضح محررة الكتاب أن مسمى «جيش الدفاع الإسرائيلى» على رأس هذه الأكاذيب التاريخية فلم يكن هذا الجيش فى موقف المدافع من تشكيله عام 1948.. بل كان السياق دوما نحو دق طبول الحرب مع الآخر ويأتى هذا بالتوازى مع دعوة الحكومات الإسرائيلية المتتالية لعسكرة المجتمع كله حتى بات مجتمع حرب لا يمكن أن يعيش بغير الحرب. وتشير الكاتبة إلى ما جاء على ألسنة زعماء إسرائيل فى هذا الشأن.. «شارون» رئيس الوزراء الأسبق قال إن إسرائيل ولدت فى رحم الحرب ولا يمكن لها أن تعيش بغير الحرب لأن السلام يقتلها. ومقولة أخرى للمفكر الصهيونى «زئيف جابوتنسكى» وهو واحد من أشد زعماء الصهيونية تشددا وجنوحا نحو العنف والإرهاب بشتى صوره، «إن الصهيونية ما هى إلا استيطان فهى تحيا وتموت مع قضية القوة المسلحة». وأشارت إلى مقولة أخرى للأديب الإسرائيلى «أ.ب يهوشواع» وهو أحد كبار أدباء العبرية المعاصرين «إن اليهود يصبحون أكثر حيوية ونشاطا عندما يشعرون أنهم موجودون فى صراع.. ويقال لهم: إننا نكرههم حينئذ سرعان ما تزدهر الروح اليهودية».. كما يقول معلقا على صراع اليهود مع الآخر: «إننا نشعر فى قرارة أنفسنا بالخوف من السلام، لأن تاريخنا استند على نموذج الصراع بيننا وبين الآخر ثم يواصل حديثه فيصف المجتمع الإسرائيلى كله قائلا: «إن الحرب هى التى تخلق روح التماسك والتلاحم داخل المجتمع الإسرائيلى وهى التى تذيب التناقضات الداخلية وبسببها يتم تجاوز كل الخلافات السياسية والدينية والاجتماعية. وتتساءل الكاتبة: هل هذا الموروث الدموى يقود المنطقة إلى السلام؟.. وتؤكد أن هذا يعكس الأسباب الكامنة فى جنوح إسرائيل دوما نحو الحرب. وتوضح الكاتبة شيئا آخر مهما فى حرب لبنان الثانية بين إسرائيل وحزب الله وهو أن إسرائيل عند انسحابها من لبنان عام 2000 كانت تريد أن توحى للعالم بأنها الطرف الساعى للسلام بما قد يتيح لها الفرصة للعودة إلى لبنان فى وقت لاحق بشروط أفضل! وتطرح محررة الكتاب عدة أسئلة ملحة وهى تعرض لأكاذيب السلام الإسرائيلية، منها هل من يقتل الأطفال يبتغى سلاما؟.. وهل من يعتدى على الجنوب اللبنانى بين الحين والآخر يريد سلاما؟.. وهل من يدمر المفاعل العراقى ينتوى سلاما؟.. وهل من يستبيح الأرض والعرض والطفولة الفلسطينية يسعى صوب السلام؟.. وهل من يطلق على الأراضى التى احتلت عام 1967 «أرض محررة» وليست أراضى محتلة يريد السلام؟.. وحين ينتفض شعب- فى صورة الانتفاضة الأولى والثانية- رافضا سياسات القمع والمصادرة والظلم والعنصرية فيطلق الإسرائيليون عليهم «أعمال شغب» أو «عصيانا مدنيا» فهل يعد هذا سعيا للسلام؟