لم ينكر المركز المصرى للدراسات الاقتصادية أن الاضطرابات السياسية التى يشهدها الشارع المصرى خلال الشهور الأخيرة كان لها تأثير سلبى للغاية على معدلات النمو الاقتصادى، وأن تباطؤ الأداء الاقتصادى فى أوروبا الشريك التجارى الرئيسى لمصر عزّز من تداعيات هذه الاضطرابات على الاقتصاد. وتوقع تقرير «بارومتر الأعمال»، الذى يغطى نتائج مسح يقوم على عينة قدرها 474 شركة، لتقييم النمو الاقتصادى خلال النصف الأول من العام 2013، الصادر مؤخرا عن المركز المصرى للدراسات الاقتصادية، أن معدلات نمو الاقتصاد لن تشهد تحسنا ملحوظا مادامت بقيت حالة الاضطراب السياسى، وأن اتخاذ المزيد من السياسات الاقتصادية الجادة لن يترتب عليه تحسن ملحوظ ما دام الاضطراب سائدا فى الشارع. وكشف التقرير، الذى حررته د.أمنية حلمى، المدير التنفيذى للمركز، وبمشاركة الباحثين طارق الغمرى ونادين عبدالرؤوف ومحمد المسيرى، أن الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى سجل نموا مقداره 2.2% خلال الربع الثالث من العام المالى الماضى، وأنه خلال ذات الفترة كان الاستهلاك وصافى الصادرات هما الأكبر من حيث المساهمة فى النمو، فيما اتسم نمو الاستثمار بالبطء بصفة رئيسية. وعكست إجابات الشركات تدهور مناخ الأعمال خلال النصف الثانى من 2013 وعدم تيقنها بشأن النصف الثانى، وأن العوامل التى غذت هذا الاتجاه الهبوطى تتمثل فى الاضطرابات السياسية وضعف الطلب المحلى والتباطؤ العالمى، فضلا عن ارتفاع أسعار المدخلات وانخفاض الاستثمارات وتدنى الإنتاج والمبيعات المحلية. وأفادت 50% من الشركات بتراجع معدلات النمو خلال الفترة مقارنة بالنصف الأول 2012، وإن كانت الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر تشاؤما فى رؤيتها للأداء المنتظر فى النصف الثانى من 2013، مقارنة بالشركات الكبيرة، وكذا الخاصة مقارنة بالعامة، وأن 21% طالبوا الحكومة باعادة الاستقرار، و13% اتفقوا على ضرورة زيادة دعم الإنتاج، فيما شدد 11% على خفض الضرائب. ولفت التقرير إلى أن الاستهلاك الحقيقى ارتفع بنسبة 10.3% مقارنة بالربع المقابل من العام 2011 / 2012، وأنه يتضح من بيانات هذه الفترة من العام الماضى تراجع كل من الصادرات والواردات على حد سواء. وتذهب غالبية الشركات إلى إمكانية ارتفاع الضرائب خلال النصف الثانى من العام الحالى، وانخفاض سعر صرف الجنيه بشكل أكبر وارتفاع الفائدة فى ضوء محاولات الحد من الدولرة، وأنه لا مجال لتحقيق تحسن ملموس فى سياسات دعم الإنتاج والتجارة والائتمان والتشغيل. لكن صافى الصادرات قد ارتفع بنسبة 5.7% نظرا لتراجع الواردات بنسبة أكبر من المبيعات الدولية، لكن الاستثمار الحقيقى تراجع بنسبة 6.1% بينما ظلت نسبتا الادخار والاستثمار من الناتج المحلى ثابتتين عند 6.1 و14.8%، وهما أقل من المستوى اللازم لتحقيق نمو أسرع. وأشارت د. أمنية حلمى إلى أنه على الرغم من تراجع أداء القطاع السياحى، فإنه اعتلى قائمة أكبر القطاعات مساهمة فى النمو الاقتصادى ثم جاءت قطاعات التشييد والبناء والقطاع العقارى، حيث شكلت هذه القطاعات معا 1.6% من معدل النمو البالغ 2.2%. وترتبط توقعات النمو بشكل قوى بالتطورات على الصعيد السياسى، وأنه من شأن تحقيق قدر أكبر من الاستقرار السياسى زيادة التدفقات الرأسمالية الوافدة والتجارة والسياحة، وبالتالى دعم قدرة الاقتصاد على النمو بمعدلات تدور حول 3% خلال العام الحالى. وذهبت غالبية الشركات فى إجاباتها أسئلة الاستبيان إلى أن أهم المعوقات التى واجهتهم خلال الفترة عدم الاستقرار السياسى والمخاوف الأمنية وعدم استقرار السياسات الاقتصادية وعدم كفاية الطلب وتدهور مناخ الاستثمار ككل وصعوبة التعامل مع الأجهزة الحكومية. وكشف بارومتر الأعمال أن معدل البطالة ارتفع فى يونيو 2013 إلى 13.3% مقابل 13% فى ديسمبر 2012، نتيجة للتباطؤ الاقتصادى وتراجع العديد من الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة مثل التشييد والبناء والصناعة التحويلية، وأن 77% من المتعطلين تتراوح أعمارهم بين 15 – 29 سنة، وأن معدلات البطالة بين الشباب فى هذه الفئة العمرية بلغت 28.2%. والكارثة فى أن 90% من المتعطلين يحملون شهادات جامعية، فيما بلغ معدل البطالة بين غير المتعلمين نحو 7.9%، وأن تباطؤ النمو الاقتصادى أفشل خطة الدولة لخلق 700 ألف فرصة عمل خلال العام الماضى، وأن استمرار هذا التباطؤ يعزّز من التوقعات بارتفاع البطالة خلال الفترة القادمة. وأرجع معاودة معدلات التضخم الارتفاع مع بداية 2013، إلى الارتفاع الحاد فى أسعار المواد الغذائية بسبب أزمة توزيع وقود الديزل، فضلا عن تراجع قيمة الجنيه بأكثر من 13% منذ ديسمبر 2012، مما ترتب عليه زيادة تكلفة السلع خاصة المستوردة منها. وعلى الرغم من احتواء التضخم عند مستويات معتدلة نسبيا خلال 2012، فإنه عاود الارتفاع فى أوائل 2013، وسجل 10.3% نهاية يوليو 2013 مقابل 4.7% ديسمبر 2012، وأن التوقعات تذهب إلى أن التضخم سوف يمثل خطرا متزايدا. وذكر التقرير أنه لأجل الحد من التضخم، خاصة مع تراجع الجنيه قام البنك المركزى برفع سعرى الإيداع والإقراض بمقدار 50 نقطة أساس إلى 9.75% و10.75% فى 21 مارس الماضى، وكذلك رفع سعر الخصم بمقدار 75 نقطة أساس إلى 10.25%. لكن البنوك التجارية قامت مؤخرا، بخفض أسعار الفائدة على أذون الخزانة 1% فى يوليو الماضى، وذلك لتنشيط الاقتصاد المحلى، وبعدها قام البنك المركزى بخفض سعرى الفائدة على الودائع والقروض لليلة واحدة إلى 9.25% و10.25%، وخفض سعر الخصم إلى 9.75%. ووفقا للمركز المصرى للدراسات الاقتصادية، انخفض العجز فى ميزان المدفوعات من 11.2 مليار دولار خلال الشهور التسعة الأولى من العام 2011/2012 يمثل نحو 5.7% من الناتج الإجمالى ليصل إلى 2.1 مليار دولار خلال الفترة المناظرة فى العام 2012/2013 ليمثل 1.1% من الناتج المحلي. وقالت د. حلمى إن انخفاض عجز ميزان المدفوعات جاء مقترنا بفائض قيمته 4.3 مليار دولار فى الحساب الرأسمالى والمالى مقابل عجز قدره 2.7 مليار دولار خلال الفترة المقابلة، بالإضافة إلى تراجع عجز الحساب الجارى من 701 مليار دولار إلى 3.9 مليار. وأرجعت أن التحسن فى الحساب الرأسمالى والمالى يرجع إلى انخفاض صافى تدفقات الحافظة إلى الخارج مع تراجع صافى مبيعات الأجانب لأذون الخزانة، وارتفاع صافى الاستثمار الأجنبى المباشر من 1.2 مليار دولار إلى 1.4 مليار دولار، وإن كان هذا التحسن قابله تراجع فى الاستثمارات الجديدة من 2 إلى 1.7 مليار دولار. فيما يعود التحسن فى الحساب الجاري، وفقا للتقرير، إلى زيادة تحويلات العاملين بالخارج بمقدار مليار دولار، وارتفاع إيرادات السياحة مليار دولار أخري، فيما تراجع العجز التجارى بمقدار 0.7 مليار دولار بسبب زيادة صادرات النفط وثبات الواردات. وكشف «بارو متر الأعمال» أنه بعد انخفاض صافى الاحتياطيات الدولية إلى 13.5 مليار دولار (2.7 شهر من الواردات) خلال يناير – مارس 2013، بسبب سداد مدفوعات الدين لنادى باريس وتباطؤ السياحة هذه الفترة، عاودت الاحتياطيات الدولية الارتفاع مرة أخرى بفضل المساعدات من ليبيا وقطر، لتصل إلى 18.8 مليار دولار فى يوليو 2013، وزادت الأوضاع تحسنا بتعهد 3 دول خليجية تقديم مساعدات إلى مصر قيمتها 12 مليار دولار على الأقل ربعها فى صورة منح بينما سيتم استخدام الجزء المتبقى لدعم احتياطى النقد الأجنبى. وأوضح أن تباطؤ النمو وزيادة الإنفاق العام أدى إلى تفاقم عجز الموازنة، ليبلغ 205 مليارات جنيه (11.8% من الناتج المحلى) خلال الأحد عشر شهرا الأولى من العام المالى الماضى بزيادة قدرها 50% مقارنة بالفترة المناظرة من العام 2011/2012، حيث بلغ العجز 136.5 مليار جنيه أى 8.8% من الناتج المحلى. ونصح الحكومة بضرورة اتخاذ الإسراع فى إجراء إصلاحات قاسية للوصول إلى العجز المستهدف البالغ 5.5% من الناتج المحلى بحلول العام 2015/2016، وأنه برغم ارتفاع أسعار بعض السلع مثل البنزين 95 والغاز الطبيعى، فضلا عن خطة توزيع المنتجات البترولية بالكروت الذكية فإن دعم الطاقة ما زال يمثل عبئا ثقيلا على الموازنة، وكذا زيادة مرتبات العاملين فى القطاع العام تمثل ضغوطا متزايدة على الموازنة. وأكدت د. أمنية حلمى أن زيادة الإيرادات العامة فشلت فى أن تواجه طوفان الزيادات المقابلة فى الإنفاق الحكومى، حيث بلغت زيادة الإيرادات نحو 4.5% نتيجة لزيادة الإيرادات الضريبية بنحو 14.1%، إلا أن الإنفاق الحكومى زاد خلال الفترة بمقدار 19.6%، خاصة على المكونات الثلاثة الدعم، والأجور والمرتبات، ومدفوعات الفائدة، التى تشكل معا 80% من إجمالى الإنفاق. ولفتت إلى أن الواضح جليا من إجابات الشركات التى شملها الاستبيان أنه لابد من بذل جهود حثيثة لإنعاش الاقتصاد، وتتمثل فى العمل على تحقيق الاستقرار السياسى وتحفيز الاستثمار وتطبيق سياسات لإعادة التوزيع، مشددة على أنه لابد من دفع سياسات الحكومة على الجانب المالى لاحتواء التنامى فى مستوى العجز والدين، والحد من الضغوط التضخمية المتوقعة وتعزيز الوضع الخارجى لمصر.