نجحت فيروز مع الأخوين رحبانى، ونجحا معها وغردوا فى بلاد العرب من المحيط للخليج وغزوا كثيرا من العواصم العالمية، لكن فيروز لم تنجح بعد الرحبانية، وهما لم يحققا مع غيرها ما حققاه مع صوتها، لقد بنيت مؤسستهم الفنية على أساس الخصوصيات أولا أى زواج فيروز من عاصى الرحبانى، فلما تصدعت العلاقات الإنسانية انهار بنيانها. وقع الطلاق ثم توفى عاصى (1987) فسكتت جارة القمر عن الغناء الساطع اللامع. وكانت قد عاشت منذ صباها مجرد فترينة لأفكار الرحبانية المتقدمة المتطورة المتطلعة إلى صنع غناء جميل ثائر على الغناء العربى الكلاسيكى، الذى يعتبر قبلته «ياليل يا عين» القائم على الارتجال وأكدت المدرسة الرحبانية من خلال حنجرة فيروز أن دقائق قليلة يمكن أن تكفى لتقديم جرعة كبيرة من التطريب والسلطنة. تمثل فن الرحبانية مع فيروز فى الانتصار للكلمة المغناة، بلحن بسيط مع توزيع موسيقى مناسب ورشيق، وقدموا عددًا هائلًا من الأغنيات غير التقليدية فى موضوعاتها وألحانها، واستعانوا بملحنين من خارج مؤسستهم أحيانا مثل فيلمون وهبة فى أغنيات «يامرسال المراسيل» و«باعتلى سلام» و«أمى نامت ع بكير» كذلك لحن نجيب حنكس « أعطنى الناى» ولم تكن كلماتها للأخوين رحبانى إنما للشاعر جبران خليل جبران كما كتب جوزيف حرب «إسوارة العروس». واختار الرحبانية حركة من السيمفونية رقم 40 لموتسارت ووضعا على موسيقاها كلمات «يا أنا يا أنا» وغنت لمصر «مصر عادت شمسك الذهب» ومن مصر ألحان سيد درويش «ذرونى» و «الحلوة دى» طلعت يامحلا نورها» ومن ألحان عبد الوهاب القديمة «خايف» «وياجارة الوادى» ومن ألحانه الجديدة «مُربى» و«سكن الليل». ونجحت فيروز مع الرحبانية فى تقديم مسرح غنائى متطور (20 مسرحية مختلفة عما قدمه سيد درويش، وأيضا عن المسرح الغنائى العربى منها مسرحيات «هالة والملك» و«الشخص» و«أيام فخر الدين» و«جبال الصوان» و«صح النوم» و«بترا» وتميزت مسرحياتها بالغناء المنوع من تطريبى إلى تعبيرى يعتمد على الحوار الغنائى مع التوظيف المثالى للكورال والاهتمام بالدراما فى المسرح بنفس درجة الاهتمام بالموسيقى والعقدة الدرامية مهمة فى المسرح -أما الغناء الفردى فهو شرقى صميم لا يجنح إلى الغرب الأوبرالى، أما البداية فلم تفضل الفولكلور اللبنانى وقد ظهر فى أغنيتى «يابالا لا ولا» و«هيك مش الزعرورة». وشأنهم شأن الكبار كان الرحبانية يسألون أهل الذكر من المثقفين فى أعمالهم قبل ظهورها، تماما كما كانت تفعل أم كلثوم مع مجلسها الاستشارى الفنى والثقافى. كان صوت فيروز وربما مازال صوتا اللحب والهمس والحزن والفرح والنضال السياسى والقتالى وكان الرحبانيان مسئولين عن كل شاردة وواردة تتدخل فى صميم أعمال مؤسستهم الفنية وفجأة انفراط عقد المؤسسة الزوجية لتنهار المؤسسة الفنية التى صنعت زمنا من الفن الراقى المبتكر. ولم تشأ فيروز أن تسكت عن الغناء وسلمت دفة أمورها لابنها زياد الرحبانى وغنت من ألحانه «البوسطة» «حبيتك تنسيت النوم» «أنا عندى حنين» و«بعتلك» وهو لحن من إحدى مسرحياته وألبوم «ولا.. كيف» وتضمن 9 أغنيات وغنت من ألحان فيلمون وهبى «وأحيت مهرجان «جرش» الأردنى وطلبت التعاون مع رياض السنباطى ولحن لها قصيدة «بينى وبينك» تأليف جوزيف حرب. لكن الطلاق الفنى والذى تبعه تفتيت المؤسسة الفيروزية الرحبانية أكد أن فيروز من أجمل أصوات العرب، لكنها ليست كذلك فى مجال إدارة صوتها لذلك انطفأ البريق فأين يا فيروز ذاك البريق؟!