حضرت لقاء السيد الرئيس المستشار عدلى منصور مع بعض الشخصيات السياسية المصرية، يوم 15 سبتمبر، وعندما تدخل قصر الاتحادية لا تستطيع أن تمنع الذاكرة من استدعاء مواقف قديمة كان هذا القصر شاهدا عليها، وكما نقول دائمًا الأشخاص تتغير والجماد باق يشهد على أمور كثيرة وليته ينطق ليقدم شهادة للتاريخ. عندما تلتقى بالرئيس المستشار عدلى منصور تشعر بهيبة المنصب، وهدوء السريرة، والثقة والرسوخ أن الرجل يعرف بدقة متطلبات منصبه، ولا ينطق إلا بالكلام الضرورى، ولا يعرف ما يعرف بالرغى، وبالمناسبة لا تقع على مسئوليته أن الاجتماع ظل خمس ساعات كاملة، لأنه كان حريصًا كل الحرص على الاستماع للجميع. خرجت بانطباع أساسى وهو أن الانتخابات الديمقراطية ليس بالضروره تأتى بأفضل الشخصيات لتولى هذا المنصب الرفيع، بل أحيانًا مقتضيات الظروف تأتى بشخصية صالحة تمامًا لهذا المنصب، وينطبق ذلك على حالة المستشار عدلى منصور، الذى فرضت عليه الظروف هذا المنصب ولكنه لا يملك الحق فى أن يتطلع إلى الاستمرار فى منصبه، والرجل ألمح عدة مرات فى حديثه إلى أنه يعلم حدود التفويض ومقتضيات الظروف التى حملته إلى هذا المنصب الرفيع. وتشعر أيضا عندما تلتقى به أنه رجل قانون ورجل عدل وحق، يتحرك فى حديثه دائما فى نطاق محدد وهو دقة القاضى والتقييم الرصين للأمور. يعلم تمامًا بخطورة المرحلة التى تمر بها مصر وحساسية الموقف بمختلف أبعاده السياسية والاجتماعية والاقتصادية ويتحرك انطلاقا من قناعة تامة بأن التوافق المجتمعى أمر ضرورى لتحقيق الاستقرار الذى يوصلنا الى التقدم الاقتصادى والسياسى. خطر فى بالى وأنا أستمع لسيادته مدى الاهتزاز الذى أصاب منصب رئيس الجمهورية فى الفترة الأخيرة، وشعرت بضخامة المسئولية الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية القادم، كيف يعيد للمنصب هيبته بدون فرعنته، وكيف يسير فى طريقه بالحزم والجراءة لتحقيق التقدم فى هذا الوطن فى إطار من الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الإنسان، مع الوضع فى الاعتبار التغيير الجذرى الذى أصاب الشخصية المصرية منذ ثورة 25 يناير 2011. المهمة ثقيلة وليست سهلة وتستدعى شخصية غير تقليدية، بل أقول يجب أن تكون شخصية استثنائية ترفع قيم العدل والطهارة وتستمع للجميع فى إطار من الضائقة الاقتصادية التى ستحتم على الرئيس أنه لن يستطيع تلبية متطلبات كل فئات المجتمع المصرى، التى تنتظر رغد العيش والحرية والكرامة والإنسانية، فعلا مرحلة صعبة تمر بها مصر، ويصعب فيها التنبؤ بمجريات الأمور، وكيف ستسير فى وسط هذه الأجواء السياسية. من هنا تأتى أهمية الدستور لمعالجة النظام السياسى فى مصر من حيث أنه رئيس أو برلمانى، ولكن يبدو أننا أمام معضلة لأن النظام الأمثل هو البرلمانى ولكننا نفسيا نفضل النظام الرئاسى بكل خطاياه. لقد كان اللقاء مع الرئيس تجسيدًا لفكرة النظام البرلمانى فالرئيس يحكم ولكن رئيس الوزراء هو المسئول عن السلطة التنفيذية ويحاسب من البرلمان والشعب أيضا وأتذكر أن بعض مرشحى الرئاسة فى المرة الماضية أكدوا على عدم خوضهم غمار الانتخابات الرئاسية إذا كان النظام السياسى فى مصر برلمانيا، بمعنى أنهم لن ينالوا كل السلطات فى أيديهم. الرئيس المؤقت عدلى منصور يملك الرؤية الصحيحة لوجبات منصبه المؤقت، لكنه يملك أيضا الصفات الشخصية لرئيس دائم. أما محتوى اللقاء فقد ظهر أن الرئيس يريد أن يستطلع آراء ومواقف الأحزاب من خارطة المستقبل وترتيبها، وكذلك قانون الانتخابات البرلمانية المرتقبة، وكانت لديه حساسية شديدة إذا عرج أحد المتحدثين إلى موضوعات تخص لجنة تعديل الدستور، لكنه سمع باهتمام شديد كل ما يخص احتمالات انتهاك حقوق الإنسان فى ظل قوانين الطوارئ. تلك كانت انطباعات عن اللقاء مع الرئيس المؤقت الذى نجح إلى حد كبير فى استعادة مكانة هذا المنصب الرفيع منصب رئيس جمهورية مصر العربية. سلام يا مصر [email protected]