من المصطلحات التى شاعت فى العقود الأخيرة مصطلح «المسيحية الصهيونية».. فما هى هذه المسيحية الصهيونية؟!.. ومتى.. وأين كانت نشأتها؟.. وماذا تعنى بالنسبة لقضايانا العادلة.. خاصة قضية فلسطين؟!. إن هذه النزعة تعنى «صهينة المسيحية»، ودمج المسيح وزرعه فى إسرائيل.. وتقديس المسيحيين لأسفار العهد القديم كما هو الحال بالنسبة للعهد الجديد.. والإيمان بأن اليهود هم شعب الله المختار، فى الماضى والحاضر والمستقبل.. وبأن إعادة اليهود وحشرهم فى الأرض المقدسة، وإعادة بناء الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى هى المقدمة والشرط لعودة المسيح كى يحكم العالم ألف سنة سعيدة قبل نهاية هذا العالم، وأن معركة «هرمجدون» التى سيباد فيها المسلمون.. هى من مقدمات تحقيق هذه النبوءات!!. أما متى بدأت هذه النزعة، فى المسيحية الغربية، فلقد كان ذلك على يد «مارتن لوثر» (1483 - 1546م) مؤسس البروتستانتية الإنجيلية، الذى كتب كتابه (المسيح يهوديا)، والذى أضفى القداسة على أسفار العهد القديم، ومن ثم على وعد الله لإبراهيم بملك ما بين النيل والفرات له ولذريته من اسحاق وفى هذا الكتاب قال مارتن لوثر: « إن روح القدس أنزل كل أسفار الكتاب المقدس عن طريق اليهود وحدهم. إن اليهود هم أبناء الله. ونحن الضيوف والغرباء، ولذلك فإن علينا أن نرضى بأن نكون كالكلاب التى تأكل مما يتساقط من فتات مائدة أسيادها»!! ومنذ ذلك التاريخ، تبلورت فى البروتستانتية الإنجيلية «عقيدة المسيحية الصهيونية»، التى ترى: أن اليهود هم أبناء الله وشعبه المختار. وأن ثمة ميثاقا إلهيا يربط اليهود بالأرض المقدسة فى فلسطين وما حولها.. وربط الإيمان المسيحى فى عودة المسيح بقيام الدولة الصهيونية فى الأرض المقدسة وبناء الهيكل اليهودى الثالث على أنقاض المسجد الأقصى. ولأن المسيحية الصهيونية قد جعلت ذلك «عقيدة دينية» كان قيام الكيان الصهيونى على أرض فلسطين- بنظرها - تجليا إليها، وكيانا مقدسا، وليس دولة من الدول التى تخضع للقانون وتسرى عليها قواعد الشرعية الدولية.. وكثيرون من لاهويتى البروتستانتية والإنجيلية كتبوا الكتب والدراسات فى تأكيد وتفصيل هذه العقيدة.. ومنهم القس الأمريكى «والتريجانز»، الذى أوجز هذه العقيدة عندما قال: «إن الصهيونية التوراتية»، التى هى بالتأكيد أمنية كل مسيحى تتعلق بشكل أساسى بالله، وبأهدافه، ولذلك تفهم الصهيونية من خلال الرؤية المسيحية على أنها جزء من اللاهوت الدينى، وليست جزءا من السياسة، وإن دولة إسرائيل هى مجرد البداية لما يفعله الله من أجل الشعب اليهودى ومن خلال الشعب اليهودى. إن من واجب المسيحيين دعم إسرائيل وسياساتها باعتبارها إشارة إلهية لرحمة الله، واستجابة لإرادته، على أنها تشكل إشارة توراتية بأن الله منشغل جدا فى قضايا هذا العالم. ولقد استعانت الامبريالية الغربية بهذه الأساطير اللاهوتية فى إقامة الكيان الصهيونى على أرض فلسطين، قاعدة عسكرية للإمبريالية الغربية، تسهم فى الهيمنة الغربية على مقدرات الشرق الإسلامى، وتحميها العقيدة المسيحية الصهيونية، والفيتو الأمريكى من أن يطبق عليها القانون الدولى كما يطبق على كل الدول فى العالم الذى نعيش فيه!!.. إنه اللاهوت الأسطورى الذى اندمج فى الدين اندماجا كاملا!!.