خرج رجب طيب أردوغان رئيس الوزراء التركى عن الخط المرسوم له أمريكيًا عندما اتهم إسرائيل ب (طبخ) ثورة 30 يونيو فى مصر، بل أنه حاد بذلك عما يعتقده دومًا من أنه الملهم مبعوث العناية الإلهاية. صحيح أن أردوغان تلقى على الفور تأنيبًا من الإدارة الأمريكية لكنه كعادته أخذ يرد الهجوم. ففى جلسة للجنة السياسات بحزب العدالة والتنمية أخذ يقول (ماشأنهم هم؟) وقال إنه سوف يتحدث فى ذلك مع المسئولين فى الإدارة الأمريكية. أحد القادة الكبار فى حزب العدالة والتنمية قال لصحيفة (هآرتس) الإسرائيلية إن أردروغان أخطأ عندما استند فى حديثة إلى كلام برنار أنرى ليفى وعرض الأمر كما لو كان مؤامرة وكان الأفضل له ألا يذكر إسرائيل. ليس هذا فقط ولكن هناك كاتب تركى شهير يدعى يوسف كانلى تعجب مما يفعله أردروغان وذلك فى مقال له فى صحيفة (حريات ديلى نيوز) التركية وكتب يقول: هل لاتزال هناك دولة ترسم سياستها الخارجية وتطبقها أمام الكاميرات؟ وانتقد كانلى تصرفات أردوغان وقال إن الحاكم المطلق ووزيره للشئون الخارجية (أحمد داوود أوغلو) يرسمان سياستهما الخارجية مباشرة وينطقان كلمتهما الأخيرة حتى قبل النطق بالكلمة الأولى. والأسوأ من هذا أنهما يفعلان ذلك أمام الكاميرات. إن تركيا دولة كبرى إقليميًا وهى تطمح لأن تصبح دولة عظمى فى العالم، لكن لماذا لا يوجد لنا سفراء فى القاهرة أو دمشق أو تل أبيب. وبالأمس القريب فقط كنا أصدقاء لحكام الخليج ولخادم الحرمين الشريفين. واليوم نهزأ بهذه الدول ويقوم زعماء أتراك بمهاجمتهم. ألم يكن بمقدور رئيس الوزراء أن يستند إلى تقارير ومعلومات مخابراتية موثوق بها قبل أن يتهم إسرائيل بالتخطيط للثورة المصرية! إن الدولة الكبرى الإقليمية التى تسعى لأن تكون دولة عظمى فى العالم تلقت صفعة من العم سام.. فهل لهذه الدرجة لا تدرك تركيا موازين القوى فى العالم أو علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة؟ ويقول الكاتب الصحفى الإسرائيلى تسفى برئيل فى صحيفة (هآرتس) إن تركيا تدرك ذلك بالطبع ولكن الإدراك فى حد ذاته لا يكفى. إذ أنه من الواجب أن يتغلب الإدراك السياسى على المشاعر.وهنا - وهذه ليست المرة الأولى - فشل أردروغان. إن رئيس الوزراء التركى الذى اعتبره البعض بطلًا عندما قطع علاقاته مع بشار الأسد ودخل فى نزاع مع إسرائيل دفع الحكام والشعوب العربية دفعًا إلى أن يديروا له ظهورهم عندما قرر تأييد الإخوان المسلمين فالدول العربية وعلى ما يبدو غالبية الشعوب العربية لا يتوقون للعيش تحت حكم دينى راديكالى. هم على استعداد لتبنى النموذج التركى رئيس وزراء من الإسلام السياسى فى دولة تصف نفسها بأنها علمانية - وبشرط أن يكون هذا النموذج نتاجًا محليًا وليس بإملاءات خارجية. إن أردوغان من جانبه رأى فى (نجاح) الإخوان هبة من الله سوف تجعل من مصر دولة شقيقة لتركيا وتعوضها عن خسارتها للحليف السورى وقد يكون قد حصل على بعض الشعبية فى موقفه مع سوريا، لكن فيما يتعلق بالموقف مع مصر فإنه أخطأ كثيرًا عندما أراد ان يضفى على سياسته الخارجية عنصرًا أخلاقيًا فالأخلاق - كما ثبت بالدليل القاطع - تعد لغمًا خطيرًا فى إدارة السياسات. إن أردوغان يمقت النقد ولديه حساسية شديدة تجاهه. والدليل على ذلك حربة مع الإعلام وهجومه على الصحافة والصحفيين ورده على تأنيب واشنطن له. هو يرى فى نفسه نبيًا لا يفهم أحد نبؤته.. يرى فى نفسه صاحب رسالة يريد الجميع أن يفشلونه. والنبى - كما هو معروف - معصوم من الخطأ. وإذا لم يشاركه العالم سياسته الخارجية فالمشكلة هنا فى العالم وليست فى أردوغان وعندما يخطىء العالم فمن الواجب تغييره. وفى الأسبوع الماضى قدم أردوغان نبؤته لتغيير العالم. أو على الأقل نظام اتخاذ القرار العالمى، وقال ليس من المعقول أن تقرر خمس دول (الأعضاء الدائمين فى مجلس الأمن) مصير العالم. واقترح على الدول الأعضاء فى الأممالمتحدة تقديم استقالاتها وإنشاء أمم متحدة بديلة تكون فيها كافة الدول متساوية فى القوة. والغريب فى الأمر أن تركيا تسعى جاهزة لاختيارها عضوًا غير دائم فى مجلس الأمن للعام 2015 - 2016! وهذا بالطبع هو نفس مجلس الأمن الذى أخذ أردوغان يوجه إليه سهامه الأسبوع الماضى. لا خلاف على أن الأممالمتحدة فى حاجة إلى إصلاح شامل وعميق بعد أن بلغت قدرتها على حل النزاعات ومنع الحروب مستوى الصفر. ولكن الدعوة إلى حل المنظمة الدولية وإنشاء مؤسسة جديدة هى فى أفضل الحالات درب من دروب جنون العظمة. وفى داخل صفوف حزب العدالة والتنمية هناك نشطاء يخشون من أن يؤدى تصرف أردروغان إلى الإضرار باحتمالات تحقيق الحزب للأغلبية فى ثلاث معارك انتخابية من المقرر أن تجرى على امتداد العامين القادمين. صحيح أن السياسة الخارجية فى تركيا بصفة عامة ليست لها تأثير كبير على نتائج الانتخابات، لكن عندما يظهر من هذه السياسة أن قرارات رئيس الوزراء خاطئة، من الممكن أن يكون لهذه السياسة تأثيرها فى انتخابات المحليات.