يبدو أن قضية «إدوارد سنودن» الموظف السابق بوكالة الأمن القومى الأمريكى والذى كشف عن فضيحة تجسس امريكا على العالم لن تشهد نهاية قريبة، فبعد الغضب الأوروبى من تجسس أمريكا عليها، والخلاف الروسى الأمريكى حول مصير سنودن، يبدو أن الدور قد جاء على قارة أمريكا اللاتينية، حيث كشفت العديد من الصحف ان وكالة الأمن القومى الأمريكى استهدفت معظم دول أمريكا اللاتينية ببرامج تجسس سرية واستشهدت بوثائق سربها سنودن، وجاء رد فعل تلك الدول عنيفا، حيث تبنت قمة «ميركوسور»، التى تضم: فنزويلا والأوروجواى والبرازيل والأرجنتين، مواقف متشددة تجاه الولاياتالمتحدة، فاجأت حتى الإدارة الأمريكية، وأصدرت دول «ميركوسور» بيانا تنديديا شديد اللهجة ضد الولاياتالمتحدة، تتهمها بالتجسس لا لأهداف مكافحة الإرهاب بل لمعرفة المخططات المالية والعلمية لهذه الدول ودول العالم، وتستعملها ضدهم. فى الوقت ذاته استدعت الدول الخمس سفراءها فى إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال للتشاور معهم بعد قرار مماطلة هذه الدول الأوروبية فى الترخيص لعبور طائرة رئيس بوليفيا إيفو موراليس لأجوائها، عائدا من موسكو بعد حضوره قمة منتجى الغاز، حيث كانت تعتقد هذه الدول الأوروبية أنه يحمل العميل سنودن معه على متن الطائرة، ولم تكتف دول «ميركوسور»بهذا التحذير، إنما تحدت أيضا الولاياتالمتحدة، وعرضت ثلاث دول هى: نيكاراجوا وفنزويلا وبوليفيا منح اللجوء السياسى إلى سنودن، على الرغم من تحذير واشنطن دول العالم بأنها لن تتساهل مع أية دولة إذا منحت اللجوء السياسى لعميل الاستخبارات الهارب. وإذا كان موقف بعض الدول متوقعا نظرا لمعادتها للولايات المتحدة، فإن موقف بعض الدول الحليفة والصديقة قد فاجأ الإدارة الأمريكية، حيث ذكرت صحف برازيلية أن واشنطن قلقة بسبب مشاركة البرازيل فى هذه المواقف الراديكالية، وهى التى كانت تتحفظ فى كثير من مواقف أمريكا الجنوبية تجاه البيت الأبيض، كما أن كولومبيا والتى تعد أوثق حلفاء واشنطن العسكريين فى أمريكا اللاتينية انضمت إلى مجموعة من الدول التى تسعى للحصول على إجابات بعد التقارير التى كشفت عن تجسس أمريكا على دول أمريكا اللاتينية، وأصدرت حكومة تشيلى بيانا قالت فيه «ليس بوسع تشيلى إلا أن تشجب بقوة وحسم ممارسات التجسس أيا كان مصدرها أو طبيعتها أو أهدافها. وأضافت أنها ستسعى للتحقق من المزاعم، وترتبط تشيلى بعلاقات وثيقة مع واشنطن منذ فترة طويلة. وفى سياق تحليلها لتداعيات هذه الأزمة ، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية أن الولاياتالمتحدة تبذل مجهودا كبيرا فى محاولة لمنع سنودن من إيجاد ملجأ له فى أمريكا اللاتينية، حيث تعهدت ثلاث حكومات ذات توجهات يسارية وتتخذ من تحدى واشنطن منهجا لسياساتها الخارجية بأنها ستسمح له بالدخول. وقالت الصحيفة إن «جو بايدن»، نائب الرئيس الأمريكى، قام بخطوة غير معتادة بالاتصال برافائيل كوريا رئيس الإكوادور لحثه على عدم إعطاء اللجوء السياسى لسنودن، كما أجرى مسئولون كبار فى وزارة الخارجية اتصالات مع فنزويلا – واحدة من الثلاث دول التى قدمت مأوى له. وأشارت الصحيفة إلى أن واشنطن اكتشفت أن نفوذها فى أمريكا اللاتينية يقتصر فقط على وقت الحاجة إليها، مما يعكس كيف أصبحت المنطقة - التى كانت يوما منطقة نفوذ لأمريكا – لديها ثقة متزايدة فى قدرتها على العمل بشكل مستقل. ونقلت «نيويورك تايمز» عن «بيل ريتشاردسون»، السفير الأمريكى السابق لدى الأممالمتحدة قوله: «نفوذنا فى هذه المنطقة يتناقص، من المهم لإدارة أوباما ووزير الخارجية جون كيرى تخصيص مزيد من الوقت للمنطقة، ودعم علاقاتنا مع بعض الدول المعتدلة مثل كولومبيا والبرازيل وبيرو، لمقاومة الحركة المناهضة للولايات المتحدة».