أفضل ما جاء فى بيان القيادة العامة للقوات المسلحة على لسان الفريق أول عبدالفتاح السيسى.. من وجهة نظرى هو هذا الحديث عن عدم إقصاء أى طرف.. فمثل هذا الحديث لا يعبر فقط عن روح التسامح التى تتسم بها الشخصية المصرية.. وإنما هو أيضا إدراك عميق لحقائق اللعبة السياسية. وإذا كان الشعب المصرى قد قام «بإقصاء» الدكتور محمد مرسى والإخوان المسلمين عن الحكم بعد عام واحد من وصولهم إلى السلطة.. فإن هذا الإقصاء جاء نتيجة إقصاء الدكتور مرسى والإخوان لكل طوائف الشعب المصرى.. مؤيدين ومعارضين.. خصوم وحلفاء. وهكذا ابتعد الإخوان كثيرا عن حقائق اللعبة السياسية بإصرارهم على سياسة الإقصاء فكان السقوط المروع.. بنجاح وامتياز !. و إذا كان من المفيد ومن المهم أن نتطلع إلى الأمام ونلقى بالماضى وراء ظهورنا فإنه من المفيد والمهم أيضًا أن نتأمل هذا الماضى ونتعلم منه. فى هذا الإطار فإن الحديث عن أسباب سقوط الدولة الإخوانية - إن صح التعبير - ليس من قبيل الشماتة أو الاستمتاع بلحظات الانتصار بقدر ما هو محاولة للتعلم من الخطأ. وقد بدأت حديثى بالكلام عن الإقصاء باعتباره أهم أسباب فشل الإخوان من وجهة نظرى غير أن الحقيقة أن هناك أسبابًا أخرى كثيرة ساهمت فى سقوط الإخوان بهذه السرعة وبهذه الطريقة التى عبّرت عنها الملايين التى خرجت إلى الشوارع والميادين بصورة غير مسبوقة. المشهد بدا فى الحقيقة وكأنه مشهد أسطورى من فيلم سينمائى تاريخى.. حشود بشرية هائلة قدر عددها بالملايين.. حوالى 17 مليونًا على أقل تقدير.. خرجوا كلهم فى وقت واحد لتحقيق هدف واحد.. إسقاط الرئيس الإخوانى وإسقاط الإخوان!. ومن حق الرئيس الإخوانى ومن حق الإخوان أن يتساءلوا بعد ذلك.. لماذا يكرهنا الناس لهذه الدرجة؟!. ومن حقهم أن يعرفوا الأسباب!. *** كان أول ما اكتشفه الناس من طبائع الإخوان وخصالهم هو عدم الوفاء بعهودهم.. وهكذا ابتلع الدكتور محمد مرسى كل ما وعد به قبل انتخابه رئيسًا للجمهورية.. نائب قبطى ونائب سيدة وإشراك شباب الثورة فى الحكم والاستعانة بالمعارضة وغيرها من العهود التى ذهبت أدراج الرياح مثل حقوق الشهداء والحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية ودستور توافقى. وتتوالى الأخطاء والخطايا.. التمكين الذى جعل الإخوان يهملون كل ما يتعلق بتطوير الأداء وتحسينه من أجل وضع إخوانهم فى كل المواقع المهمة وغير المهمة لكى يتمكنوا من حكم مصر.. للأبد!. المسألة وصلت إلى حد وضع معلم يحمل مؤهلا متوسطا رئيسا لمدينة.. لمجرد أنه إخوانى!. الحقيقة أيضا أن الأداء كان ضعيفا لدرجة لا تصدق سواء على مستوى الحكومة (الإخوانية) أو الوزراء (الإخوانيين) أو كل مسئول إخوانى فى كل موقع. فى نفس الوقت ابتعد الإخوان كثيرا عن الوسطية التى تميز الشعب المصرى.. وهكذا دفع الإخوان ودفع الدكتور محمد مرسى بالمتشددين والمتطرفين إلى قلب المشهد السياسى فى مصر وهو ما لم يلق أى قبول من الشعب المصرى. الحقيقة أيضا أن الرئيس السابق وإخوانه لم يتورعوا عن اللجوء لسياسة ترويع الشعب فكانت خطب الرئيس وتصريحات إخوانه مليئة برسائل وإشارات تهدد المصريين دائما بالدم والموت. الرئيس السابق أيضا كان يعشق العناد.. عناد الشعب.. وكان يفتخر بذلك فلم يحدث على امتداد العام الذى تولى فيه المسئولية أن استجاب لمطلب شعبى واحد.. لمجرد العناد.. وقد طالب الشعب كثيرا وفى مرات متعددة بتغيير الحكومة.. على سبيل المثال.. وبتعديل الدستور وبإقالة النائب العام الذى أثبتت الأيام والوقائع أنه اختير لتنفيذ "طلبات" الرئيس.. ولم يحدث أبدا أن استجاب الرئيس لأى طلب من هذه الطلبات. وحتى عندما بدأت الدائرة تضيق من حوله وبدت النهاية قريبة راح يتحدث عن الاستجابة لهذه الطلبات بمنتهى التعالى والاستعلاء كأنه يقول للشعب إنه على استعداد لأن يمن عليه بهذه الطلبات!. الحقيقة أيضا أن الشعب المصرى أدرك مبكرا.. أن رئيسه ليس قويا كما يحاول أن يصور نفسه وليس حاكما كما هو مفترض وإنما محكوم.. يحكمه مكتب الإرشاد والمرشد العام ونائب المرشد وقيادات الإخوان. وكان أكثر ما يثير غضب المصريين وضيقهم تصريحات قادة جماعة الإخوان التى يسبقون بها الرئيس ويحاولون إقناع الناس أن كل واحد منهم هو الرئيس!. الإخوان بعد ذلك دخلوا فى عداء شامل مع كل طوائف المجتمع ورموزه ومكوناته.. الإخوان دخلوا فى عداء مع المعارضة وحولوا رموزها إلى خونة وكفار!. ودخلوا فى عداء مستحكم مع القضاء ومع الجيش ومع الشرطة.. وحتى مع حلفائهم مثل حزب النور وغيره. فى نفس الوقت لم يكن الإخوان قادرين على قراءة الواقع.. وقد ظهر ذلك واضحا من خلال تعاملهم مع الأزمات والمشاكل.. أزمة مياه النيل والأزمات الاقتصادية وأزمات البنزين والسولار.. وحتى عندما أعلن الشعب "تمرده".. كانت قرائتهم للموقف خاطئة لدرجة أن البعض تصور أن المظاهرات الحاشدة التى ينقلها الإعلام هى مظاهرات يصنعها الكمبيوتر.. مظاهرات "فوتو شوب".. وتصور البعض الآخر أن الإعلام الفاسد لا ينقل المظاهرات الأكبر.. مظاهرات المؤيدين!. أضف لهذا كله أن الإخوان استخدموا الدين بطريقة تحقق مصالحهم السياسية.. وقد اعترف عدد غير قليل من قيادات التيارات الإسلامية الأخرى أن ممارسات الإخوان فى هذا الشأن أساءت كثيرا للإسلام والدعوة وللتيارات الإسلامية وللمشروع الإسلامى عموما. ولا نستطيع بعد ذلك أن ننسى خطيئة الإعلان الدستورى الذى حول الرئيس إلى نصف إله.. لا نستطيع أيضا أن ننسى خطيئة مؤتمر مناصرة سوريا الذى أقيم بالصالة المغطاة والذى حاول الرئيس وإخوانه من خلاله تخويف الشعب وترويع المعارضة. هل عرف الدكتور مرسى والإخوان الأسباب؟.. هل عرفوا لماذا خرجت الملايين إلى الشوارع والميادين بصورة غير مسبوقة؟!. أظنهم عرفوا.. وإن كان ذلك بعد فوات الأوان!. *** استغرق صعود الإخوان إلى حكم مصر ثمانين عاما واستغرق سقوطهم عاما واحدا.. والسبب الأخطاء والخطايا التى ارتكبوها وفى مقدمتها إقصاء الآخرين. وعلينا أن نتعلم الدرس!.