لم تشهد الإسكندرية على مدار تاريخها هذه الحشود الهائلة الهادرة من المتظاهرين الذين خرجوا من كل نواحى المدينة شرقها وغربها من برج العرب وحتى أبى قير،الكل خرج، الغنى والفقير وأبناء الاحياء الشعبية وابناء الاحياء الراقية،وابناء العشوائيات،اطفال وكبار سن وحتى متحدى الإعاقة حرصوا على المشاركة، وكان الهتاف واحدا (الشعب يريد اسقاط النظام) و(يسقط حكم المرشد )،ويبدو ان المشاكل الطاحنة التى عانى منها المصريون، إضافة الى حالة التدهور الحادة التى شهدتها الاسكندرية فى كل النواحى من طرق ونظافة وخدمات ومرور وانفلات امنى وأزمات السولار والبنزين والكهرباء والمياه أدت إلى وصول الجماهير إلى نقطة اللا عودة. وكأن ثورة 25 يناير بعثت من مرقدها لتستكمل أهدافها الجليلة ،ولكن الثورة هذه المرة كانت هادرة وفاقت كل التوقعات وتخطتها لدرجة أذهلت حتى المشاركين أنفسهم، وكأن إسكندرية التى فجرت ثورة 25 يناير بعد حادث خالد سعيد هى التى ستفجر أيضا ثورة 30 يونيو. من برج العرب والعجمى والدخيلة والقبارى والورديان والمنشية ورأس التين والأزاريطة وسيدى جابر وسيدى بشر وأبو قير وسموحة ومحرم بك، من كل بقعة بالإسكندرية خرجت المسيرات التى تجمعت يوم 30 يونيو فى ميدان مسجد القائد إبراهيم وانطلقت حتى وصلت إلى ميدان سيدى جابر لتلتقى هناك كل المسيرات ولتفوق أعداد المشاركين من المتظاهرين وهو عدد لم تصل إليه أية مظاهرات من قبل لدرجة أن الشوارع أغلقت بالكامل بالمتظاهرين فى المنطقة ما بين حى الإبراهيمية وحتى حى جليم مرورا بأحياء سبورتنج وسيدى جابر ومصطفى كامل ورشدى، كل هذه الشوارع لم يكن بها موضع لقدم. البداية ولم تبدأ المظاهرات بالإسكندرية يوم 30 يونيو بل بدأت مبكرا منذ يوم 28 يونيو و دارت على أثرها اشتباكات أمام المقر الإدارى لجماعة الإخوان المسلمين بمنطقة سموحة، واستشهد خمس ضحايا فى تلك الاشتباكات إثر إصابتهم بطلقات رصاص حى وخرطوش، كانت دماء هؤلاء الضحايا هى الشرارة التى أشعلت الثورة للمرة الثانية، حيث استمرت التظاهرات يومى 28 و29 يونيو وبلغت ذروتها منذ يوم 30 يونيو وحتى كتابة هذه السطور. وشاركت مختلف القوى السياسية والأحزاب فى التظاهرات، ولم يكن المشاركون من القوى السياسية فقط بل كانت الجماهير العادية التى لا تنتمى لأى تيار أو حزب هى الغالبة فى التظاهرات دون ان يحركها أحد. موقف النور وكان حزب النور والدعوة السلفية بالإسكندرية قد أعلنا موقفهما مبكرا من التظاهرات وهو عدم النزول لا فى المظاهرات المعارضة للرئيس محمد مرسى ولا فى المظاهرات المؤيدة له، واستكمل الحزب موقفه بإعلانه مطالبة الرئيس محمد مرسى بالإعلان عن انتخابات رئاسية مبكرة، وهو ما وضح جليا بعد بيان القوات المسلحة. وشارك أطفال من مختلف الأعمار مع آبائهم فى المظاهرات وحتى الأطفال شاركوا أيضا وكان الكل يحمل أعلام مصر. حرص عدد هائل من السيدات والفتيات على المشاركة أيضا، وظهرت السيدات من كبار السن، وحتى من لم يستطع التحرك شارك من على مقعد متحرك، كما حرصت السيدات والفتيات المقيمات بميدان سيدى جابر على وضع المقاعد أمام المنازل للجلوس والمشاركة فى المظاهرات. وأشعلت طائرات الهليكوبتر العسكرية حماس المشاركين حينما طافت فى سماء الإسكندرية على ارتفاع منخفض جدا لدرجة أن المتظاهرين شاهدوا الطيارين وهم يشيرون للمتظاهرين بعلامات النصر، وازداد الحماس، حينما بدأت الطائرات تلقى أعلام مصر على المتظاهرين، ولوحظ أن المتظاهرين كانوا يستقبلون أى فرد من القوات المسلحة أو الشرطة يمر من المنطقة بفرحة عارمة ويحملونه على الأعناق ويرقصون به. وشهدت الإسكندرية طوال الأيام الماضية اختفاء الجريمة من شوارع المدينة فلا حوادث سرقة ولا سرقة سيارات ولا تحرش وكأن الإحساس بالوطن طغى على أى نوازع للشر. فى الميناء وتحولت جنازة الشهيد العميد محمد هانى مفتش الداخلية بشمال سيناء إلى مظاهرة ضخمة ضد النظام، حيث حملت الجماهير الغفيرة التى شاركت فى الجنازة ضباط الشرطة الذين هتفوا بسقوط النظام وسقوط حكم المرشد ورددت الجماهير الهتافات وراءهم.ورفض ضباط الشرطة بالإسكندرية حضور محافظ الإسكندرية ونائبه د.حسن البرنس الجنازة، وهرب محمد عاشور سكرتير عام محافظة الإسكندرية من الجنازة بعد هتاف المشيعين يسقط حكم المرشد، وشارك بالجنازة المئات من ضباط الشرطة والقيادات السياسية والعديد من القيادات الأمنية منهم اللواء أمين عز الدين مدير الأمن وعدد من القيادات السياسية بالإسكندرية منهم أبو العز الحريرى الذى هتف ضد الإخوان ووصفهم بالإرهابيين، ومحمد البدرشيني، وشباب القوى والحركات السياسية. كما تحولت جنازة الشابة ناردين لويس (23) عاما والتى توفيت، متأثرة بإصابتها بطلق خرطوش اخترق عصب العين ومنه إلى المخ، أثناء متابعتها أحداث يوم الجمعة28 يونيو ، من شرفة منزلها إلى مظاهرة أخرى حيث احتشد عدد من النشطاء السياسيين والمتظاهرين بالقرب من كنيسة مارى جرجس ونظموا مسيرة لنعى الشهيدة، اتجهت إلى ميدن سيدى جابر مقر الاعتصام، حيث رفع المتظاهرون علم مصر ورددوا هتافات «ارحل». وأغلق المتظاهرون مبنى مجلس محلى الإسكندرية وهو المقر المؤقت لديوان عام المحافظة بالجنازير ومنعوا دخول المحافظ والعاملين إلى المبنى!! وانتظمت حركة العمل بميناء الأسكندرية ولم تتأثر بالتظاهرات، وقامت القوات المسلحة بتوفير تأمين كاف للميناء، و أكد اللواء عادل ياسين حماد، رئيس هيئة ميناء الإسكندرية، انتظام حركة تداول الحاويات والشاحنات والبضائع ووصول ومغادرة السفن والبواخر لميناء الإسكندرية وانتظام العمل ودوريات العمال والموظفين، تسير بشكل طبيعى وآمن ولم تتأثر بالأحداث الجارية التى تشهدها البلاد بسبب المظاهرات، وأشار المتحدث باسم هيئة ميناء الإسكندرية رضا الغندور إلى استمرار التواصل والتنسيق بين ميناء الإسكندرية وكل من قيادة القوات البحرية والمنطقة الشمالية العسكرية والإدارة العامة لشرطة ميناء الإسكندرية والإدارة العامة للأمن بالميناء وذلك لحفظ الأمن بالميناء ومنشآته وحمايته من أى محاولة للخروج عن القانون والشرعية. وكان إيجار أسطح العمارات المحيطة بمسجد القائد إبراهيم وميدان سيدى جابر ومنطقة كليوباترا شهدت ارتفاعا جنونيا فى أسعار الإيجار الأسبوع الماضى نظرا لتسابق القنوات الفضائية على حجز أماكن للتصوير من فوق تلك الأسطح. وساد المتظاهرون المحتشدون فى الميادين حالة من الفرحة العارمة بعد صدور بيان القوات المسلحة وتحولت الميادين إلى أجواء احتفالية مستمرة وهتافات هادرة تقول «الجيش والشعب إيد واحدة». بينما شدد عبد الرحمن الجوهرى المتحدث باسم حركة كفاية بالإسكندرية على أن القوى السياسية تلتزم بدعمها للجيش والحفاظ على احترامه وهيبته شريطة عدم التدخل فى الشأن السياسي، مشيرا إلى أن المرحلة الانتقالية التى ستعقب مظاهرات الغد يجب أن تكون مدنية. وقال الناشط السياسى إسلام الحضرى القيادى باللجنة التنسيقية- إن الجميع تخلى تماما عن رفع أى شعارات حزبية أو فئوية حيث سيكون الهتاف هو ذاته الذى ساد بمظاهرات 25 يناير وهو: الشعب يريد إسقاط النظام، وعيش حرية عدالة اجتماعية. وأشار خالد القاضى -منسق حركة تمرد بالإسكندرية- إلى أنه يجب على الجميع التزام السلمية وضبط النفس إزاء أى استفزازات تصدر عن جماعة الإخوان بحسب قوله. فى حين أكد أبو العز الحريري، المرشح السابق لرئاسة الجمهورية، أن البلاد ستتطهر من الإخوان، كما أنه يوم نهاية حكم الرئيس محمد مرسى والدستور والنائب العام والشورى، وأضاف قائلا:'' أوجه تحية إلى أهالى الصعيد الذين تطهروا من تهمة تأييد الإخوان والسلفيين''، وأشار إلى أن اليوم ستشرق شمس الحرية والكرامة وصحيح الدين فى مصر وتونس وتركيا، قائلاً :'' إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يخضع الطغاة الظالمين''. بينما أكدت حركة تمرد بالإسكندرية فى صفحتها على الفيس بوك على سلمية المظاهرات وضرورة الصمود فى الميادين لحين إسقاط النظام، كما قدمت بعض الإرشادات لتفادى العنف من أى أطراف خارجية وللتعامل مع العنف إن حدث. وكانت القوات المسلحة حرصت على توزيع زجاجات المياه على المتظاهرين الذين تواجدوا بجوار المنطقة العسكرية الشمالية بمنطقة سيدى جابر. فى المقابل خرجت مسيرتان لأعضاء جماعة الإخوان المسلمين (لم تشارك فيها الدعوة السلفية ولا حزب النور) لتأييد الرئيس محمد مرسى واحدة من منطقة الكيلو 21 بغرب الإسكندرية واتجهت الى منطقة الهانوفيل بالعجمى وتضم حوالى ألف متظاهر، وشهدت اشتباكات بين المشاركين فى المسيرة وبين الأهالى أصيب على أثرها عدة أشخاص منهم مصابون بطلقات خرطوش وتدخلت قوات الأمن المركزى وفضت الاشتباكات وتفرقت المسيرة، والمسيرة الأخرى ضمت حوالى خمسة آلاف فرد وانطلقت من مسجد سيدى بشر.