بعد حوالى 12 عامًا من سفك الدماء فى أفغانستان، من المقرر أن تبدأ محادثات السلام التى طال انتظارها مع حركة طالبان فى العاصمة القطرية الدوحة. وكانت الولاياتالمتحدة قد دعمت ورحبت بافتتاح مكتب طالبان أفغانستان فى قطر للتفاوض مع الأمريكيين حول المستقبل تمهيدًا للانسحاب التام العام القادم، لكن هذا الدعم والترحيب جاء على حساب شرعية وسيادة النظام الأفغانى، والشىء الغريب أنه فى الوقت الذى تقوم فيه أمريكا بقصف قواعد طالبان بالطائرات، تقوم بالتفاوض مع الحركة فى الدوحة. ولذلك جاء الانتقاد اللاذع للموقف الأمريكى على لسان الرئيس الأفغانى حامد كرزاى نفسه عندما اعتبر أن الأمريكيين أسوأ من طالبان فى أفغانستان. وكانت حركة طالبان قد قامت مؤخرًا بافتتاح مكتب لها فى الدوحة يحمل اسم (إمارة أفغانستان الإسلامية) ورفعت عليه علمها الأبيض، وهو ما اعتبرته السلطات الأفغانية استفزازًا عبر استخدام التسمية السابقة لحكومة طالبان فى أفغانستان حتى الإطاحة بها عام 2001. وفور الإعلان عن قرب إجراء مفاوضات مباشرة بين الأمريكيين وحركة طالبان، عبَّرت كابول عن استيائها الشديد من خلال تعليق مفاوضاتها حول الاتفاق الأمنى الثنائى مع واشنطن وتهديدها بمقاطعة أية محادثات مع المتمردين الأفغان فى مكتبهم الجديد فى الدوحة. لكن لماذا الدوحة؟ المعروف الآن أنه منذ حوالى 3 سنوات وصل سرًا إلى قطر ممثلون عن حركة طالبان لإجراء محادثات مع مسئولين غربيين. وكان هؤلاء على علم بأن الأمريكيين بالذات تواقون للتوصل إلى اتفاق سلام يحفظ لهم ماء الوجه ويسمح لحلف شمال الأطلنطى «الناتو» بالخروج من أفغانستان وترك البلد ينعم بالسلام والاستقرار. وفى مارس 2012 علقت طالبان المحادثات الأولية مع الولاياتالمتحدة التى ركزت على تبادل الأسرى. وكانت حركة طالبان تطالب بالإفراج عن خمسة من كبار عناصرها من معتقل جوانتانامو مقابل إطلاق سراح الرقيب الأمريكى «باول بيرجدال» الذى يعتقد أنه فى قبضة طالبان منذ عام 2009، ولكن عدد ممثلى طالبان فى قطر بدأ يتزايد بصورة تدريجية، وفى الوقت الحالى يوجد فى قطر أكثر من عشرين من عناصر طالبان رفيعى المستوى نسبيًا يعيشون مع عائلاتهم، وقبل نحو عامين انتقل من كابول إلى قطر أيضًا الملا عبدالسلام ضعيف، السجين السابق فى جوانتانامو وسفير طالبان لدى باكستان، وقد سافر ضعيف إلى هناك بمجرد رفع اسمه من قائمة العقوبات الدولية، فى صحبة عائلته. وخلال العامين الماضيين أرسلت طالبان ممثليها من قطر إلى اليابان وفرنسا وألمانيا للمشاركة فى مؤتمرات تم عقدها هناك حول أفغانستان. والجدير بالذكر أن العناصر المقيمة فى قطر لا تمثل إلا طالبان أفغانستان وهى حركة التمرد الرئيسية التى يقودها الملا محمد عمر، ولا يوجد أى ممثلين عن طالبان باكستان. المهم أن الرئس الأمريكى أوباما اعتبر أن عملية التفاوض مع حركة طالبان فى قطر ستكون صعبة وعلق على افتتاح مكتب لطالبان فى الدوحة بأنه خطوة مهمة، قائلًا: سنرى الأفغان لاحقًا يتحدثون مع بعضهم البعض من أجل وقف العنف. وافتتاح المكتب كما يراه الأمريكيون هو خطوة أولى نحو اتفاق سلام مع اقتراب انتهاء مهمة قوة «إيساف» التابعة للناتو العام القادم، لكن الحكومة الأفغانية تتهم المتمردين بأنهم يطرحون أنفسهم كحكومة فى المنفى، والمعروف أن حركة طالبان من ناحيتها متعطشة للحصول على شرعية، ولذلك اعتبرت مجرد افتتاح المكتب فى العاصمة القطرية إنجازًا كبيرًا. ومن ناحية أخرى، نفى المتحدث باسم طالبان فى أفغانستان معلومات نشرتها صحيفة «نيورك تايمز» نقلًا عن قائد فى الحركة لم تكشف عن هويته مفادها أن متمردى طالبان مصممون على إبقاء اسم وعلم الحركة على المكتب الجديد وهو ما آثار استياء كابول. وأكدت الخارجية الأفغانية أن افتتاح هذا المكتب أحيط ب «ضمانات مكتوبة» من الولاياتالمتحدة، وأوضح المتحدث باسمها أن من بين هذه الضمانات ألا يستخدم مكتب الدوحة إلا فى استضافة مفاوضات بين المجلس الأعلى للسلام (وهو الهيئة التى شكلها كرزاى) وممثلين لطالبان لا أكثر ولا أقل. ومن بين الضمانات أيضًا ألا يشير متمردو طالبان المتواجدون فى الدوحة بأى شكل من الأشكال إلى «إمارة أفغانستان الإسلامية»، وأضاف المتحدث أنه فى حال تلبية هذه الشروط سوف تبدأ المفاوضات المباشرة مع طالبان فى الدوحة. ومن جانبه، أكد متحدث باسم مكتب طالبان فى الدوحة أن استخدام العلم الأبيض وعبارة «الإمارة الإسلامية» حظى بموافقة الحكومة القطرية، وقال فى بيان له:(إن تأكيد العكس سيكون أمرًا خاطئًا تمامًا).