ما بين حضور قليل وتغطية إعلامية ضعيفة وما بين تجاهل المؤتمر لشعراء كبار ومقاطعة آخرين له جاء ملتقى الشعر العربى الثالث بعد غياب استمر عامين وسط انتقادات حادة لبرنامج أعماله، وأبحاثه التى استغرقت فى عرض مرحلة شعرية تم تجاوزها وتجاهلها لحاضر كان من المفترض أن يفرض نفسه.. وقال الشاعر الكبير عبد المنعم رمضان لا اعتقد بأن لهذا المؤتمر إيجابية وأن الإيجابية الوحيدة وهى سلبية فى حد ذاتها أن السيد وزير الثقافة وأمين المجلس يعملان لحساب فاروق حسنى وجابر عصفور بمعنى أنه بسبب سوء أدائهما جعلونا نتحسر على أيام حسنى وعصفور. وعلق رمضان على انخفاض مستوى المؤتمر وعدم دعوة شعراء كبار وأيضًا محاولة تغيير سياسة المؤتمر التى تنص على أن الجائز تمنح مرة لشاعر عربى ومرة لشاعر مصرى وأن جائزة هذا العام كان مقررًا لها أن تكون لشاعر عربى إلا أنه كان هناك مخطط من القائمين على المؤتمر بأن يرد رئيس المؤتمر عبد المعطى حجازى الذى حصل على الجائزة اغتصابًا وإعطاها لواحد ممن ساندوا حجازى فوزه فى السابق لولا البيان الذى أصدره الشابان جرجس شكرى ومحمود قرنى عن نية المسئولين عن المؤتمر توجيه الجائزة لشاعر مصرى رغم أنه مقرر أن تكون لشاعر عربى ولكنهم عندما أحسوا أنهم سينكشفون وأن مصالحهم ستضر لأنهم يريدون الاستئثار بجوائز الخليج التى تقدر بمبالغ طائلة تراجعوا عن ذلك، وقال رمضان إنه لا يعترض على الفائز بالجائزة لأنه رجل يستحقها ولكنه يعترض على النوايا والأساليب والمناهج وعلى هذا التزوير، وقال الشاعر عبد المنعم رمضان إن ما أثارته السيدة رغدة كشف إلى حد كبير تخبط المسئولين والجهل الذى ينطوى عليه تفكيرهم، وأن هذا الذى سمح لها لا يعرف الحياة الثقافية لأنه دخلها عن طريق أخبار الأدب ومدح رئيس أخبار الأدب ومجلة إبداع. وتساءل مع من يتساءلون مع تقديرى الشديد للشاعر الكبير عبد المعطى حجازى لماذا هذه الرئاسة الأبدية لحجازى والتى ترأسها لثلاث دورات سابقة، وقال رغم أن حجازى يستحق الكثير إلا أننا نرفض الرئاسة الأبدية، وحول التغطية الإعلامية للمؤتمر قال صلاح فضل بأنه كان يتمنى أن يستشعر الرأى العام فى مصر أهمية هذا المؤتمر وأن يعكس الإعلام الرسمى فاعلياته إلا أننى لم أجد أثرًا للمؤتمر بالصحف الثلاث الرسمية وهكذا نجد أنفسنا فى غيبوبة عن الوعى الثقافى وعن الجمال. قال الشاعر شعبان يوسف إن المؤتمر لم يحقق ما كنا ننشده فلم يكن جيدًا بالمعنى الكامل لأنه كان يحمل عنوان ربيع الشعر ربيع الثورة لذا كان عليه أن يعبر عن اللحظة الراهنة إلا أدار ظهره لما نعيشه حاليًا وجاءت أبحاثه عن شعر الأندلس وأبوللو وأمل دنقل وهو ما ليس له علاقة بالحاضر، بالإضافة أنه تجاهل شعراء ونقادا كبار من العرب فأنا لا أتخيل مؤتمرًا عن الشعر بدون أدونيس أو سعد يوسف، كما أنه تجاهل المرأة الشاعرة والناقدة بشكل متعمد واختصار المرأة فى شاعرة أو اثنتين. وتساءل أين فاطمة قنديل؟ ونجاة على ولينا الطيبى وقال بأن اللجنة ظلت تجتمع لشهور، ورغم ذلك جاء المؤتمر مخيبًا للآمال وذكر بأن النقطة الوحيدة المضيئة فى المؤتمر هى فوز الشاعر اليمنى الكبير عبد العزيز المقالح لأنه رجل مجتهد ولا تعليق عليه ونفى يوسف أن يكون المؤتمر مسيسًا لأن اللجنة أدمغة مستقلة ليس لها علاقة باللحظة الراهنة ولكنهم آثروا أن يمدو الخيوط للأقارب والمعارف. وتحدث ماهر شفيق فريد عن مساهمات جماعة أبوللو فى ترجمة الشعر الأجنبى إلى اللغة العربية حيث كانت الساحة الرئيسية لنشر هذه الترجمات مجلة «أبوللو» لسان حال الجماعة والتى استمرت فى الظهور فى الفترة من سبتمبر 1932 إلى ديسمبر 1934. فكان لكتّاب أبوللو فضل تعريف القارئ العربى باتجاهات حديثة فى الشعر الأوروبى، كما كان الانجاز الأكبر لشعراء أبوللو هو أنهم بحكم مواهبهم الشعرية ترجموا كثيرًا مما ترجموه نظمًا وبذلك صنعوا منه قطعًا أدبية تنتمى إلى الشعر العربى بعدما كانت تنتمى للشعر الإنجليزى وخرجت بعض قصائد المجلة عن حيز الترجمة الناقلة إلى الإبداع فكانت تلتقط فكرة أو صورة من قصيدة أجنبية وتبنى عليها قصيدة عربية. أنهم فتحوا الباب للأدب المقارن وذلك بما كانت تعقده من مقارنات بين الشعراء المصريين ونظرائهم الأوروبين فكانت هذه بعض الديون التى طوقت بها جماعة أبوللو أعناق شعرائنا وكتابنا ونقادنا ومترجمينا وهو ما جعل جهودها باقية وجزءا من تراث الأدب العربى. وفرقت الشاعرة غراء مهنا بين الشعر الثورى وثورة الشعر وأوضحت الخلط الحاصل بينهما وقالت إن الشعر الثورى هو الذى يثور على حدث أو شكل فنى نمطى أو تقليدى والذى عادة ما يظهر بعد الأزمات والحروب. وشعر الثورة الذى يكون فيه التعبير الأدبى صدى للحدث ومعبرا عنه حيث يوضع الشعر فى سياق التطورات السياسية والاجتماعية التى تحدث فى فترة بعينها مستعرضة لخصائص شعر ثورة 25 يناير التى حددتها فى التواصل مع القديم وهو ما بدا واضحًا فيما كتبه أحمد عبد المعطى حجازى فى قصيدة إرادة الحياة والتى تبدأ بكلماته التى كان لها دور رائد فى الثورات العربية وبخاصة الثورة التونسية والمصرية. وأيضًا البعد عن الغموض واضحا حيث غيرت الثورة الكتابة وكتابة الشعر بشكل خاص، مضمونه وشكله ولغته حتى أصبح كل شىء واضحًا مباشرًا بعيدًا عن الغموض والإبهام واستطاع الكثير من هذا الشعر أن يوفق بين جمالياته وبين الشعارات واللغة الخطابية التى كثيرًا ما تكون على حساب الشعر، فى حين تحدث علاء فاروق عن ثورة شعر صلاح جاهين، ثورته على الشكل التقليدى للأدب وثورة أخرى على مفهوم الثبات الذى ارتبط بمستوى لغوى ينبغى ألا يخرج عليه الأدب وثورة ثالثة على نظريات الشعر السابقة من حيث مفهومها ووظيفتها وأدوات تشكيلها، وما كان هذا ليحدث لولا تلاقيه مع وجود فنان مبدع مثل صلاح جاهين قادر على خوض غمار هذه التجرية وتعرضه لمخاطر الهجوم التقليدى على ما يخالف الثوابت أو ما يعتقد أنها ثوابت حتى فيما يتعلق بالفنون التى يفترض فيها أساسًا الإبداع والإتيان بالجديد. ويكفى أن شباب اليوم وبعد ثلاثين عامًا لازالوا مرتبطين بشعر جاهين ويعرفونه أكثر مما يعرفون شعراء كثرا ممن يعاصرونهم وتكفى نظرة عابرة فى رباعياته وقصائده مثل دعاية انتخابية واتنين صباحًا وأهل الهوى وعلى اسم مصر وغيرها. لنعرف أن صلاح جاهين استطاع أن يعبر شعره على تجارب تمس حياتنا جميعًا. وتحدث السيد البحراوى عن شعر الثورة بين القطيعة والتواصل قطيعة مع جيل السبعينيات والتواصل مع مسيرة الشعر العربى قبل وبعد ذلك، وقال بأن جيل السبعينيات من الشعراء اضطر للتوجه إلى مسار آخر للشعر وأحدث انقطاعًا عن إنجازات الشعر العربى منذ الأربعينيات ودخل فى حالة من الانغلاق والبعد عن القضايا العامة والبعد عما أعتقد أنه أساس فى الشعر العربى وهو التجسيد، وبالتالى دخلوا فى حالة من التجريد ومناجاة الذات ومن عدم القدرة على التواصل مع جماهير أوسع ولم يكونوا قادرين حتى على التواصل فيما بينهم، إلا أنه ومنذ الثمانينيات بدأت ما يسمى بقصيدة الحياة اليومية وقصيدة التفصيلات وتواصل الأجيال لكنها كانت أقرب إلى حالة الأحباط منها إلى حالة التواجد فيما عدا شعر العامية الذى ظل متواصلا وهذا ما أوصل الأجيال الجديدة بأشياء استفادوا منها إلا أن هناك من جيل السبعينيات من خرج عن هذا الاتجاه ومنهم جمال بخيت فى قصيدته الشهيرة «آخر شوية دم» وتميم البرغوثى فى ديوانه مصر هانت وبانت والتى كانت من إرهاصات الثورة. واستعرض محمد على سلام مدرسة الديوان، وقال بأن الآنا التى غلبت على روادها الثلاث «العقاد والمازنى وشكرى، كما كانت سر شروق هذه المدرسة كانت أيضًا سر غروبها. مشيرًا إلى أنه على الرغم من أنه يرجع الفضل إليها فى كسر الشعرية ووضعها التجديد الشعرى الذى حول وجهة الشعر إلى الرومانتيكية وأن جهود أعلامها الثلاثة الذين أبوا قبول الاستمرار فى إطار التقليد الشعرى الذى أرسى قواعده البارودى مشعلين ثورة فى وجه هذه المدرسة، يشير أيضًا إلى أن أصحاب هذه المدرسة الذين اختلفوا مع أنفسهم منذ البداية ولعبت الآنا الدور الأخطر لأن كل واحد منهم كان يرنو إلى أن يقال عنه أنه الزعيم الحقيقى أو الرائد الحقيقى للشعر وكما دفعتهم هذه الأناء إلى التمرد على النمط الشعرى وإحداث ثورة فيه فأظهرتهم واشتهرت آراؤهم هى فى الوقت نفسه دفعت بوصلتهم ناحية الغروب وتجلى مظهره فىانحسار دورهم وعدم التواصل مع الأجيال اللاحقة معهم بالقدر الذى حازت به جماعة أبوللو التى تواصل إبداعها فيما تلاها من أجيال. ووصف الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى الديوان وأبوللو: بأنهما جهدان مختلفان ولكنهما متكاملان. الجهد الذى قدمته جماعة الديوان واستطاعت به أن تزلزل القناعات التقليدية الموروثة وتقدم مكانها قناعات جديدة وتكتشف حاجة المصريين وحاجة العرب لشعر جديد رغم أنها لم تقدم لنا شاعرًا كبيرًا وإنما قدمت نقدًا جديدًا على حين أن جماعة أبوللو قدمت الشعراء ولم تقدم نقدًا كبيرًا. وأضاف حجازى أننا نستطيع أن نحل هذا الاشكال إذا اعتبرنا الجماعتين جماعة واحدة، فقد انتقل الشعر من عصر إلى آخر ومن مرحلة إلى أخرى انتقل من مرحلة التقليد الممثلة فى الإحياء إلى مرحلة أخرى هى تلك المرحلة الرومانتيكية التى عاد فيها الشاعر يرى العالم بعينيه هو ليس بعيون النصوص التى يقرؤها الشاعر السابق كان يقرها النص ويصدر عنه والشاعر الرومانتيكى أصبح يرى العالم أولًا ويهتز له ثم يكتب القصيدة وقال بأن شعر أبوللو هو استجابة وتجسيد لنقد الديوان وأنه يميل إلى إنصاف شعراء الديوان وأيضًا نقاد أبوللو وقال لأننا لو قرأنا بقدر من التسامح والتفتح شعر العقاد فستجد شاعرًا حقيقيًا فيما خلفه لنا، وأن قرأ لشكرى متفقون على أن شكرى شاعر وأن فى شعر المازنى قصائد بديعة، وكذلك أثرت أبوللو فى رواد الشعر الذين يعترفون بديونهم لجماعة أبوللو .